التواصل العائلي والقرآن الكريم دأب الفلسطينيينين في رمضان
الكنافة والقطائف والمشروبات المحلية أطعمتهم المفضلة
محمود سليمان
رمضان في فلسطين شهر للصيام والقرآن وان كان تحت وطأة الاحتلال والحواجز والاغلاقات والحصار والقتل العشوائي والمنظم الذي يمارسه الاحتلال ليل نهار قبل الافطار وبعده وقبل السحور
وبعده.
لكن ذلك لايمنع احتفال الشعب بالشهرالفضيل وفق عادات وتقاليد راسخة لم يستطع الاحتلال ان يغير من ملامحها. ويتحدث الدكتور يحيى الأغا المستشار الثقافي بالسفارة الفلسطينية عن المظاهر الرمضانية في فلسطين قائلا: ان هناك صلة وثيقة بين الناس والقرآن، من خلال إحصاءات جديدة فإن أبناء فلسطين من أكثر الدول حفظاً للقرآن الكريم، ويزداد هذا في رمضان بشكل ملحوظ، حيث يُقبل الجميع من كافة الأعمار والأجناس على تلاوته، وحفظه، وتزدحم بيوت الله بالمصلين في جميع الأوقات.
كما تكثر حلقات الدرس، حيث تتنوع الحلقات بين قراءة في التفسيرات لكتاب الله، وحلقات في فقه السنة، وأخرى في دروس حياتية وقصص الأنبياء، ويقوم على هذا كله أناس متخصصون، يتم تعيينهم من قِبل شؤون المساجد ووزارة الأوقاف. ولرمضان عادات وتقاليد خاصة تختلف عن باقي شهور السنة، هذه العادات لن تمحوها ذاكرة الزمن عن الفلسطينيين، يتوارثها الأبناء عن الآباء، والأجداد، حتى تبقى راسخة.
تتعلق بالمأكولات الرمضانية فيمكن القول ان هناك استعدادات مبكرة للشهر الفضيل، فرغم ضيق
ذات اليد، فإن مكرمات الله أوسع، حيث تبدأ الاستعدادات من شهر شعبان، فيتم تجهيز الاحتياجات للشهر الفضيل منها شوربة العدس، وقمر الدين، والسوس، والسلطة ومكوناتها خاصة فيما يُسمى لدينا (الزبدية) وهي كالصحن مصنوع من الفخار، فالبركة تحل في كل مشترياتنا، وهنا تبدأ الأسرة بشراء
احتياجات البيت التي تختلف عن الأيام العادية (المأكولات — المشروبات) أما العادات الاجتماعية ففي اليوم الأول من رمضان تجد الأب يدعو أبناءه وبناته واقرباءه وأصهاره لتناول طعام الإفطار سوياً، يلتقون على مائدة واحدة، وطعام واحد، تجمعهم طاعة الله، رغم تفريق السياسة والأحزاب لهم أحيانا.
وبعد الإفطار يؤدون الصلاة جامعة في حب ووئام، وهكذا نجد هذا في معظم البيوت الفلسطينية.
فلسطين تزداد في هذا الشهر الفضيل، وتنمحي جميع التحزبات من قواميس العقلاء من لله، ورغبة ً
أبناء فلسطين، شعارهم التآخي طاعة في فتح صفحة جديدة من الحياة الكريمة.
يعلمون أن في هذا الشهر تتفتح أبواب الجنان، وتُغلّق أبواب النيران، لهذا يقبلون على الطاعة بشكل لا سابق له، طلباً للغفران، وتكفيراً لذنوب اقترفتها أيدي وأرجل وألسن وأعين،هنا تمتزج في المساجد دموع المستغفرين بلحاهم، يأملون في استجابة ربانية لهم.
وفي رمضان يحلو السهر اجتماعياً كما يقول المستشار الأغا، فتذوب كل الحواجز بين إخوة الدين والعقيدة. كما يجلس الكثير أمام شاشات التلفزيون يتابعون المسلسلات الدينية والاجتماعية والتاريخية.
ما أنواع المأكولات التي يقبل عليها الفلسطينيون في رمضان؟
هناك العديد من أنواع الأطعمة التي تتصل برمضان كالقطايف بنوعيها المحشو مكسرات، حسب الأذواق، (العوامة والكنافة بأنواعها). الكنافة، والمشروبات التي تصنع محلياً. وأذكر قبل ثلاثين عاماً عندما كنت في الوطن (خان يونس) ما أن يُعلن عن رمضان حتى تجد التواصل العائلي بين جميع الناس، يتواصل الأهل والأصدقاء والجيران بشكل غير مسبوق، لأن رمضان زائر ويجب إكرام الزائر بالطاعات والعبادات، والتواصل الاجتماعي.
ما أقسى أن يأتي رمضان والقدس تئن من الحصار والجدار ما أقسى أن يأتي رمضان وأكثر من عشرة آلاف أسير في سجون إسرائيل. ما أقسى رمضان والعائلة الفلسطينية مكلومة بشهيد أو شهيدين.
القدس أمانة يا أمة المسلمين، ومن يمت دون أن يقدم لها شيئاً فحسابه على ربه. الذكريات هي الأمل الذي نعيش عليه بكل مالها وآلامها، ذكريات الوطن الأجمل على هذه الأرض، ذكريات الأرض المقدسة التي منها صعد الحبيب محمد إلى السماء ، حيث سدرة المنتهى ذكريات تعكس ما بداخل الفلسطيني من ألم يعتصره صباح مساء لأن الأرض مازال يعيش عليها غربان الزمن الضليل، مازالت تحن إلى خبز أمي، وقهوة أمي، ذكريات تفتح جرحاً غائراً مصدره الوطن الأسير، والأسرى القابعون في السجون، والوطن المنقسم على نفسه بأيدينا.
ولم يخل حديث الأغا من الأسى حين سألناه ماذا يعني لك رمضان: رمضان الصوم هو كما عرفناه ومارسناه وأقمنا كل ما يتصل به، لكن الزمن من خلاله يختلف، فالزمن ليس هو الزمن، روحانيات رمضان التي يجب أن نعيشها غير موجودة اليوم في قاموس الشعب الفلسطيني، غير موجودة في وجدانه لعديد من الأسباب.
يمر رمضان اليوم والسجون الإسرائيلية يقبع داخلها أعز الرجال وأفضل الرجال، يُحرمون من التواصل من أبنائهم وزوجاتهم وأمهاتهم وآبائهم، فكيف يكون حالنا ونحن نفتقد أكثر من عشرة آلاف أسير. رمضان يمر وتأتي معه ذكريات الشهداء الذين كانوا يجلسون معنا أثناء تناول الإفطار وغدا بالمكان يخلو منهم، فتبدأ دموع الألم تنهمر مع قول المؤذن (الله أكبر ألله أكبر) إيذانا ببدء الإفطار.
رمضان يأتي والوطن مكلوم إلى درجة لم يسبق لها مثيل، منقسم على نفسه من أجل متاع الدنيا وبعيداً عن الوطنية والإنسانية، بل من أجل مصالح خاصة، يعبث به المضللون والمشككون من أجل نوازع خاصة، فيهلك من يهلك، ولا مشكلة. الوطن منقسم بأكثر من 650 حاجزا عسكريا إسرائيليا، فلا يمكن التواصل بين المدن والقرى إلا بشق الأنفس، لدوافع أمنية كاذبة. ورغم كل ذلك ورغم الآهات التي تصدر من هنا وهناك، فمازال الأمل معقودا على أن يأتي اليوم الجميل للوطن الأجمل لأن الإيمان بالله أكبر من كل حوادث الزمن اليومية لأننا شعب يحب الحياة.
ويُقبل عليها من أجل المحافظة على أمانة الآباء والأجداد لاستعادة الأرض، وعليه ففلسطين كغيرها من الدول الإسلامية تحتفل بشهر رمضان احتفالاً يتوازى مع القيمة الروحانية لهذا الشهر، والمكانة التي يحظى بها رمضان عند الله سبحانه وتعالى، فهو ليس كباقي الشهور، وهو شهر الله، وبالتالي فإن المسلمين ينسجمون مع هذا التوجه بشكل كبير.