مقالات

البحث النفسي في أعماق أسرانا البواسل- د. فرج إسماعيل النفار

البحث النفسي في أعماق أسرانا البواسل

بقلم : الدكتور/ فرج إسماعيل النفار


تقديرا لهذا الموقع، واحتراما لهذه العائلة العريقة الممتدة بجذورها أصالة ورقيا، وانحناء أمام عظمة أسرانا البواسل، أقدم كوننا في أيام أعراس الحرية، بعض ما بحثت عنه في رسالة الدكتوراه حول الوضع النفسي لأسرانا في سجون الاحتلال.

الجميع يتساءل عن ما يمكن أن يتعرض له الأسير الفلسطيني من اضطرابات نفسية جراء الأسر والتعذيب والبعد عن الأهل والأصدقاء، وهناك من يتساءل عن قدرة الأسير الفلسطيني المحرر على التأقلم مع الحياة العادية، وأيضا التساؤلات تكون حول متغيرات عديدة منها فترة الأسر والمستوى التعليمي والمستوى الأسري والحالة الاجتماعية، ومقارنة الأسرى مع من لم يتعرضوا للأسر، ولكن عانوا كشعب فلسطيني من مآسي الاحتلال .

التساؤلات عديدة وكثيرة وربما لا تنتهي، وسنحاول من خلال بحثنا الإجابة بصورة مبسطة عن بعض هذه التساؤلات لعينة قوامها (318) أسير.

1. كانت معاناة الأسرى فيما يخص آثار الخبرة الصدمية واضحة ، حيث أن هناك دلالة إحصائية ، فنتائج الأسرى قد تخطت المتوسط الحسابي بفرق جوهري ، وهذا ما يؤكد معاناة الأسير الفلسطيني ووقوعه في شباك الصدمة ومخلفاتها .

2. توصلت الدراسة أيضا لوجود علاقة جوهرية موجبة بين الاضطرابات النفسية التي يعاني منها الأسير الفلسطيني المحرر وتعرضه لخبرة الأسر ،حيث ظهرت لديه درجات مرتفعة لكل من :

1- القلق 2- المخاوف (الفوبيا) 3- الوسواس
4- القلق البدني 5- الإكتئاب 6- الهستيريا


3. فيما يخص مقارنة عينة الأسرى المحررين بغير الأسرى ،وجدنا أن هناك فروق ذات دلالة إحصائية في الاضطرابات التالية للصدمة الناتجة عن الأسر مقارنة بتلك الناتجة عن آثار الحرب ،حيث أن غير الأسرى قد تعرضوا لأحداث غير طبيعية من انتفاضات و حروب.

4. لم يكن الأسير الفلسطيني أكثر يأسا من غير الأسير, إذ أنه وان كانت هناك دلالة إحصائية بينهما فهي لصالح غير الأسير, حيث كانت متوسطات غير الأسرى أكبر من متوسطات الأسرى، وهذا ربما يرجع إلى القوة النفسية والمهارات التي يكتسبها الأسير أثناء وجوده بالأسر.

5. عند مقارنة الاضطرابات النفسية الناتجة عن الأسر بتلك الناتجة عن آثار الحرب , وجدنا أن هناك فروق دالة إحصائيا لصالح غير الأسرى ،إذ أن متوسطاتهم كانت أكبر، ماعدا المخاوف والقلق البدني اللتان لا يوجد لديهم دلالة إحصائية .
وهذا ما يؤكد أن غير الأسرى هم أكثر اضطرابا من الأسير . وإذا قمنا بتحليل مبسط لهذه النتيجة الغريبة قليلا، لقلنا أن غير الأسرى هم من الشعب الفلسطيني الذي يعاني من الاحتلال وقهره ، وبالتالي فان الصدمة لديهم غير ممنهجة كما هو الحال بالنسبة للأسير الذي هو متوقع الأسر وتبعاته من تعذيب وحرمان .

6. لم تكن فترة الأسر بالنسبة للأسير الفلسطيني مؤثرتا على مستوى الاضطرابات النفسية فالمعالجة الإحصائية أثبتت عدم دلالتها .

7. كذلك الحال بالنسبة إلى فترة التحرر التي لم تكن لها دلالة إحصائية على مستوى الاضطراب النفسي .

ما أسرفت عليه نتائج هذه الدراسة هي تأكيد معاناة الأسرى جراء التعذيب والحرمان, وكذلك ترسيخ مفهوم الآثار السلبية الناتجة عن الحروب والانتفاضات سواء كان هذا الأثر جسديا- نفسيا أو اجتماعيا.

وما يعتبر جديد هذا البحث هو الإشارة إلى مفهوم القوة النفسية التي يكتسبها الأسير من خلال تجربة الأسر، وان كانت دراسات تناولت هذا الجانب فهي بمتغيرات قليلة وكم غير كافي ، وهذا ما يدعو الباحث إلى توجيه دعوة إلى الباحثين في المجال النفسي لتناول هكذا موضوع بكثير من الاهتمام ، بهدف الاطلاع على معاناة الأسرى ومحاولة تفسيرها بالأسس العلمية والبحثية السليمة التي تتيح لنا بعدها بناء برامج علاجية أو تطعيمية ضد الصدمة وأثارها .

إن بحوثي في هذا المجال ،أثبتت أن العادات والتقاليد والترابط الاجتماعي وروي الحكايات عن الأسرى والأسر له الأثر البالغ في التخفيف من حدة الصدمة النفسية لدى الأسرى، وكذلك هي عبارة عن تحضير نفسي لمن يدخل الأسر فيما بعد.

لقد أثبتنا بالبحث العلمي أن الاحتلال الإسرائيلي افتتح أكثر من عشرين سجنا ومعتقل لكسر إرادة هذا الشعب ، وهو لا يدرك انه قد افتتح جامعات بها الأسير الفلسطيني يتعلم القوة النفسية ، وبها يتعلم كيف يتمرد على سجانيه و بها يتعلم الصبر والإرادة ، كيف لا ؟ وهو يواجه سجانيه بالأمعاء الخاوية .

اللهم صبرهم على ما ابتلاهم، وفك أسرهم، ونصرهم على أعدائهم ، انك على كل شئ قدير .


 

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد