مقالات

المصالحة القرآنية- بلال فوزي


 
بسم الله الرحمن الرحيم


المصالحة القرآنية

 

 


رغم الخلاف في الرأي بين القادة كأشخاص أولاً !!!
والتباين بين الأيدولوجيات ثانياً !!!
والأجندات الخارجية ثالثاً !!!
والدماء التي سالت رابعاً !!!
وحملات التشويه خامساً !!!
ورغم ........سادساً و........سابعاً .........إلى نهاية أوجه الخلاف .

هل يمكن أن تتحقق المصالحة بين الإخوة ، وتعود المياه إلى مجاريها ؟؟؟!!!

أم أن الأسباب المذكورة سابقاً تحكم على الاحتمال بالموت ، بل قد يراه البعض قد وُلد ميّتاً أصلاً ، وأن الإمكانية مستحيلة بسبب أوجه الخلاف الصعبة المذكورة سابقاً وغيرها.
قَصَّ القرآن علينا قصةً كاملة في سورة سماها باسم فارسها ، وعَلَّقَ القرآن في بداية هذه السورة بأنها من أحسن القصص في القرآن ، تلك هي قصة يوسف عليه السلام وسورته.
حَدَثَ بين يوسف وإخوته ما هو أشبه بما حدث بين حماس وفتح ، وحدث أيضاً ما هو أصعب مما حدث بينهما ، ويتبين ذلك من الخطوات والممارسات التالية :


1) محاولة قتل يوسف أو ترحيله إلى ارض أخرى: تصوروا أن أول فكرة مطروحة على أجندة الاجتماع الخاص بإخوة يوسف في التفكير بشأن أخيهم يوسف هي قتله أو ترحيله ونفيه من المنطقة ، ففي الآية التاسعة من سورة يوسف قال الله تعالى : "اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ".
2) خلاصة الاجتماع وتوصياته بعد الأخذ والرد : بعد المناقشات والمداولات خَلُصَ المجتمعون من إخوة يوسف أن أحسن طريقة للتخلص من أخيهم هي استخدام طرفٍ خارجي وهم التجار السَّيَّارون الذين يبيعون العبيد ، والجدول الزمني وطريقة إيقاعه بأيديهم جاهزة تبدأ بخطة أولها كذبة على الأب ليخرجوه من البيت ، ثم يتلمسوا قدوم التجار فيقذفوه في بئر الماء المعتاد ، فيأخذوه بضاعةً ، قال الله تعالى عن ذلك : " قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10) قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" ، والقرار مُتخذ بالإجماع من طرف الإخوة ، فكلهم بذلك أعان على قتل أخيه وولغ في دمه بمجرد التآمر، قال الله تعالى : " فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ ".
قال محمد بن إسحاق بن يسار: لقد اجتمعوا على أمر عظيم من قطيعة الرحم, وعقوق الوالد, وقلة الرأفة بالصغير الضرع الذي لا ذنب له, وبالكبير الفاني ذي الحق والحرمة والفضل, وخطره عند الله مع حق الوالد على ولده, ليفرقوا بينه وبين أبيه وحبيبه على كبر سنه ورقة عظمه, مع مكانه من الله فيمن أحبه طفلاً صغيراً, وبين ابنه على ضعف قوته وصغر سنه وحاجته إلى لطف والده وسكونه إليه, يغفر الله لهم وهو أرحم الراحمين, فقد احتملوا أمراً عظيماً
3) تنفيذ المؤامرة والتظاهر بدموع التماسيح : بدأت المؤامرة على الصبي الحليم يوسف الصديق وعمره لا يتجاوز السنوات العشر – كما ذكر بعض المفسرين - ونجحت الخطة ، وفَرَّغوا حقدهم على أخيهم ، وحتى يكونوا قوماً صالحين ، لأنهم يقرون بهذه الكلمة أن الذي يُحيك كل هذا لأخيه ليس من عمل الصالحين ، جَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ ، كل هذا حدث بين إخوة في الدم ، من صلب رجل واحد ، وخرجوا من بيت واحد .
4) رحلة العذاب : ترتب على هذا القرار المجحف من الإخوة رحلةَ عذابٍ شديدٍ تجرَّعَ الأخ المظلوم حلقاتها متتابعةً على نفسه ، وهي شديدةٌ لأنه مظلوم ، والأشد منها أن تكون من إخوته ، تمثلت حلقات رحلة العذاب في :


* الكريم بن الكريم يباع كالبضاعة وبثمنٍ بخس : وما لذلك على النفس من وقع شديد، قد يجعله يزداد حقداً على من كانوا سبباً في هذه الرحلة المرة ، قال تعالى : " وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ" .
* فتنة بيت العزيز والمراودة : بعد ما يقارب من عشرين عاماً من العيش في بيت العزيز ، فالصبي الذي دخل بيت العزيز وهو لا يجاوز العشر سنوات ، يبلغ الآن أشده ، والراجح أن عمره ثلاثة وثلاثين ، وبعض الروايات ذكرت أن العمر الذي بلغه عندما حدثت معه هذه القصة هو سن الخامسة والعشرين ، وان أصعب شيء على النفس أن يقع الإنسان الضعيف في أيدي اللئام ليتفردوا به بما يخطر لهم على بال ، فقد وقع يوسف عليه السلام تحت طائلة امرأة لم تتق الله في فتاها فراودته عن نفسه ، قال الله تعالى : " وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ".
* السجن ظلماً وتشويه السمعة رغم البراءة: كان القرار من بعد ما رأوا الآيات والبراهين ليسجننه حتى حين ، ويدخل السجن ويرسل برسائله إلى العزيز مع الذي ظن انه ناج منهما لأنه مظلوم ، ولكن من هم السبب في وراء كل هذا العذاب إلا إخوانه الذين ألقوه في البئر وتآمروا عليه.
* التمكين بعد الصبر واليقين : صبر يوسف عليه السلام على ما أصابه ، وواجه كل الصعوبات ، وخاض كل الغمار بقوة ؛ واقتدار متوكلاً على الله تعالى وحده ، فهو الذي قال عند احتدام الخطب في فتنة النساء : "وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ" فالبصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين ، فلو أخذنا الرأي القائل أنه دخل السجن وعمره 25 عاماً ، وقد نسي السجين أن يذكره للعزيز ، فلبث في السجن بضع سنين ، والبضع أكثر من ثلاث ، فسيكون عمره الآن يقارب الثلاثين، ولو كان الرأي الآخر ، فسيقارب عمره الأربعين ، على كل حال صار يوسف السجين اليوم وزير الاقتصاد الوطني في مصر غداً ، بل انه في التخطيط الزراعي خرج بنمط تخطيط استراتيجي لم يصل إليه الإداريون المعاصرون ، فالتخطيط اليوسفي تخطيط طويل الأمد ، إذ يبلغ خمسة عشر عاماً ، قال تعالى على لسانه عليه السلام : " قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)".
سبحان الله ، إخوته لما مكروا له أرادوا من ذلك طمسه ، وإذهاب كفاءته ، وإبداعه ، ولكن إرادة الله غالبة ، وقدره حكيم عادل ، وبعد مرور السبع سنين الأولى ، وجاءت السبع الشديدة ، سمع الناس بوجود تبديل الغلة من السبع السابقة ، بما تركوه في سنبله ، فيبلغ عمره الآن ما يزيد عن الثمانية والثلاثين على الأقل ، ليأتي إخوة يوسف فيعرفهم بعد تغيرات زمنية ، وابتلاءات وهموم يصل أمدها إلى ثلاثين عاماً .
* حبكة المصالحة في القصة :
صدقت المشاعر للمصالحة والتصافي ، ورغم كل الفصول السابقة من الأسى والمعاناة التي لاقاها يوسف الصديق ، إلا أن الحبكة الأخيرة في قصة الصديق عبرت عن المشاعر الصادقة ، فقد قال يوسف عليه السلام : " أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ " ، ثم أعلن أنه عفا عنهم وصفح فقال : "لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" ، بل إنهم زادوا على ذلك ، حيث أن الزمن أظهر لهم أن البعد والتجافي لا طائل من ورائه ، بل إن عجلة الزمان استدارت لتكون في مصلحة يوسف عليه السلام الذي أصبح مُمَكَّناً في الأرض ، فسلموا لأخيهم ، وأيقنوا خطأ فعلهم وسلوكهم تجاه أخيهم فقالوا له: " تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ" .


أوردت كل هذه القصة لأنفي بذلك الرأي القائل بتعذر حدوث المصالحة عندما تتوفر القناعات والمشاعر الصادقة لذلك ، لان التشابه في القصة متقارب فهو خلاف شديد بين اخوة في الدم ، وهذا الخلاف بين إخوة في الدين والقضية ، كذلك حدث بين الطرفين من المآسي الشيء الكثير ، وكذلك في الساحة الفلسطينية ، ووجه الخلاف أن أحداً من الطرفين لن يبلغ درجة النبي ولا مكانته ، وكذلك الفترة الزمنية بين لحظات طرح يوسف في البئر ولحظات المصالحة بلغت ما يزيد عن الأربعين عاماً .
لهذا أطلب من كل قارئ صاحب عقل وازن ، واجتهاد سليم ، ورأي سديد أن يجتهد فيتنبأ ويتوقع ويجيب عن السؤالين التاليين :


* هل تعتقد أن المشاعر والقناعات والتحركات الأخيرة ناضجة حالياً لانجاز المصالحة وإتمامها ، أم أنها لا تزال تحتاج إلى وقت أطول ؟؟؟
* وما هو الشكل المتوقع والمناسب حسبما ترى للحبكة الأخيرة لهذه المصالحة الفلسطينية التي أعتقد أنها إذا تجاوزت هذه التحركات الحالية فلم تتم فيها ، فلن تتجاوز العام القادم بإذن الله ؟؟؟



 

اضغط هنا للتواصل أو التعرف على الأستاذ بلال فوزي جبارة محمد بخيت أحمد إبراهيم(بدوي) الأغا

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد