مقالات

بين وعد " بلفور" ووعد " بوش" أحداث غيّرت وجه التاريخ

 


 قائمة الأحداث التي غيّرت مجرى التاريخ في شهر نوفمبر تطول، ويصعب تناولها في هذا المقال، لكن معظمها برزت على الساحة العربية، وانعكست إما سلباً أوإيجاباً في مسيرة الأمة العربية والإسلامية بصفة عامة، والشعب الفلسطيني بصفة خاصة، بدءاً من وعد (بلفور) المشؤوم في الثاني من نوفمبر، إلى زيارة الرئيس السادات  إلى (إسرائيل) فلسطين، إلى إعلان الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس في الجزائر،  ثم مقتل ( رابين) رئيس وزراء إسرائيل على المتطرف اليهودي" إيغال عمير"، وإذا  اقتربنا من كل حدث، فإن التاريخ يسجّل مع كل يوم أبجدية جديدة نثراً وشعراً، هي  انعكاس لمجريات تلك الأحداث بل والحدث الأساس وهو الوعد المشؤوم، ومِفْصَلاً  صعباً في مسيرة الحياة العامة، لكنه مربوط بجسد الواقع الفلسطيني بصورة مباشرة.
 ورغم أن بعض الأحداث لا يمت في الظاهر إلى القضية الفلسطينية، إلا أن  انعكاساتها كانت الأخطر على الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية.
 

 وإذا وقفنا أمام الوعد المشؤوم الذي أصدرته بريطانيا في الثاني من نوفمبر عام  1917، فإنه يمثل انعطافة حادة في تاريخ الشعب الفلسطيني، وما يحدث الآن في  فلسطين على أيدي حكومات إسرائيل المتعاقبة هو نتيجة هذا الوعد، ونتيجة غض البصر  من دول العالم لِما قامت به حكومات إسرائيل، وما يقوم به شارون تجاه الشعب  الفلسطيني الآن، حتى أنني أجزم بأن ما حدث للعالم من هزّات اقتصادية، جاء نتيجة  الصمت العالمي تجاه ما تقوم به إسرائيل في المنطقة ضد الشعب الفلسطيني، بل  وزيادة بأن الخسائر المتلاحقة للشركات العامة، والسندات، والأسهم أضعاف
مضاعفة  لِما خسره الشعب الفلسطيني خلال ثلاثة عشر شهراً، فهل فطن العالم لِما يجرى على  الساحة الفلسطينية؟.
 لقد ظنّ العالم بأن منح اليهود وطن قومي لهم في أرض فلسطين يمثل قمّة الإنسانية  لهذا الشعب المشتت هنا وهناك، والذي لا تحكمه ثوابت أو رؤى أو فكر ثابت أو  منهجيه، وأن هذا التصرف  يمثل رؤية استراتيجية في الاتجاه الصحيح، وبدأ اليهود  بمساعدة جميع الدول الغربية بالوفود إلى إسرائيل برّاً وبحراً وجواً، حتى  تمكنوا من الأرض بمساعدة (بريطانيا) من أجل التخلص منهم  لسوء سلوكهم في أماكن  تواجدهم، وهكذا صدر الوعد بمنح اليهود وطن قومي لهم في فلسطين، وتحول المنح إلى  قرار ودولة مع مرور الزمن، وأصبحوا يملكون من الأرض 78 / وأصبح عددهم في فلسطين  وحدها قرابة 4 مليون نسمة بعد أن كانوا 3 آلاف يهودي فقط عام 1916 ، وبدأ  اليهود يظهرون وجههم الحقيقي مع الدول التي منحتهم هذا الحق، وتحولت علاقاتهم  الاستراتيجية مع الدول إلى علاقة مصالح مشتركة، حتى أنهم وقفوا كثيراً في وجه  سياسات مَن منحهم الأرض، ومَن ساعدهم، ونذكر أخيراً رفض شارون ما يطلبه رؤساء  أمريكا وبريطانيا وفرنسا وكثير من الدول الصديقة، مما سبب لهم الكثير من الحرج  مع الدول العربية والإسلامية، وما تلك النعوت التي ألصقها شارون بالولايات  المتحدة الأمريكية، إلا حلقة أخيرة في سلسلة الحرج الذي تسببه السياسة   الإسرائيلية لأمريكا في العالم.
 وقد كان هذا القرار المجحف خطيئة ارتكبتها بريطانيا في ذلك الوقت، لأنها شتتت  شعباً هو صاحب الحق في هذه الأرض، أما آن الأوان لاستفاقة متأخرة من العالم؟!
 وبدأ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يأخذ منحى يختلف حسب طبيعة المرحلة، إلى أن  جاء قرار التقسيم الأممي المجحف في 29/11/1947 بتقسيم فلسطين ، ليأخذ الصراع  وجهاً جديداً، ولتتحول القضية برمتها إلى أروقة الساسة والسياسيين، والأمم  المتحدة والجامعة العربية، ومقررات القمم العربية، علماً بأن القضية الفلسطينية
 لم تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام نتيجة مباحثات سياسية، ونحن الآن في فترة ضعف  واستكانة تامة، لذا نحتاج إما لقوة دفع سياسية وهي موجودة بقوة في رصيدنا  العربي والإسلامي، أو قوة دفع عسكرية مشتركة عربية وإسلامية تجبر سياسي العالم  على الأخذ بمبدأ المبادرة لحل هذا الصراع، وهذه ليست دعوة للمواجهة بقدر ما هي  دعوة للخروج من عنق الزجاجة السياسي، والتاريخ شاهد على ذلك، فاليهود عندما  يستشعرون بخطر المقاومة الفلسطينية أو قوة الدفع العربية والإسلامية، يطلبون من  بعض الدول تقديم بعض المقترحات من أجل تهدئة الأمور لصالحهم، وما  المبادرة  المصرية الأردنية المشتركة، ومشروع ما يُسمى" تنت" ومقررات " متشل" وتعيين  السفير الأمريكي في الأردن مبعوثاً خاصاً، وعودة " روس" ومبعوثو الاتحاد  الأوروبي، وزيارة الأمين العام للأمم المتحدة، والقائمة تطول، إلا دليلاً  واضحاً على ما نقول. والسؤال الآن إلى كل هؤلاء لماذا لا تتحركون عندما تشهدون  ما يحدث للشعب الفلسطيني من إبادة للحياة بكل معناها؟

 

 إن وعد بلفور بما حمل من مآسي للشعب الفلسطيني، نتيجة قرار ظالم من بريطانيا  والدول العظمى آنذاك، مازالت آثاره إلى اليوم، قتل وهدم وتشريد، وإبادة وإنهاك،  وحصار وتجويع، وهو أخطر من الحرب النووية، لهذا يمكن للدول التي قدّمت  المساعدات للسلطة الوطنية الفلسطينية والمنح والقروض والتي ذهبت أدراج الرياح  بفعل التدمير الذي لحق بالبنية التحتية الفلسطينية أن يساهم في إيقاف العنف  الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية، ألا يكفي أن الدول منحت اليهود أرض الشعب  الفلسطيني، وسلبت هذا الحق من أصحاب الحق؟! ألا يجب على الدول المانحة أن
تراجع  سياساتها تجاه ما تقوم به إسرائيل؟ إننا اليوم لا نريد وعد الرئيس الأمريكي  "بوش" للفلسطينيين فقط، بل نريد حق الفلسطينيين  في الأرض والعيش بأمان وسلام.
 وفي الثاني والعشرين من شهر نوفمبر عام 1967 أصدر مجلس الأمن قراراً ( غير  ملزم) بانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية التي احتلها بعد حرب يونيو 1967،  ومازال القرار بعد أربع وثلاثين عاما ينتظر التنفيذ، علماً بأن هناك قرارات  صدرت منذ أيام والتزمت بها الدول التزاماً لا حيد عنه! فلماذا إذن يتم تنفيذ  قرارٍ على دولٍ، بينما مازالت إسرائيل تريد تفصيل طبيعة القرار حسب ما ترتئيه،  أو حسب ما تراه مناسباً لها.

 وفي التاسع عشر من هذا الشهر عام 1977، قام الرئيس المصري الراحل/ أنور السادات  بزيارة إلى ( إسرائيل) فلسطين، وخاطب الشعب الإسرائيلي والعالم من مبنى الكنيست  "الإسرائيلي"، ليختلف وجه العالم بعد هذه الزيارة تماماً، والتي مازالت تمثل  لغزاً في قاموس السياسة بصورة عامة، فالبعض يتحدث عن إيجابيات لها، والبعض  يتحدث عن سلبيات لها، لكننا نقر بأنها تمثل مفصلاً  في مسيرة العمل السياسي  بصورة عامة.
 وفي الخامس عشر من شهر نوفمبر عام 1988 أعلن المجلس الوطني الفلسطيني في دورته  الطارئة المنعقدة في الجزائر قيام الدولة الفلسطينية المستقلة في غزة والضفة  الغربية وعاصمتها القدس الشريف، واعترف ضمنياً " بإسرائيل" وذلك بقبول قراري  مجلس الأمن 242 و 383 .، ونقول بأن هذا الإعلان _ الموافقة على قراري مجلس
 الأمن – يمثل منعطفاً جديداً في مسيرة العمل الفلسطيني خاصة والعربي عامة.
 وفي الرابع من شهر نوفمبر عام 1995، قام أحد المتطرفين اليهود باغتيال (اسحق  رابين) رئيس وزراء إسرائيل وهو يلقي كلمته أمام العالم، وقد كان رغم سياسته  التي حملها معه أبان ترأسه لأعلى سلطة عسكرية في جيش( الدفاع الإسرائيلي) وهي  تكسير العظام، إلا أنه امتلك شجاعة فريدة من نوعها عندما عقد صلحاً مع منظمة  التحرير الفلسطينية، هذا الصلح الذي فرضته التحولات السياسية على الساحة  الدولية، لتبدأ معه مرحلة جديدة من مراحل العمل السياسي، ومنذ اغتياله، اغتيل  السلام المنشود في إسرائيل، ولم تفرز الساحة الإسرائيلية يهودياً معتدلاً يمكنه
 أن يحقق الأمن والسلام لشعوب المنطقة.
 إن الأحداث المتلاحقة والمتصلة ببوصلة الحياة لا يمكنها أن تخطيء إذا وجدت مَن  يقوم عليها، ويدعمها ويتبناها بالصورة العادلة التي تحفظ للجميع مكانتهم  وهيبتهم، لكننا لا نريد أن يفيق العالم مرّة أخرى على أحداث أخطر مما حدث  للولايات المتحدة الأمريكية في الحادي عشر من سبتمبر، وإلا فستكون بداية لزوال  أمم، وبداية لأمم جديدة ربما تكون أقدر على تسيير دفة الحياة " بالعدل  المطلق"  الذي لا يكون إلا من عند الله.
 أحداث أخرى غيّرت مجرى التاريخ وقعت في هذا الشهر.
 1- 19/11/1935 استشهاد الشيخ / عز الدين القسام في أحراش يعبد.
 2- 28/211/1937 نفذت بريانيا حكم الإعدام في شيخ المجاهدين/ فرحان السعدي وهو  صائم، وهو رفيق عز الدين القسام.
 3-  3/11/1956 ارتكبت القوات الإسرائيلية أكبر مجزرة في تاريخها عندما قتلت650  فلسطينياً في مدينة خان يونس خلال ثلاثة أيام، وقد صدر كتاب يؤرخ لهذه المذبحة  بالأسماء والصور وأماكن الاغتيال بعنوان ( خان يونس مدينة الشهداء) تأليف   الدكتور إحسان خليل الأغا، وجاري ترجمته للغة الإنجليزية ليكون شاهداً أمام  العالم، وقد تناولت الراية الغرّاء هذا الكتاب بقلم الأستاذ الكبير/ حسن توفيق  منذ ثلاث سنوات.
 4- 13/11/1966 ارتكبت القوات الإسرائيلية مجزر في قرية السموع بالخليل وقتلت 18  فلسطينياً وجرحت 54 شخصاً، وهدمت 125 منزلاً.
 5-  القمة العربية بالجزائر في 27/11/1973 تصدر قراراً بالاعتراف بمنظمة  التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
 والقائمة تطول، وكل ذلك حدث بسبب قرار الوعد المشؤوم، فهل يتحقق وعد الرئيس  الأمريكي "بوش"  الذي حاول اللوبي الصهيوني أن يمنعه من الوصول إلى البيت  الأبيض كما تناقلت وسائل الإعلام آنذاك، مفضلا عليه نائب الرئيس الديمقراطي،  نأمل أن يتحقق الوعد الجديد.

اضغط هنا للتواصل أو التعرف على السفير يحيى زكريا إسعيد حمدان الأغا

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد