مقالات

رحمانيّات ربانية للأمّة المحمدية (17)همسة حياء- بقلم المنتصر بالله حلمي الأغا

 

بسم الله الرحمن الرحيم


رحمانيّات ربانية للأمّة المحمدية
(17)
همسة حياء
 

 


 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، ونسأله تعالى العفو والعافية وأن يمنَّ علينا بنِعَم الهدى والإيمان الكامل ونعمة الحياء منه ، ونسأله تعالى أن يرحم أموات وشهداء المسلمين في كل مكان ، اللهمَّ آمين . ترتبط مسألة الحياء بالسلوك الإيماني للعباد ، فالمؤمنون دائماً بين الخوف والرجاء ، من أجل هذا يُعْمِلُون عقولهم في عبوديتهم لله تعالى لإدراكهم عَظَمِة موقف المسائلة والجزاء بين يدي الله تعالى ، وهذا التفكّر من نِعَم الله تعالى على عباده المؤمنين كما الحياء من نِعمِ الله ، ومن يستحي من الله تعالى يستحي من ذنوبه فيستغفر ويتوب ، وآنذاك يرتقى درجات الإيمان . والحياء شعبةٌ من شعب الإيمان ودليل الخير كله ، فمن نقص إيمانه قلَّ حياؤه ، وزاد تجرؤه على الآخرين ولو كانوا أقرب الناس إليه ، ولو كانوا والديه أو زوجه وأولاده وأخوته أو جيرانه وأقرانه ، ومن تجرّأ على غيره فَقَدَ الخير في نفسه ، وفقده للآخرين . ونَقْص الحياء أو ( قلّة الحياء كما يُقال بالعامية ) أصبح ظاهرةً عجيبة عند ‘‘ بعض ’’ الناس وحجّتهم في ذلك : أن الدنيا تغيّرت وتحتاج لما أسمّوه ‘‘ جرأة أو قوة قلب ! ’’ ، وهذا غير صحيح ، فالدنيا كما هي منذ خلقها الله تعالى ، ولكن الناس ونفوسهم تغيّرت ، فأصبح ذاك ‘‘ البعض ’’ لا يخجل ولا يستحي من أحد ، فلا يستحي ‘‘ بعض ’’ الأبناء من آبائهم أو أمهاتهم ، أو زوجٌ من زوجه ، أو أبٌ من أولاده أو أخوته وأهله ، أو قريب من قريبه ، أو قد لا يستحي شابٌ صغير من شيخٍ كبير ، أو جارٌ من جاره ، ولا يستحي جاهلٌ من صاحب علمٍ ، وأصبح كثيرون لا يستحون من كثيرين !! ،
ومن كان مثل أولئك فإنه لا يستحي من الله تعالى والعياذ بالله ، ولا يأخذ في اعتباره الأخلاق الإيمانية ، فيتطاول على الآخرين فيقول ويفعل ما يحسبه صحيحاً ، حتى ولو كان ذلك العمل أو القول خروج عن قواعد الدِينِ أو الأخلاق أو العرف والمألوف ، من أجل هذا قال العلماء:[ أن حقيقة الحياء ، هو خُلُقٌ يَبْعَثُ على ترك القبيح ، ويمنع من التقصير في حقٍ من الحقوق ] ، وهنا ينطبق قول الله تعالى على أولئك في سورة الكهف:‘‘ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأخْسَرِينَ أعْمَالاً(103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعَاً (104)’’. وجاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه قول رسـول الله صلّى الله عليه وسلّم:‘‘ الإيمان بضعٌ وسبعون أو بضعٌ وستون شعبةً ، فأفضلها قول لا إله إلاّ الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان’’ .( والبضع هو: من الثلاثة إلى العشرة ، والشعبة: القطعة) . وقال عمران بن حصين رضي الله عنهما أن رسـول الله صلى الله عليه وسلم قال:‘‘ الحياء خيرٌ كلّه ’’ أو قال:‘‘ الحياء كلّه خير’’ . كما حدّث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرَّ على رجلٍ من الأنصار ، وهو يعظُ أخاه في الحياء ، فقال رسـول الله صلّى الله عليه وسلّم:‘‘ دعهُ ، فإن الحياءَ من الإيمان ’’ ، ومن لا يستحي لا إيمان له . وفي الحديث الشـريف عن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:‘‘ إن مما أدرك الناس من كلام النبّوة الأولى إذا لم تَسْتَحِ فاصنع ما شئت ’’ .
 أمَّا المؤمن فهو ‘‘ كيّس فطِن ’’ ويستحي ، إذا فعل معصيةًً _ ولو فعلها بينه وبين جنبات نفسه ولا يعلم بها إلاَّ الله تعالى _ فيدفعه حياؤه ليستغفر ويتوب لأنه يستحي من الله تعالى من ذنوبه ، بل يستحي من نفسه ، وبالتالي فإنه يستحي من العباد فلا يتعدى عليهم بقول أو فعلٍ . أمَّا من قلَّ حياؤه فقد خَلَى عقله من الفطنة والكياسة ، فيملي عليه شيطانه من الإنس أو الجن أفعاله التي تخلوا من الحياء ، ويحسبه هيّنٌ وهو عند الله تعالى عظيم . وأمَّا الحياء من الله تعالى فيقول الحسن البصري أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لأصحابه:‘‘ أيريد كلكم أن يدخل الجنة ؟ قالوا : نعم جُعِلنا فداك يا رسول الله ، قال: قصِّروا الأمل واستحيوا من الله حق الحياء ، قالوا : يا رسول الله كلنا نستحي من الله تعالى ، قال: ليس ذلك بالحياء ولكن الحياء من الله تعالى أن تذكروا المقابر والبلى ، وتحفظوا الجوع وما وعى ، والرأس وما حوى ، ومن يشتهي كرامة الآخرة يَدَعْ زينة الدنيا ، فهنالك يستحي العبد من الله تعالى حق الحياء ’’. وقال الحكماء : ( القناعة دليل الأمانة ، والأمانة دليل الشكر ، والشكر دليل الزيادة ، والزيادة دليل بقاء النعمة ، والحياء دليل الخير كلّه ) . وفي الحديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسـول الله صلى الله عليه وسلم قال: ‘‘ الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنة ، والبذاء من الجفاء والجفاء في النار ’’ .
والبذاء هو : التكلم بالفحش ورديء الكلام على الآخرين ، وهذا سلوك سيّئ ليس من أخلاق المؤمن الذي يتعفف عن بذيء الكلام ، والمؤمن لا يخرج من فمه إلآّ الكلام الطيب ، ويخرج عنه ّ كل عمل طيب تعكس أخلاقه وإيمانه . وقد رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده يبكي ، فقال: [ ما يبكيك يا رسول الله ؟ قال:‘‘ أخبرني جبريل عليه السلام أن الله تعالى يستحي من عبد يشيب في الإسلام أن يعذبه ، أفلا يستحي الشيخ من الله أن يذنب بعدما شاب في الإسلام ’’ ].
 أمَّا عدم الحياء عند البعض فهو نتيجة طبيعية عن ( قلّة الدِين والجهل بأموره ) وضعف الإيمان وموت القلوب ، وهكذا يعملون ما يشاءون بدون خجل أو رادع ، ومن تطاول على غيره بغير حقٍ فقد تعدّى عليه وظلمه ، والظلم ظلمات يوم القيامة ، وأشد الظلم ظلم النفس وذلك بحرمانها من معرفة الله تعالى ، والمعرفة تتحقق بارتقاء سلّم الإيمان ، فمن أراد أن يتخبط في طرق الآخرة وجهنّم فلا يتواني عن عدم الحياء وظلم الآخرين ، ومن يريد ذلك إلاَّ من مات قلبه وفقد عقله وإيمانه ولم يتفكر في موقف المسائلة ؟! . نسأل الله تعالى أن يجمّل أخلاقنا بمكارم الأخلاق والحياء ، وأن يجعلنا من الذين يستحون منه ومن المؤمنين ومن عيوبنا فنستغفر ونتوب إلى الله تعالى متاباً ، اللهم آمين . ونسأله تعالى أن يغفر لنا ولوالدينا وأهلينا وموتى المسلمين والمؤمنين ، ولشهدائنا في الغربة والوطن وأن يتجاوز عن سيّئاتهم ويرحمهم ويغسلهم بالماء والثلج والبرد ، وهو الكريم وأرحم الراحمين فيكرمهم ويسكنهم في جنات العُلَى في عليين ، اللهمَّ آمين ،
وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم ،
 وآخر دعوانا الحمد لله ربِّ العالمين

اضغط هنا للتواصل أو التعرف على أ. المنتصر بالله حلمي أحمد الأغا

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد