مقالات

تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ- بلال فوزي

بسم الله الرحمن الرحيم
 

تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ


ذكر العلماء ، والمؤرِّخون المسلمون أسباباً ، وشروطاً ارتكبتها الأجيال الإسلامية السابقة ، سواءً على مستوى الفرد ، أو على مستوى القيادة ، ورئاسة الدولة ، أدَّت هذه الأسباب ، والشروط بهذه الدولة ، أو الأسرة الحاكمة إلى السقوط ، والأفول إلى غير رجعة ، فصارت جزءاً من التاريخ .

فكم ذكر التاريخ صفحات لأناس كانوا القادة الذين يُرهِبون الناس ، ويذيع صيتهم هنا ، وهناك ، انحازوا في لحظة زمنية إلى القوط النصارى ، ودفعوا لهم الجزية ، هل سمعت أن مسلماً يدفع الجزية لكافر؟؟؟

لكنَّهم عندما جاء أجلهم غربت شمسهم ، وأفل نجمهم ، بل بعضهم ؛ قتله شعبه ، وبعضهم حبسه شعبه ، وبعضهم نفاه خارج البلاد ، وبعضهم بقي ذليلاً بجوار الناس الذين كان بالأمس حاكمهم ، يذلهم ، ويعذبهم ، ويحبسهم ، لقد اندحروا من المشهد التاريخي ، " فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ " ، لقد رَكِبَتْهم من أثواب الهزيمة ، والخزي ، والعار بسبب أعمالٍ شنيعةٍ عملوها سابقاً ، وهم واثقون أنهم باقون ، لم يحسبوا لمثل هذا اليوم حساباً ، لم يحسبوا لتقلبات الأزمان ، وتداول الأيام بين الناس ، لم يراعوا أن الذي يحكم الكون هو الكبير المتعال سبحانه وتعالى ، كان الالتزام بشرع الله وكلامه متأخراً في عُرفهم ، ولم تكن خشية الله حاضرةً لديهم عندما يتخذون القرار ليراعوا الحدود الشرعية ، كلا ، كلا ، شعارهم لا أريكم إلا ما أرى ، كما قال الله تعالى عنهم في سورة أبي الأنبياء إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام : " أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ : مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ، وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ ، وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ ، وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ ، وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ".
مات أحدهم يوماً بعد أن أُخرج من بلده ، حيث انقلب على عقبه بعد أن رأى الحق ، وعرفه ، طمعاً في الملك ، وخوفاً على مستقبل الأولاد ، لكن ؛ قد يعمى البصر إذا قُدمت المصالح الخاصة ، والأغراض الضيقة ، فيرى في الظاهر أن النجاة الكبرى ، والمخرج في قرار ما يتسرع ليأخذه ، ويتبناه ، وينفذه ، ولكن باطنه فيه الهلاك ، والضياع .

مات في المغرب المعتمد بن عبّاد ملك أشبيلية أكبر ممالك الأندلس ، بعد أن ذهب الخدم ، والحشم ، والأولاد ، والأهل ، والوزراء ، والشعراء المتملقون ، والمُغَنُّون بقيادة زرياب ، والنساء الراقصات الخادعات المائلات ، المميلات ، وأصحاب الأقلام المأجورة .

هَرِمَ المعتمد ومات وحده ، فوجده ثلاثة من الناس ميتاً ، ليس عنده أحد يدفنه ، وهم لا يعلمون من يدفنون ، حتى قال داعيهم للناس : "صلاة الجنازة على الغريب " ، وبعد فراغهم ، كشف أحدهم وجهه ، فقال : أتدرون مَن هذا ؟ ، انه المعتمد ملك أشبيلية .

نعم ، بث الله أمامنا كتابه المنظور وهو الكون ، وأنزل علينا كتابه المسطور وهو القرآن ، فإذا أخذنا من الكون ، والتاريخ سنةً ، وقانوناً ، ثم نجد في القرآن آيات تؤكد نفس الحقيقة ، فإنها خلاصات ثابتة ، مطردة ، قوانين كونية تاريخية ، إذا حدثت مقدماتها ، تبعتها حتماً نتائجها ، ذكر العلماء هذه الأسباب المسببة للسقوط ، إذا تحققت هذه الشروط في دولة ، أو أسرة حاكمة ، أو حزب حاكم فان النتائج الكبرى وهي السقوط هو مصيرها ، ولن يرحمها أحد.

سأذكر عشرة أسباب ثابتة شرعاً بكتاب الله المسطور وهو القرآن ، وثابتة بالتاريخ وهو جزءٌ من كتاب الله المنظور ، أسردها في هذا المقال مجتمعةً ، وأتناولها في مقالات قادمة ، مستدلّاً عليها بآيات قرآنية لا ريب ، ولا شك فيها ، وذاكراً لأمثلة حدثت في التاريخ والواقع ، لنقول سبحان الله ، هذا ما وعدنا الله ، ورسوله وصدق الله ورسوله ، ولا يزيدنا ذلك إلا إيماناً وتسليماً.

وإليكم هذه الأسباب :

1) ضعف الالتزام الشخصي بالإسلام.
2) تقريب البطانة المنتفعة.
3) محاربة الدعاة ، والمصلحين .
4) إشغال جيل الشباب بالإثارات العاطفية .
5) ضعف الشعور بالأخوة الإسلامية ، وعمق الأمة الواحدة.
6) قوة النفوذ الأجنبي ، والديون الطائلة لصالح دول خارجية صاحبة أطماع ، ومصالح.
7) الظلم ، والاستبداد في الحكم .
8) الترف الفاحش ، وبطر المعيشة .
9) موالاة أعداء الأمة .
10) تقوية أجهزة الأمن على حساب الجيش .

في الواقع :

تأمَّلوا معي ، الشخص الذي أصبح في يومٍ رئيسَ البلاد ، أمسى في نفس ذاك اليوم رئيسها المخلوع ، إنّه مصداق قوله تعالى :" وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ " ، ذلك أنه ملتصقٌ بالكرسي ، لا يتركه إلا نَزْعاً ، ينزعه الله كما ينزع الروح من الجسد ، وكلمة تنزع فعل مضارع مسند إلى الله سبحانه وحده ، ولا يسد مكان هذه اللفظة أي كلمة أخرى .

والأعجب أن ترى الذل في وجوه هؤلاء ، على النت في المواقع المختلفة ، نجد الخبر الأكثر إثارةً المُعنون بأخبار خاصة ، وسبق صحفي عن أخبار هؤلاء بعد إسقاطهم ، فنجد مثلاً من الأخبار الأكثر تناقلاً ، وجذباً ، وإرسالاً ، وتبادلاً بين الأصدقاء ، خبر عن فلان الوزير الذي كان يحبس الناس في مكان أنزله الله فيه ، كيف قضى أول ليلة في السجن ، أو الرجل الأغنى في البلاد كيف يأتي له شاويش المطبخ في السجن ، ويقوم بوظيفته المعتادة كل يوم وهي تقديم الفول ، والبيض المسلوق ورغيف البيتا ، إنها والله حالةٌ ذليلة ، لا أنزل الله فيها أحداً ، ولكن كما يقول المثل السائر : " يداك أوكتا ، وفوك نفخ " .
أختتم هذا المقال الليلة ، على وَقْعِ أخبارٍ شديدةِ الوَطْأة على النفس المسلمة ، جثث تُحرق ، ومنازل تُقصف بالطائرات الرئاسية ، ومستشفيات تُهدم ، قد ارتكب كل الأسباب السابقة للسقوط ، ندعو الله أن يحقن دماء المسلمين بسرعة سقوطه ، لئلا تنزف دماء الناس أكثر من ذلك ، وحيث أنه فعل أشنع الأفعال فسوف يذله الله ، ويجعله للناس آية ، وأدعو الله أن أكتب المقال القادم وهو ساقط  ، اللهم آمين ، فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ.
 

اضغط هنا للتواصل أو التعرف على الأستاذ بلال فوزي جبارة محمد بخيت أحمد إبراهيم(بدوي) الأغا

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد