مقالات

نجم وثلاث كواكب أناروا ليالي رمضان في القرن الماضي (الجزء الأول) بقلم محمد سالم علي الأغا

 

نجم وثلاث كواكب أناروا ليالي رمضان في القرن الماضي
(الجزء الأول)


كتب : محمد سالم الأغا



رحم الله فقيدنا وعمنا الشيخ سعيد حمدان الأغا، الذي سطع نجمه مع كوكبة من علمائنا الأفاضل في القرن الماضي وهم أبناء العمومة فضيلة الشيخ فهمي حافظ عثمان الأغا، رحمه الله، وفضيلة الشيخ زكريا أسعيد حمدان الأغا رحمه الله، وفضيلة الشيخ كمال سعيد حمدان الأغا رحمه الله، أربعة أحبوا وطنهم فلسطين ، فأحبهم وطنهم ، كان لهم أحباب وأبناء وتلاميذ، ما أكثرهم في كل المدن الفلسطينية والعربية التي زاروها، أو اعتلوا علي منابرها خطباء مفوهين، وعلماء أجلاء لا يخافون في الله لومة لائم، مع تواضع منهم، وترفع عن الدنيا ، وحطامها، لقد عاشوا رحمهم الله جميعاً متخففين من الدنيا الفانية، بل تركوها وراء ظهورهم ، ليعيشوا دعاة لدينهم ، وكم من منبر يشهد لهم ، وكم من مسجد أو جامع أو تجمع إلا وشهد لهم حسن تربيتهم وتعليمهم، ودعوتهم الي الله والصبر عليها، والله أسأل أن يتغمدهم جميعاً بواسع رحمته ، وأن يسكنهم فسيح جناته، وأن يعوضنا خيراً فيمن خلفهم، وأن يهيئ لديننا من ينصره، ولفلسطيننا من يقيل عثرتها، وأن يجعل الجنة أول وأخر مرورنا جميعاً الي الفردوس الأعلى .



أولاً

" من أسس فسعيد "

الشيخ سعيد حمدان أسعيد رواي الأغا

رحمه الله
1895 ــ 1948


كتب : محمد سالم الأغا *



ولد العم الشيخ سعيد حمدان أسعيد رواى الأغا، رحمه الله، سنة 1895م ،في بيارة والده الحاج حمدان أسعيد التي يملكها بالسطر، وألحقه في طفولته المبكرة،" بالكتاب بخان يونس البلد، وكان يرافقه في الكتاب والمراحل التالية الشيخ حافظ حسن البطة رحمهم الله، وعندما قرر جدي رحمه الله إلحاق ولده بالأزهر الشريف رافقه رفيق دربه الشيخ حافظ ، وقد تجمهر المواطنون لوداعهم وسط الأهازيج ودقات الطبول ورقص الخيول، من أهالي خان يونس،وسافرا معا عن طريق بحر خان يونس " تل ريدان " حيث ركبوا صيف 1907، سفينة شراعية متواضعة كانت تنقل محصول البطيخ لبيعه في بور سعيد المصرية، ثم توجها إلي القاهرة ليلتحقا بالأزهر الشريف.

ويروي عن العم الشيخ سعيد : " أنه تتلمذ والشيخ حافظ علي يدي مجموعة من أصحاب الفضيلة مشايخ الأزهر عرفت منهم، فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا وقد عُرف بحبه للطلاب والشيوخ الفلسطينيين وقد كان يساعدهم ويعطف عليهم ، وبعد أن حصل العم الشيخ سعيد علي شهادة العالمية للغرباء إبان الحرب العالمية الأولي، وعاد الي مدينته ومسقط رأسه كأول شيخ عالم وأزهري من أبنائها، ليستقر بها ويعمل مع أهل مدينته علي تطويرها ويشاركهم حياتهم السياسية والعلمية والاجتماعية.

وبعد عودته الي مدينته خان يونس، تزوج من الفاضلة السيدة شوكيه سعيد السقا، رحمها الله، وأنجب أنجاله الذكور الشيخ كمال " أبو ياسر" الذي أصبح فيما بعد نائباً لمفتي الديار الفلسطينية، والأستاذ عصام " أبو سعيد " الذي أصبح فيما بعد مستشاراً لفخامة الرئيس ياسر عرفات رحمه الله للتعليم، والأستاذ نظام " أبو إيهاب " الذي أصبح مديراً لبنك فلسطين، و الأستاذ مأمون " أبو سعيد " الذي أصبح مديراً عاماً بوزارة الشباب والرياضة ،وشقيقة لهم هي الفاضلة ملك حرم أبن العم عبد الله يوسف حمدان " أم سفيان "، وعندما أتم ولده كمال دراسته وحفظ القرآن بعثه ليلتحق بالأزهر الشريف مقتدياً بوالده العم الشيخ سعيد.

ويشهد أبناء العم الذين عاصروا العم الشيخ سعيد رحمه الله أنه كان يشجع أهالي خان يونس علي العلم والتعليم ، وينثر عليهم ما يفقههم في دينهم الحنيف، ويذكر بعضهم أنه ساهم وساعد هو وأقرانه في بناء مسجد خان يونس الكبير، ولا تزال بصمته علي أعمدة منبر المسجد واضحة لغاية اليوم " من أسس فسعيد " ولهذه العبارة قصة لطيفة أوردها بإختصار كما رويت لي : فقد أراد العم الشيخ سعيد أن يكتب علي محراب المسجد عبارة " أسسه سعيد " نسبة إليه، فأعترض بعض الأفراد من سكان المدينة علي ذلك لحسدٍ كان يساورهم، فكان أن أخذوا رأي الشيخ الجليل أحمد المكي، الذي أوصي، أن تكتب العبارة كحل للاعتراض هكذا" من أسس فسعيد "، فكان حلاً مقبولاً ورأياً صائباً، ولا زالت هذه العبارة تقرأ لليوم، ويترحم الجميع علي شيخهم الشيخ سعيد حمدان الأغا رحمه الله .


ويروي التاريخ الفلسطيني أن العم الشيخ سعيد عمل بعد عودته الي مدينته في إلقاء الدروس والمواعظ الدينية، وخطب الجمعة ، وتقديم فتواه للمحتاج، وإحياء أيام و ليالي شهر رمضان وشهور السنة بدروسه الدينية، كما شارك شعبنا الفلسطيني همومه ومقاومته للهجرة الصهيونية لفلسطين، وقد حرمّ بيع الأراضي الفلسطينية لليهود، وشارك في مؤتمر علماء فلسطين الأول الذي كان يعُد له الشيخ عز الدين القسام 1935، والذي قاد ثورة الشعب الفلسطيني عام 1936، ولما أشتدت المقاومة الفلسطينية للمشاريع الصهيونية التي كان يروج لها الانتداب البريطاني، قامت حكومة الانتداب باعتقال رموز المقاومة في خان يونس وإبعادهم عنها وكان من بينهم العم الشيخ سعيد الأغا والحاج سليم حسين الأغا، والسيدين مصطفي وعبد الرحمن الفرا، والشيخ فهمي الأغا، الحاج صالح " صُلح " علي عثمان الأغا، الذي أبعدته مع المبعدين وهدمت بيتهم في السطر، .


وكان للعم الشيخ سعيد جهود كبيرة في تشجيع ذوي الطموح من أبناء عائلتنا الكريمة في الالتحاق بالأزهر الشريف وكان من بينهم فضيلة أبناء العم الكرام فضيلة الشيخ فهمي حافظ عثمان الأغا وفضيلة الشيخ زكريا حمدان أسعيد الأغا وولده فضيلة الشيخ كمال سعيد الأغا رحمهم الله جميعاً.


وقد انتقل إلى رحمة الله تعالى في 27 يونيو 1948 وقد شيع جثمانه في موكب مهيب ونعته المآذن والمساجد، كما هي العادات الفلسطينية عندما نفقد أو يموت شيخ وعالم جليل، وحزنت عليه خان يونس وغزة بل فلسطين بأسرها حزناً، تناقلته الألسنة بالروايات.


وقد أجمع علماء وأهالي فلسطين يوم وفاته، أنه فارقهم وهو في قمة عطائه الديني و الفكري و الثقافي والسياسي وتألقه العلمي ، فشعر الجميع بعمق خسارتهم لفقيدنا لتميزه بالعطاء الوافر في ميادين الدعوة والفكر الإسلامي .

.


* باحث وكاتب وصحفي فلسطيني

 

اضغط هنا للتعرف على المرحوم أ. محمد سالم علي حمدان الأغا

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد