حكاية أسر بقلم
حكايةٌ من نوعٍ فريد ، حكايةٌ يتوقف عندها الزمن ، لأنها تتعلق ببطلٍ لا يشق له غبار ، بطلٌ ولد في زمنٍ عجزت فيه كل جيوش العرب على الوقوف في وجه الاحتلال الصهيوني ، هو الأسير البطل ضياء زكريا شاكر الآغا ، من سكان مدينة خانيونس، أسيرٌ يختزل في ثنايا عقله حكايةً طويلةً مع الأسر ، وهو الذي أنهى ما يتجاوز عن ربع قرنٍ في سجون الاحتلال .
منذ كان صغيراً ، تشرب الأسى والمرارة ، ولكن صنعت منهُ ثائراً وعملاقاً ، قد تربى في أحضان المخيمات التي خرج منها الشهداء والأسرى وسار فى أزقة أحياء خانيونس التي تعتبر الأكثر فقرا ً، والأكثر عزةً وكرامة.
حياة الأسير ضياء الآغا ، والتي أفناها في النضال داخل سجون الاحتلال ، دفاعاً عن كرامة شعبه ووطنه .
نبذة عن حياته
في التاسع عشر من شهر نيسان لعام 1975 وفد الأسير ضياء الآغا إلى الحياة ، ومنذ نعومة أظافره شارك في انتفاضة الحجارة ، لم يكن عمره يتجاوز ال13 عاما ً، آنذاك حتى إذا بلغ ال16 ربيعاً التحق بصفوف المقاومة ، فقد عمل ضمن قوات العاصفة التابعة لحركة فتح ، وانخرط بالعمل العسكري وهو الشاب المقدام الجسور .
وخلال وقتٍ لاحق نفذ الأسير ضياء الآغا عملية بطولية ضد مجمع مستوطنات غوش قطيف الجاثم على أرض خانيونس ، وقد أدت العملية إلى مقتل مسؤول أمن المستوطنة الضابط "إيماتس حاييم" ، وقد شارك هذ الضابط في عملية إغتيال القادة الكبار ، "كمال ناصر ، كمال عدوان ، وأبو يوسف النجار"
وبتاريخ 10/10/1992 ، تمكن الجيش الإسرائيلي من إعتقال الأسير الآغا ، ونقله على الفور إلى مركز تحقيق عسقلان ، وهناك مارست مخابرات الاحتلال بحقه أبشع أنواع التعذيب والضغط والتهديد ، كما واستخدمت كل أشكال العقاب الجماعي بحق عائلته ، وحرمته من رؤية ذويه لسنواتٍ عديدة .
مسيرة الأسر
عقب مرور عامين على توقيف الأسير الآغا أصدرت المحكمة العسكرية الصهيونية حكمها بحقه بالسجن الفعلي مدى الحياة ، ولكنها لم تستطيع أن تزعزع إيمانه بقضيته ، ويقينه بحتمية النصر وزوال السجن والسجان ، فكان صابراً على الألم ، مرابطاً عليه وهو يعيش على أمل الحرية في أي وقت
وكانت لحظات صعبة على ضياء حين ودع شقيقه للحرية ، بينما هو لا يزال خلف القضبان .
وقد تعرض إلى لحظات قاسية داخل الأسر كان أبرزها وفاة والده الحاج زكريا الآغا عام 2005 ، فقد كان خبر وفاته من أصعب اللحظات التي عاشها ضياء وشقيقه محمد قبل تحرره ، فقد حُرما من إلقاء نظرة الوداع على جثمانه قبل مواراته الثرى .
رغم كل شيء لا يزال الأسير على يقين بأن السجن لا يغلق على أحد ، وأنه ومهما طالت السنوات لا محالة ستكسر قيوده ويعود إلى أحضان ذويه وأهله ليكمل مشوار عطائه.
أم ضياء حكاية لأسوار الزنازيين
أم ضياء الأغا إمرأة فلسطينية من خان يونس لها قصص مع الزنازين الإسرائيلية التي قبع فيها والد الأسير "زكريا شاكر الأغا" في العام 1973م وخرج بعد ثلاث سنوات وصولاً لعميد أسرى قطاع غزة "ضياء" المعتقل ثم منذُ العام 1992م مروراً بإعتقال أخيه "محمد" الذي أعتقل عام 2003م وحكم عليه إثنا عشر عاماً ، وتم الإفراج عنهُ في 5/5/2015 وقد شاء القدر أن يرافع عنه في محكمته المحامي فتحي عكيلة الذي رافع عن والده من قبله في العام 1973م .
وفي بيتها المتواضع في السطر الغربي بمدينة خان يونس الإباء ، بدأت أم ضياء بالتحدث عن نجلها ضياء وقد غالبتها دموعها برهة تخللتها نظرات عين متلوعة شوقاً وحسرة, بدأت تتغلب على دموعها بقولها " أخشى ما أخشاه أن توافيني المنية قبل أن أرى ولدي ضياء حراً طليقا ً، فهذا ما أطلبه من الله أن يطيل عمري لكي أفرح بضياء وأزوجه ".
ضياء والانتقام تقول إن ضياء كان كثيراً ما يجلس مع نفسه تراه سارحاً بخياله وكأنه يفكر بشيء ما ، ولم أكلف نفسي بسؤاله عن سر تفكيره الذي أصبح مألوفاً لدي" ، وتروي بأن ضياء خرج فجر يوم 10/10/1992م إلى عمله كعادته، إلى أنه تبين في وقت لاحق أنه كان قد دخل إلى مجمع غوش غطيف وكانت اللحظة الحاسمة التي نفذ حكم العدالة في "أمتس حاييم" ضابط المخابرات الاسرائيلي ، الذي كان أحد المخططين والمنفذين لعملية إغتيال الشهداء القادة الثلاثة "كمال عدوان ، وكمال ناصر ، وأبو يوسف النجار" والأهمُ من ذلك أحد المشاركين في إغتيال "أبو جهاد" بتونس ، ثم خرج من المستوطنة دون أن يراه أحد ، ولكن ما كشف أمر ضياء أنه دخل من بوابة المستوطنة كعامل ، وبالتالي كان قد سلم بطاقته الشخصية كغيره من العمال ، وعندما خرج لم يخرج من البوابة الرئيسية وبقيت بطاقته لدى حراس البوابة وهذا ما سهل عمل الجيش الإسرائيلي في معرفة المنفذ ، فجاءت القوات الإسرائيلية بعد فترة قصيرة إلى البيت وبدأت بالتحقيق معي ومع أفراد العائلة والجيران إلى ساعات الفجر الأولى من اليوم التالي ، إلى أن توصلوا بطريقتهم إلى معرفة المكان الذي يختبئ فيه ضياء وتم اقتيادي معهم لمنزل إبنتي في معسكر خان يونس حيث كان ضياء هناك ولغاية ذلك الوقت لم اكن أعرف ، والقول لأم ضياء ، أنه هو من نفذ العملية فهو لم يخبر أحداً بذلك وكانت مجرد توقعات وتخمينات ، إلى أن ثبت هذا الأمر بشكل رسمي بعد إعتقاله .
وتذكر أم ضياء أنه تم تطويق المعسكر بالكامل أثناء عملية الإعتقال وكان الجنود الإسرائيليون على درجة عالية من الخوف من أية مفاجئات وخصوصاً ان شوارع المعسكر وأزقته ضيقة وينشط فيها عمل مطاردي الانتفاضة من حركة فتح والذين كان ضياء واحد منهم ، وتقول بأن اعتقال نجلها كان أمام عينيها وقد اعتقدت ، حينها أنها لن تراه مرة أخرى .
وتضيف "أنه وبعد حوالي سنة من إعتقاله استطعنا معرفة مكان اعتقاله من خلال نقابة المحامين وقمت بزيارته الأولى في سجن تلمون، وقدر الله أن يكون شقيقه معتقلاً في ذاك الوقت في سجن النقب الصحراوي فكنت أزور شقيقه الأكبر يوم الخميس وضياء يوم الجمعة وبقيت على هذا الحال إلى أن خرج شقيقة قبل عودة السلطة للوطن ، وبقي ضياء في السجن إلى أن أصبح عمره ثمانية عشر عاماً وتم بعدها إصدار حكم مدى الحياة بحقه"
زيارات مهينة!
تسرد أم ضياء قصتها مع زيارتها لابنيها محمد وضياء فتقول "منعت من الزيارة فترة طويلة ، ومن زيارة ضياء تحديداً بحجة أنني لست على صلة به، فطالبهم الأسير ضياء بتحليل "DNA" لإثبات القرابة وأنها إم لذاك الشبل ، علاوة على ذلك فقد كانوا ينقلون ضياء كل فترة من سجن لآخر ، لأنه كان مفوض السجن الذي يحل فيه ، إلى ان استقر في سجن إيشل ، كذلك الحال بالنسبة لمحمد الذي رفضت سلطات الاحتلال زيارته لوقت طويل على الرغم من اجتماعه وضياء في نفس السجن مؤخراً ، فالزيارات تتم بعد تاريخ التسجيل لها بشهر تقريباً ، ويوم الزيارة أنت ونصيبك من الممكن أن يكون هناك عيد أو إغلاق لمعبر "إيرز" وبالتالي لا تستطيع الذهاب لتزور نحلها" .
أمل متبدد !
وعن الوعود بالإفراج عن نجلها كونه من الأسرى القدامى تضيف : "في صفقة شاليط كان من المتوقع أن يتم الإفراج عن إبني حسب التأكيدات من المعنيين والمقربين من مفاوضات الصفقة, وهذا الأمر بعث في نفسي التفاؤل والفرح الذي لم يمكث طويلاً وعاد اليأس كما كان في صدري بعد أن غاب اسم ضياء عن أسماء المفرج عنهم في هذه الصفقة ، وتم نقلي إلى المستشفى في ذلك اليوم" .
وبعد الاتفاق الإسرائيلي الفلسطيني على إطلاق سراح الأسرى القدامى عاد الأمل يتسلل من جديد لقلب أم ضياء أملاً في الإفراج عن نجلها المعتقل قبل اتفاق أوسلو بسنوات ، حيث تقول "استبعدت في بادئ الأمر الإفراج عن نجلي وهو الذي قتل "أمتس حاييم" وتم الحكم عليه مدى الحياة ، ولكن بعد خروج الدفعة الأولى من الأسرى ذوي الاحكام العالية بدأت نسبة الأمل في صدري ترتفع قليلاً حيث كان الحديث في الأوساط المختلفة أن اسم ضياء سيكون في الدفعة الثالثة بل وكتب اسمه في بعض المواقع الاخبارية ، فكنت لا أتخيل ما يحدث حين بدأنا في ترتيب فعاليات استقبال ضياء وما سوف نقوم به من أجله فكنت أشعر أن ما أنا فيه مجرد حلُم وكم تمنيت أن يكون حقيقة ولكن اليهود هم اليهود ، حيث فوجئ الجميع بقائمة أسماء الأسرى المنوي الإفراج عنهم قبل يوم من إطلاق الدفة الثالثة بغياب اسم ضياء من جديد ، فشكرت الله وصبرت أملاً في الدفعة الأخيرة التي تعطلت أخيراً بسبب تعليق المفاوضات الفلسطينية و الاسرائيلية ، وتضيف هنا بأنها مستعدة بالتضحية بحرية نجلها شرط عدم التنازل عن الحقوق الفلسطينية والثوابت الوطنية ، وقالت "حرية إبني مش أغلى من الوطن وأنا وأبنائي فداءً للوطن".
وفي ختام حديثها توجهت متضرعة لله أن يفك قيد كل الأسرى الفلسطينيين والعرب ، ووجهت تحية إجلال وإكبار لذوي الأسرى وزوجاتهم –خصوصاً ، الصابرات المحتسبات المؤمنات بقضاء الله وقدره ، ودعت الجميع للوقوف بجانب الأسرى والتوحد من أجلهم لكي يدخلوا بذلك السعادة ويعيدوا رسم البسمة على شفاه أهلهم وذويهم
بقلم/ زكريا حازم الأغا