النخلة | عائلة الأغا

أستاذي يا من ودعت الدنيا للأخرة، أستاذي أيها الحبيب الذي عرفتك منذ نعومة أظافري جاراً عزيزاً، وأستاذاً قديراً، ومعلما للرياضيات كفؤاً. رحمك الله أيها الأستاذ الذي تعلّم على يديك عدد ليس بالقليل من أبناء خان يونس، والجماهيرية الليبية، عزائي لزوجته الفاضلة التي قضت حياتها محبّة لزوجها وأبنائها، أخلصت لزوجها إخلاصاً أيما إخلاص، وسافرت من بلد لبلد حتى التقته في جمهورية مصر العربية بعد عام 1967، ولهذا قصة سأسردها. رحمك الله أيها الأستاذ الشهم والكريم، علمتني الرياضيات وأحببتها، فكنت طالباً في محرابك، والتقيتك قبل التخرج في الجامعة عام 1976، ثم التقيتك معلماً في ليبيا عام 1977. أرجع بالذاكرة للوراء أربعة عقود، حيث تشرفنا بمجاورته لنا مدة عام كامل، حيث كان حديث الزواج، ثم نشبت حرب 1967 فما كان منه وزوجته إلا أن جمعنا " بدروم" بيتنا للاحتماء فيه من القصف الإسرائيلي لمدينة خان يونس، ومكثنا سبعة أيام في غرفة تحت الأرض، وكان له بنت صغيرة، كلما تسمع قصفاً تبكي بصوت عالٍ، وكنا جميعاً نخاف أن يسمع المحتل صوتها فيأتي إلينا، وكان الجميع يحاول تهدءتها بطريقته الخاصة، وفي اليوم الثاني عشر دخل الاحتلال مدينة خان يونس التي بقيت عصية عليه، وصعدنا الطابق العلوي، وبعد لحظات دخلت قوة من الجيش الإسرائيلي بيتنا للتفتيش ، وكان الجميع موجوداً بما فيهم الأستاذ أحمد، وإذا بهم يختارونه من بين الجميع، حيث كنا (31) شخصاً في الصالة، وأذكر كان معنا جيراننا الكرام الكرام بيت فرنجية" أبو مشيل، أو أنطون، وبعد أن خرج للشارع معهم، سمعنا طلقات رصاص مازلت أذكرها، وذا بزوجته تصرخ " قتلوه" وأخذت والجميع يبكي. كنا نتساءل خلال يومين بعد أخذه، أين ذهب، خاصة وأن قوة من الجيش احتلت سطح منزلنا لأنه كان في مدخل المدينة، وكاشفاً كل شيئ شرقاً وغرباً، وبعد أيام علمنا أن إسرائيل جمّعت كل الشباب ونقلتهم في حافلات إلى مصر عبر قناة السويس، فاطمأنت زوجته والجميع. بدأت رحلة العذاب لزوجته، أراد والدي رحمه الله أن يؤمن سفرها لمصر عن أي طريق، ولم يكن إلا طريق الجسر، وتم ذلك بعد مرتين من السفر، حيث أخذها دليل من خان يونس إلى الأردن ومنها إلى مصر، فالتقيا سوياً، ثم انتقلا إلى ليبيا للعمل هناك، ومنذ السبعينيات وإلى اليوم وهو يعيش بحب ومحبة، واحترام وتقدير، ومازالت شقيقتي وزوجها وأبناؤها في تواصل معهم. هي رحلة الفلسطيني الذي يحمل في جعبته قصص مؤلمة، ولكنها تعكس الوفاء لبعضنا في الأزمات، والمحبة مهما امتد الزمن. كيف لا يكون للفلسطيني قصة مؤلمة، وكيف يمكن أن يعيش الفلسطيني دون معاناة، هي خطوات كُتبت علينا، وعلينا أن نتحملها. رحمك الله أيها المعلم الأستاذ، أيها الأنسان الرائع، وباسمي وكل من علمتهم أقول: اللهم تجاوز عن سيئاته، وأدخله الجنة دون حساب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.