باسم الأغا .. رجل من زمن آخر
بقلم أ. عصام الأغا:
يأتي أناسٌ إلى هذه الحياة ليغيّروها، ليحدثوا في قلوب الناس فرقاً، ويتركوا طيّب الأثر، ثم يرحلوا دونما أي ضجيج، عمرٌ قصير مقارنة بالرّحيل، لكنّه تجاوز مقايس البعد ليصل أسمى رسالة، ليوصلنا إلى حقيقة وجودنا في هذه الحياة.
عام مر على رحيل البطل، ولا يزال ذهني يستحضر إشراقات وجهه، وأحاديثه المعبرة، وجهه المستنير بنور القرآن، الذي يحمله في صدره، وآثار العبادة تبدو عليه بِسمت مهيب، عينان صافتان ولحية تطوق وجهه فتطفى عليه المهابة والجمال، ولا زلت أتخيل نفسي جالسا معه ولسانه يجود بـرقي الكلام وهو يوجه، ينصح، يقترح، يمازح، ويلاطف.
هنا البداية
أدرك أن الوقت يمضي سريعاً وليس هناك مجالاً للفتور أو اللهو فبدء طريقه من قراءة كتاب " مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق " لابن النحاس رحمه الله، كان قد أشرع مركبه مشرعا مع ابن النحاس في بحر التضحية والبذل والفداء كان مرهفً رقيق الحس يتفجر قلبه بالعواطف فلا يستطيع أن يتمالك نفسه من البكاء.
استطاع أبو بلال "رحمه الله" برفيع أخلاقه أن يكون أخ للجميع من حوله من الأصدقاء وأن يمتلك مفاتيح القلوب، كان يُشعرهم جميعاً أنه يهتم بكل واحداً منهم على حدا، لم يكن يذخرُ جهداً في الإشارة لأي من الإخوة في أي من المواضيع، الأخذ بيده ليعينه على مواصلة السير في قافلة الإيمان، كان طويل الصمت قليل الكلام فإن تحدث نطق همساً أو ما يشبه الهمس ولكن حديثه ينفذ إلى القلب فيه الحلاوة والطلاوة يسحر السامع ويأخذ بلبه ويستوي عليه فلا يدري أهو أسير حديثه أم أسير محدثه.
كنت أغبطه على ما أوتى من ورع وتقى واجتهاد في الطاعات، قيام الليل، وصلاة الضحى، السواك، تقصير الثياب، وإعفاء اللحية، كما أنه وفي ريعان الصبا نال حظاً وافراً من العلم الشرعي يعيش في هذه الدنيا ببدنه وروحه معلقة بالآخرة، وتأثر كثيرا بكتب ابن القيم رحمه الله وكان كثيرا ما يقول " لا يفهم المدراج إلا من درج"
كان رحمه الله لا يُشغله عن صلاته شاغل، فالليل مركب الصالحين ومطية العابدين يأنس فيه العبد بمناجاة ربه الجليل وأقرب ما يكون العبد من ربه في جوف الليل.
المسجد أشتاق اليه
كيف لي أن لا أتحدث عن شوق المسجد لهذا الرجل العابد، الذي لم يترك موضع قدم إلا وصلى به، قضى الساعات الطوال والليالي السمان وهو قائم يصلي به، أو قارئاً للقرآن مهذباً نفسه ومنقي روحه من شوائب الدنيا، كان ينافس الكبير قبل الصغير على الصلاة في الصف الأول، ويحرص أشد الحرص على أن لا يفوت تكبيرة الإحرام.
كان من عادته "رحمه الله" عندما ينتهى من صلاة الفجر أن يعتكف في المسجد حتى طلوع الشمس، ومحافظاً على قراءة جزء من القرآن وقراءة الأذكار بشكل يومي، وكذلك المواظبة على صلاة الضحى.
لقد كان باسم في غمرة هذا كله متنقلا من طاعة إلى طاعة ومن عبادة إلى عبادة فمن بر الوالدين الى الجهاد إلى صلة الرحم ومن الاعتكاف إلى الدعوة ومن قراءة القرآن إلى طلب العلم .
إقدام الفارس
كان رحمه الله يحافظ على اعتكاف العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك من كل عام، إلا أنه في هذا العام غير من عادته فشرع في اعتكافه مطلع شهر رمضان أسبوعًا كاملًا، إلى أن توغل الاحتلال برياً في قطاع غزة، ليخرج الأسد أبو بلال من مسجده إلى عرينه حيث نفق هجومي معد مسبقاً للتصدي لقوات الاحتلال، ليرابط به أبو بلال منتظراً فريسته، إلا أن الله أختاره له أن يكون استشهادياً مقبلاً لا مدبراً، كما أرد الله له أن يكون أحد الأبطال الذين يثخنوا في جنود الاحتلال، فبادر في تنفيذ عملية استشهادية من خلال تفجير جسده الطاهر في آليات الاحتلال موقعاً عدداً من القتلى.
وكان دعاء الشهيد دائماً: " أسألُ الله أن لا يجعل لي قبراً يضمه، وأن يبخرني في سبيله "، وصدقْ، فارتقى ولم يبقّ له جسد يودَّع.
تلاوة من سورة البقرة بصوت الشهيد باسم الأغا رحمه الله
الشهيد باسم محمد سعيد الاغا
الشهيد باسم الأغا في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية عام 2008
الشهيد باسم الاغا
الشهيد باسم الأغا والشهيد محمود يوسف العبادلة
الشهيد عُدي محمد قاسم الاسطل و الشهيد باسم محمد الأغا
الشهيد تيسير يوسف مسلم سالم السميري والشهيد باسم الأغا
الشهيد قبل الإستشهاد بأربع شهور
معبر رفح من الجانب المصري خلال زهابه للعمرة عام 2012
داخل الحرم المكي- مارس 2012
[1] جواد سليم إبراهيم سليم | ويتخذ منكم شهداء | 26-07-2015
[2] احمد محمد الاغا | الله يرحمه | 26-07-2015