مقالات

هؤلاء الأَعلام حضنتهم خان يونس-الشيخ حافظ البطة- بقلم محمد سالم علي الأغا

هؤلاء الأَعلام حضنتهم خان يونس
أولاً
الشيخ حافظ البطة


كتب : محمد سالم الأغا *

تفخر مدينة خان يونس أنها احتضنت فضيلة الشيخ الجليل الشيخ حافظ حسن البطة منذ ولادته علي أرضها، كأحد أبنائها النجباء، وعالم من علمائها الأفذاذ، وشيخ من شيوخها العلماء، الذي ولد لأب فلسطيني، قدم إليها من قرية حجة القريبة من مدينة نابلس، للعمل كما حال المتعلمون الفلسطينيون الذين كانوا يعملون في كل المدن والقرى الفلسطينية ، قبل أن تُغـتصب فلسطين، وتعبث بها اليد البريطانية الصهيونية الحاقدة، والذي تزوج من احدي كريماتها من عائلة شعت، فأنجبت شيخنا الجليل عام 1892، ومن سوء حظه أنها توفيت وهو ما زال طفلاً يافعاً فاحتضنته خان يونس، وعائلاتها الكريمة، فتتلمذ في صغره بكُتاب من كتابها مع العم الشيخ سعيد حمدان الأغا.

الشهيد حسن البطة والأستاذ وليد شبلاق وناظر المدرسة الأستاذ سامي أبو شعبان رحمهم الله وهم يستلمون علما جديداً لفلسطين
ويظهر خلف الصورة الأستاذ سليمان طاهر الأغا والأستاذ قاسم صالح الأغا والأستاذ رأفت عبد اللطيف شهوان أطال الله في أعمارهم .


ويُروي أن، ابنا خان يونس حافظ البطة وسعيد الأغا، قد ترافقا وتزاملا طيلة فترة طفولتهما، فحفظا القرآن الكريم معاً، وأنهيا دراستهم المتوفرة لهما في ذلك الزمان، فقرر الاثنان أن يُكملا دراستهم في الأزهر الشريف بالقاهرة، فراقت الفكرة لذويهما، فهيئوا أبنائهم للسفر مع سفينة شراعية كانت حمولتها من البطيخ إنتاج مواصي خان يونس بمنطقة تل ريدان، ويذكر أن أهالي خان يونس وذوي المسافرين، قد احتفلوا بوداع أبنائهم حافظ وسعيد كطلاب للعلم، بالأهازيج الشعبية الفلسطينية بين قرع الطبول والدفوف، و ترقيص الخيل وحلقات الدبكة.

ويروي أيضاً أن الشيخ حافظ والعم الشيخ سعيد، قد توجها إلي مدينة بور سعيد الساحلية المصرية، بالمركبة الشراعية المُحملة بثمار البطيخ، وبعد وصول المركبة الشراعية لميناء بور سعيد، توجه الاثنان إلي القاهرة بالسكة الحديدية، والتحقا بالأزهر الشريف 1907، برواق الشام، وقد استُقبلا خير استقبال ، من سماحة وفضيلة أستاذهم الشيخ محمد رشيد رضا، الذي سبقهم إلي الأزهر الشريف بسنوات، وكان مشرفاً علي رواق أهل الشام أو رئيساً له، وهو من مواليد قرية القلمون بلبنان الشقيق، وهو أحد تلاميذ الشيخ محمد عبده، كما يعتبر من رواد الإصلاح الإسلامي الذين ظهروا في مطلع القرن الهجري الماضي، وقد عُرف عنه أنه كان صحفياً وكاتباً وأديباً ولغوياً مخضرماً، ومفوهاً . 
 

الصورة بمدرسة خان يونس الثانوية للبنين " القسام " والجالسون من اليمين للشمال :
الثالث الشيخ الشهيد حسن البطة ثم والده المرحوم الشيخ حافظ البطة فناظر المدرسة الأستاذ سامي أبو شعبان ثم الشيخ ناجي السعافين فالشيخ خالد الفرا رحمهم الله
واما الواقفون : فالثاني الأستاذ رأفت عبد اللطيف شهوان والرابع المرحوم عصام سعيد الأغا يلبس طربوش يليه السابع الأستاذ حمدي البطة أبو نزار رحمهم الله


ويروي أنه لما قامت الحرب العالمية الأولي، ساعدهم أستاذهم وشيخهم فضيلة العلامة الشيخ محمد رشيد رضا، فأوصي هيئة الأوقاف المصرية والأزهر بالإنفاق عليهما، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، عاد العم الشيخ سعيد لوطنه، وبقي الشيخ حافظ بالقاهرة، وقد تأثر الشيخ حافظ رحمه الله بالأجواء الوطنية وبشعارات ثورة 1919 المصرية بقيادة الزعيم سعد زغلول فانغمس بعد حصوله علي شهادة العالمية من الأزهر بالنشاط السياسي، وبقي مقيماً هناك يعمل بالقاهرة ليكسب قوت يومه، وتزوج من سيدة مصرية وأنجب منها طفلة، و بعد ولادتها بعدة شهور، وصلته أخبار غير سارة من خان يونس ، فقرر العودة الي مسقط رأسه، ومن الجدير ذكره : " أن ظروف زوجته المصرية قد حالت دون مرافقته، فاتفقا علي الطلاق فأخلي سبيلها عن تراض " .

وبعد عودته إلي وطنه، عين مدرساً في مدينة بئر السبع، وهناك تعرف علي مدير حرس الحدود بها، وشاءت إرادة الله أن يتزوج شقيقته ربيحة نامق بك الإدريسي فأنجب منها بناته الأستاذة مديحه، والشيخة نور، والأستاذة نديدة، والأستاذة خولة، والأستاذة كريمة، وأبناؤه الشهيد الشيخ حسن أبو المهندس هاني ومن الجدير ذكره في هذا المقال أن الشهيد حسن رحمه الله قد حصل علي شهادة العالمية من الأزهر الشريف أسوة بوالده رحمه الله وعمل خطيباً في المسجد الأقصى وقاضياً شرعياً قبل نكبة 1948، ثم عمل مدرساً في مدرسة خان يونس الثانوية للبنين لغاية استشهاده في 3 نوفمبر 1956، وأخيه الشهيد نديد ـ الذين استشهدا إثر المجزرة التي أرتكبها العدو الصهيوني أثناء العدوان الثلاثي الأنجلوا فرنسي بالتعاون مع إسرائيل ما بين 3 نوفمبر تشرين أكتوبر 1956 علي مصر وقطاع غزة، ومن الجدير ذكره أن الجيش الصهيوني قد أغتاله أمام عيون والديه وأسرته، أثناء مجزرة خان يونس التي راح ضحيتها أكثر من خمسمائة شهيد من مختلف عائلات خان يونس، والمهندس يعلي والأستاذ تكريم أبو خالد، الذي أفخر بأنني زاملته سنوات الدراسة في مدارس خان يونس الابتدائية والإعدادية والثانوية .

ويروي أبناء العمومة الذين عاصروا شيخنا الجليل الشيخ حافظ، أنه كان يتمتع بحس وطني عال، وكان يكاتب ويراسل، رؤساء العرب وملوكهم آنذاك ليحضهم علي الوقوف بجانب شعبنا الفلسطيني وقضيته، وكان يجمع التبرعات ليوزعها علي الفقراء والمساكين، وكان يبعث بعضاً منها للثوار الجزائريين أثناء ثورتهم ضد الاستعمار الفرنسي في أواخر الخمسينات من القرن الماضي, وقد أكدوا أنه شارك في بناء مسجد خان يونس الكبير وأنه كان يقوم بالإفتاء بخان يونس ومساجد قطاع غزة، ويقوم بتوعية المواطنين بأمور دينهم ودنياهم،

ويبادلهم الحب والود والاحترام، ويشاركهم أفراحهم و أحزانهم، فبقي الجميع يذكره بالخير ويترحم عليه.

وبعد رحلة عطاء استمرت سبعون عاماً وافته المنية في نهاية ديسمبر 1962 وشيعته جماهير مدينته خان يونس وقطاع غزة في موكب مهيب ونعته مآذن خان يونس وقطاع غزة كما هي عادة شعبنا الفلسطيني عندما يفقد شيخاً أو عالماً دينياً، ويذكر أبناء العم كذلك : أن الرئيس جمال عبد الناصر رحمه الله وشخصيات عربية وفلسطينية قد نعته في الصحف والمجلات العربية في حينه .

ونحن اليوم ندعو الله أن يتغمد شيخنا الجليل الشيخ حافظ البطة ورفيق دربه العم الشيخ سعيد الأغا وكل مشايخنا وعلمائنا وأساتذتنا وشهدائنا وكل من لهم حقٌ علينا ، وأن يطيب ثراهم وأن يكرم مثواهم وأن يجعل الجنة مستقرنا ومثواهم، وأن يعوضنا قامات أمثالهم وأن يجزيهم عنا خير الجزاء، أنه ولي ذلك والقادر عليه.


* باحث وكاتب وصحفي فلسطيني .

اضغط هنا للتعرف على المرحوم أ. محمد سالم علي حمدان الأغا

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد