مقالات

الديمقراطية ومستقبلها في عالمنا العربي- أ. منار يوسف الأغا- زيمبابوي

الديمقراطية ومستقبلها في عالمنا العربي (1)
لا يبدو لي ان الحديث عن الديمقراطية في العالم العربي يمكن ان يغيب عن ساحات ومنابر الاعلام والبحث الفكري والسياسي في المستقبل المنظور، خصوصا ان الاحداث التي تتوالى في المنطقة سعيا من اجل التغيير والتحول الديمقراطي لانظمة الحكم في اغلبية الدول العربية اليوم تستدعي الكثير من النقاش والتفكير .

هنا نقول ان النموذج الغربي للديمقراطية في الغرب كما يعرفها العالم هي النموذج الوحيد والمناسب لكل المجتمعات مهما اختلفت القيم الاجتماعية والمكوروثات الثقافية في هذه المجتمعات وخصوصا مجتمعاتنا العربية ؟

حين نتناول الديمقراطية في عالمنا العربي لا ينبغي ان يغيب عن اذهاننا اننا نتحدث عن نبتة وليدة، غضة، تنمو بحذر في تربة غير ممهدة لها ، وليست شجرة وارفة الاوراق ، راسخة الجذور في اعماق تربة الثقافة العربية السائدة . واشير الى ان الاساس العام لاي منهج ديمقراطي لا يمكن ان يشيد بطريقة سليمة الا في تربة صالحة لنمو الحرية التي ينبغي ان يتمتع بها المواطن الفرد، بحيث تتوافر له الارادة الحرة التي تمكنه من معرفة ما يريد ، وان يمتلك الحرية التامة في اختيار ما يريد ، كشرط اساسي ومبدئي لاي ممارسة ديمقراطية ، فأنني اود الاشارة الى ان نتاج هذه الحرية لابد ان يكون على يقين الفرد الكامل في التعددية ، وان اختياره لما يريد لا يعني نفي اي اختيار اخر لشخص او جماعة سياسية كانت او اجتماعية او عقائدية .

الخطاب المتناقض وبالرغم من الخطاب الذي تؤكد عليه الحكومات العربية في الدول التي تعرضت للتغيير اخيرا في حرصها الدائم على الديمقراطية ، وبالرغم من تعارض الممارسات مع هذا الخطاب ، عبر القوانين والممارسات التي تستعير وسائلها من النظم الديكتاتورية ، لا من النماذج الديمقراطية ، فان اغلب تلك الحكومات قد حرصت على ان تزين الخطاب بهياكل مستعارة من الثقافة الديمقراطية مثل وجود البرلمانات ، والدساتير، واحزاب حكومية ومعارضة ، كما هو شأن مصر مثلا – التي تمتلك مثل هذه المؤسسات ذات الطابع الديمقراطي منذ ما يربو على 60 عاما ، وكذلك الامر في تونس وسورية واليمن ، لكنها ، في الممارسة العملية ، ابتعدت عن النهج الديمقراطي ، واكتفت بالاطار الشكلي لهذه المؤسسات وطوعتها لتأمين سياساتها لتؤكد لذاتها ان كل ممارساتها مبررة بالوسائل الديمقراطية المتعارف عليها .

الديمقراطية ومستقبلها في عالمنا العربي    ( 2 )
كما ذكرنا سابقا حين نتناول الديمقراطية  بالبحث والنقاش في عالمنا العربي لا ينبغي ان يغيب عن اذهاننا اننا نتحدث عن نبتة وليدة ؟غضة ،  تنمو بحذر في تربة غير ممهدة ، وليست شجرة وارفة الاوراق راسخة الجذور في اعماق تربة الثقافة العربية السائدة .

ان مثل هذه الديمقراطيات الشكلية هي ما تمردت عليه الشعوب العربية اليوم في اطار سعيها للتغيير والمطالبة بالحرية والحقوق التي تساوي بين جميع المواطنين وبلا تمييز .
ان تلك المؤسسات الشكلية  للديمقراطية وعلى مدى اكثر من ستين عاما لم تعمل على ترسيخ ممارسات ديمقراطية حقيقية ، وانتهجت الكثير من وسائل الالتفاف على رغبات الجماهير وحقوقها ومطالبها ، بل تعود ايضا الى ان مفهوم الديمقراطية الحقيقية ينبغي له ان يغير في الكثير من القيم والاعراف السائدة التي تشيع في المجتمعات العربية  كممارسات اجتماعية ، بينما تتعارض في طبيعتها مع جوهر المفاهيم التي تتأسس عليها الديمقراطية ، ولذلك نرى اليوم في الكثير من البرلمانات العربية تحول تلك المؤسسات الى سلطة اخرى فوق الشعب تشرع ما يتوافق مع رؤيتها هي وما ينسجم ورؤية ومصالح السلطات الحاكمة ، وليس رؤية تلك الديمقراطيات الشكلية السائدة في العالم العربي لم تؤد الا الى انتاج قيم واعراف ما قبل الديمقراطية وقيمها الحضارية كقيم، المساولة وعدم التمييز بين البشر في الدين والعرق والجنس واللون .

بل ان ما نشاهده اليوم من بعض الظواهر في مجتمعات تمكنت من التخلص من حكم الفرد في العراق وتونس وليبيا – مثلا – لا تؤشر الى البديل الديمقراطي والمساواة في الحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية ، بل ربما هناك مؤشرات لا تخطئها العين البصيرة تشير الى التراجع عن بعض المكاسب الجماهيرية التي تحققت في زمن ما قبل اسقاط هؤلاء الحكام الديكتاتوريين ، خاصة في مجال حقوق المرأة، وفي نبذ الطائفية والمذهبية .
ان الديمقراطية الغربية التي اسقطت الاقطاع ونظامه السياسي ونجحت في تحويل المجتمعات الى نظام ديمقراطي، ساهم في تشكيلة العديد من رجال الفكر والفلسفة والعلم وغيرهم، ادت الى العديد من التغييرات، ليس فقط في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، لكنها ايضا ادت الى تغييرات عميقة في البنية الثقافية والفكرية في المجتمعات الغربية، وهذا هو جوهر التحول الديمقراطي .

اما ما ينبغي التاكيد عليه في بحث سؤال مستقبل الديمقراطية في المنطقة العربية يتعلق  بالكيفية التي يمكن ان تتحقق بها هذه الديمقراطية ، وبحيث تتوازن مع المشكلات الفادحة التي تتسبب فيها كل من ظاهرتي الفقر والامية على المستوى الاجتماعي والثقافي خصوصا انه حتى من يعرفون في اغلب المجتمعات العربية بكونهم متعلمين ، فمن يقرؤون ويكتبون ، يخضعون اليوم للقبول باجتهادات وفتاوى في شؤون حياتهم الحديثة لا تتناسب على الاطلاق مع العصر ومنجزاته ومتطلباته ، ويستقبل جموع المتعلمين تلك الفتاوى باعتبارها مسلمات ونصوصا غير قابلة للنقاش وتحكيم العقل فيها ، فهل يمكن ان تترسخ الديمقراطية في مجتمعات تشكلها مثل هذه الذهنيات ؟ وهل مكين مثل هؤلاء الافراد ان يحققوا شيئا من الديمقراطية في المجتمعات التي ينتمون اليها ؟

منار الاغا سفارة فلسطين – زيمبابوي

اضغط هنا للتواصل أو التعرف على الأستاذ منار يوسف علي عثمان الأغا

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد