مقالات

مقال- فضيلة الشيخ كمال الأغـا فـي ذمـة الله

فضيلة الشيخ  كمال الأغـا فـي ذمـة الله
كتب الشيج يوسف جمعة سلامة


تونس 1992:المرحوم سماحة الشيخ كمال سعيد الاغا مع الراحل الرئيس أبوعمار

الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – القائل : - ( إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد وجلاؤها ذكر الموت وتلاوة القرآن ) صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .

يقول الله تعالى :   وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ  .

ويقول أيضاً  يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ *ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي*وَادْخُلِي جَنَّتِي   .

لقد علمتنا عقيدة الإسلام أن الخلود لله عز وجل ، وأن كل من عليها فانِ ، وأن كتاب الله ليعد بحسن الصبر عمن نفقد حسن العوض منه ، وإنا لنستنجز الله وعده أن يهبنا – ونحن الضعفاء – قوة من عنده ورحمة من لدنه .

ففي صباح يوم الثلاثاء الموافق 4/12/2007م انتقل فضيلة الشيخ / كمال سعيد الأغا إلى جوار ربه عن عمر يناهز سبعة وثمانين عاماً ، لقد مات شيخنا الجليل و في العيون عبرات ، وفي النفوس زفرات ، وفي القلوب حسرات فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

العالـم العــامل

إن الدين الإسلامي يشجع على العلم، ويكرم العلماء، حيث إن أول آيات كريمة نزلت على سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كانت تتحدث عن العلم {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} .

ورفع الإسلام مكانة العلماء عالية خفاقة { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } ، كما وجاءت الأحاديث النبوية الشريفة تبين ذلك، حيث يقول - صلى الله عليه وسلم- : "إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض وحتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير".

وقد جعل الرسول - صلى الله عليه وسلم- فداء كل أسير من الكفار أسره المسلمون في غزوة بدر أن يعلم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة.

وبين الإسلام مكانة العلماء وفضلهم حيث ورد عن أبي الدرداء – رضي الله عنه – قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : " ... وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر " .

واعتبر الإسلام فقد العلماء ثلماً تصاب به الأمة حيث يقول عليه السلام "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم وفي رواية (لم يبق عالماً) اتخذ الناس رءوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا".

هذه نظرة الإسلام إلى العلماء الذين يرشدون الناس إلى الخير والهدى، ويبينون لهم أحكام دينهم الإسلامي الحنيف "ومثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء".

لقد كان فقيدنا – رحمه الله – مثالاً للعالم العامل حيث نهل من معين العلم ( من الأزهر الشريف ) ، وتتلمذ على أيدي علماء أكفاء من شيوخ الأزهر ، حيث حصل على شهادة العالمية ، وشهادة التخصص في القضاء الشرعي، كما عرف عنه – رحمه الله – استقامته ، وحبه لدينه وعقيدته ووطنه والناس أجمعين ، فكان بيته مشرعاً لكل صاحب حاجة ، أو ضيف ، أو طالب علم شرعي ، رحمه الله رحمة واسعـة .

الشيـــخ القاضي

لقد تدرج فقيدنا – رحمه الله – في سلك القضاء الشرعي من كاتب في محكمة يافا الشرعية حتى تقلد رأس القضاء الشرعي في قطاع غزة ، حيث أصبح رئيساً لمحكمة الاستئناف العليا الشرعية بالقطاع ، وللقضاء في الإسلام منزلة رفيعة ، وإظهاراً لعناية الإسلام بمنصب القضاء تصدر له رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بنفسه، وجلس للحكم بين الناس في منازعاتهم وخصوماتهم ، امتثالاً لقول الله عز وجل : {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ } .

وتأصيلاً لمبدأ نفاذ الأحكام ، وكونها ملزمة لجميع العباد ، أمر الله تعالى عباده بالطاعة والامتثال والانقياد ، والتسليم التام الذي لا خيرة بعده ولا تردد ، فقال تعالى : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } .

وقد جاء في السيرة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد علمّ أصحابه القضاء وكلفهم به ، وأوضح لهم منهاجه ، فقد روي أنه – صلى الله عليه وسلم – بعث على بن أبي طالب- رضي الله عنه - قاضياً إلى اليمن، فقال له علي- رضي الله عنه - : أترسلني يا رسول الله وأنا حديث السن ، ولا علم لي بالقضاء ؟ ! فقال له – صلى الله عليه وسلم - : " إن الله سيهدي قلبك ، ويثبت لسانك ، فإذا جلس الخصمان بين يديك فلا تقض لأحدهما حتى تسمع من الآخر ، فإنه أحرى أن يتبين لك وجه القضاء " .

وكذلك الخلفاء الراشدون بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جلسوا للقضاء بين الناس والفصل في خصوماتهم ومنازعاتهم ، وبينوا وجه الحق ومنهاج القضاء السليم في ذلك ، وما رسالة سيدنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه – لأبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – عنا ببعيد.

و فقيدنا – رحمه الله – كان من خيرة من تولى القضاء الشرعي في بلادنا الحبيبة فلسطين بالإضافة إلى إخوانه وزملائه من العلماء الأجلاء ،حيث عمل في العديد من المدن الفلسطينية ،وتدرج في منصب القضاء حتى أصبح رئيساً لمحكمة الاستئناف العليا الشرعية بقطاع غزة وهو أرفع موقع قضائي وقتئذ .

وكان -رحمه الله – قاضياً يحكم بين الناس بالعدل ، محبوباً من المواطنين ، يعمل على الإصلاح بين المتخاصمين شعوراً منه – رحمه الله – بضرورة المحافظة على النسيج الاجتماعي ، والعلاقات الأسرية لتبقى سداً منيعاً أمام أطماع المعتدين .

فأمثال هذه الكوكبة من العلماء القضاة أعطوا للأمة قضاء نزيهاً نفخر به ، ونعتز بما اشتهر به القضاة من نزاهة في الحكم ، ومن شرف في السلوك ، ومن أمانة في القضاء ،ومن سعة في العلم ، ومن همة في الاجتهاد فجزاهم الله خير الجزاء .

الشيخ الداعيـة

كان للشيخ دور بارز في الدعوة إلى الله ونصرة دينه بالقول والعمل ، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، لا يخشى في الله لومة لائم ، مصداقاً لقوله تعالى : {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ، حيث تشير الآية الكريمة إلى شرف وقدسية ما يحمله الداعي إلى الله .

فقد كان فقيدنا رحمه الله خطيباً بارعاً ، يتنقل بين المساجد يعلم الناس الخير ،
ويرشدهم إلى الفضيلة ، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وقد رفع الإسلام مكانة العلماء عالية خفاقة في قوله تعالى : ] قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [.

ولازلت أذكر قبل ثلاثين سنة أن فقيدنا الغالي كان من القلة النادرة من القضاة وقتئذ الذين يقومون بالخطابة والتدريس والوعظ في المساجد ، كما كان يفسح المجال لطلاب العلم ، وتعود بي الذاكرة إلى ربع قرن من الزمان عندما قمت بإلقاء خطبة الجمعة في مسجد خانيونس الكبير ، وكان الشيخ – رحمه الله – من المستمعين ، فأثنى عليّ ، وأخذ بيدي ، ودعاني إلى بيته ، وكان ذلك بحضور عميد العائلة وقتئذ المرحوم المختار / عيد الأغا ( أبو عدنان ) رحمه الله .

ولا زلت أذكر كلماته الطيبة عندما أبّن زميله ورفيق دربه المرحوم فضيلة الشيخ / سليم شراب في مسجد خانيونس الكبير قبل الصلاة عليه حيث ألقى كلمة طيبة مؤثرة ، فهذا هو موقف الدعاة والعلماء من بعضهم البعض ، رحمهم الله جميعاً .

الشيخ المصلح

لقد كان فقيدنا – رحمه الله - مصلحاً كبيراً ، حيث كان يسعى بين الناس بالخير ، وجمع الشمل ، وإصلاح ذات البين بالكلمة الطيبة ، والأسوة الحسنة وفضل الإصلاح عظيم في شريعتنا الغراء حيث يقول عليه السلام : (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟ قالوا : بلى قال : إصلاح ذات البين ، فإن فساد ذات البين هو الحالقة ، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين).

فقد كان الشيخ – رحمه الله – على رأس لجان الإصلاح لإلقاء كلمة الشرع والدين ، في ترغيب الناس بالاحتكام لشرع الله ، والتحلي بالصبر والثبات ، وكذلك بالعفو والصفح الجميل ، فقد جاء في رسالة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – إلى أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – في القضاء ( إن الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً ، أو حرم حلالاً ) .

الشيخ المفتي

عمل الشيخ – رحمه الله – نائباً للمفتي العام للقدس والديار الفلسطينية بعد عودة السلطة الوطنية الفلسطينية وحتى وفاته ، والإفتاء أمر هام في شريعتنا الإسلامية الغراء ، كيف لا ؟! وسيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – هو المفتي الأول الذي اقتدى بهديه العلماء والأئمة الكرام .

فكان – رحمه الله – يفتي الناس في أمور دينهم ودنياهم ، وكان الناس يقصدونه في استفساراتهم لما عرف عنه – رحمه الله – من علم ، وتواضع ، وحكمة وخبرة .

الشيخ وأعمال البر والخير

ديننا الإسلامي يحث على عمل الخير حتى آخر لحظة من حياة الإنسان ، ( لو قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها ) ، لقد كان فقيدنا – رحمه الله – من محبي الخير ، والدالين عليه ، حيث أسس – رحمه الله – لجنة زكاة خانيونس – المسجد الكبير – وكانت من أول لجان الزكاة العاملة في قطاع غزة ، وكان الشيخ رئيساً لهذه اللجنة ، التي تقدم المساعدات للأسرة الفقيرة والمحتاجة ، وكذلك إلى أسر الشهداء والأسرى، وترعي الأيتام ( أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى ) ، فأي منزلة أعظم من هذه المنزلة، ونحن نذكر ذلك الحديث الشريف الذي يبين بأن الله عز وجل قد غفر لرجل خطاء كثير الذنوب لأنه سقى كلباً وجده يأكل الثرى من العطش ، فما بالك بمن يسقي ظمآناً ، أو يطعم جائعاً ، أو يكسو عرياناً ، أو يمسح رأس يتيم ، أو يدخل السرور على قلوب الثكالى والمحزونين ، إن جزاءهم عند الله عظيم .
هذه بعض النقاط التي وفقني الله لذكرها من مناقب فقيدنا الكبير الغالي – رحمه الله – كنت قد ذكرت بعضها عندما قمت بتأبين فقيدنا – رحمه الله – في مقبرة مدينة خانيونس ، اعترافاً منا بعلمه وعمله وفضله ، وعملاً بقول الرسول – صلى الله عليه وسلم : ( اذكروا محاسن موتاكم ) .
نسأل الله أن يكرم نزله، وأن يعوضنا عنه وعن أمثاله من العلماء العاملين خير العوض.
اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم.
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ *ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي*وَادْخُلِي جَنَّتِي
وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

اضغط هنا للتعرف على المرحوم الأستاذ كمال سعيد حمدان الأغا

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد