مقالات

عامان من الحزن… وما زال القلب يقاوم كي لا ينكسر.

عامان مرا على قطاع غزة، لا كالأعوام، بل كقرنين من الوجع المتصل.
عامان أثقلا الأرواح حتى صارت تنهض بالكاد من رمادها.
عامان انطفأت فيهما البيوت، وغابت فيهما وجوه الأحبة، ولم يبقَ إلا الصبرُ يحرسُ ما تبقّى من الأمل.

كل يومٍ في قطاع غزة كان امتحانًا جديدًا للإيمان والاحتمال،
وكل ليلةٍ كانت تمرّ كأنها عامٌ من الخوف والانتظار.
تمرّ الأيام مثقلة كالجنازات، والليالي تُسدل ستائرها على صمتٍ يعرف أنه لا أمان بعد اليوم،
ومع ذلك، ينهض الغزيون كل صباح، يغسلون وجوههم بالرجاء، ويواصلون الحياة كأنهم يصنعون المعجزات من العدم.

عامان أثقل من أن تُحصى أيامهما
في قطاع غزة لا يُعدّ الزمن بالتقويم، بل بعدد القبور التي زادت، وعدد الأحلام التي توقفت في منتصف الطريق.
كل بيتٍ يحمل قصة، وكل شارعٍ يختزن ذاكرة دم ودموع.
ومع ذلك، لا تنكسر المدينة،
بل تُلملم جراحها، وتزرع بين الركام وردة، وتقول للعالم:
ما زلنا هنا… وما زال فينا نبض الحياة.

وأوجع من أن تُقاس جراحهما
جراح قطاع غزة لا تُقاس بعدد الشهداء،
ولا تُختصر في حجم الدمار،
بل في أعين الأمهات اللواتي ينتظرن عودة من لن يعود،
وفي ملامح الأطفال الذين كبروا قبل أوانهم،
وفي صمت الرجال الذين يدفنون أبناءهم بقلوبٍ صلبةٍ لا تنهار.

هي جراح الروح، لا الجسد.
نزيف في الذاكرة، لا يتوقف حتى في الحلم.

تساءلت نفسي: هل احتملنا، يا رب، كل هذا العذاب؟
أي صبرٍ هذا الذي يسكن صدور أهل قطاع غزة؟
كيف للقلوب أن تظل مؤمنة بعد كل هذا الخراب؟
ومع ذلك، تراهم يبتسمون،
يبنون من الركام مدرسة جديدة،
ويزرعون على حافة المقابر شجرة زيتون،
ويقولون: الحمد لله على كل حال، فلعلّ الجبر قريب.

كأن الشقاء قد كُتب على أهل قطاع غزة
منذ لحظة الولادة، يبدو أن الغزّي يُولد في معركة لم يخترها.
ينشأ على أصوات القصف بدل الأغاني، ويتعلم أن معنى الحياة أن تصمد رغم كل شيء.
كأن الشقاء كُتب في الحبر نفسه الذي كُتب به اسم مدينته،
ومع ذلك، فهم لا يلعنون قدرهم، بل يحولونه إلى عزيمةٍ تذهل العالم.

ارتبط الشقاء بحبلهم السري ساعة الولادة
يولد الطفل الغزّي في عتمة المستشفى،
لكن أول ما يسمعه ليس البكاء، بل صوت أمّه تقول: الحمد لله أنه حيّ.
يخرج إلى الدنيا محاطًا بالخطر، لكنه يحمل في عينيه نورًا لا ينطفئ.
يكبر وهو يعرف أن الخوف لا يقتل، وأن الكرامة لا تُشترى، وأن الأمل في قطاع غزة هو آخر ما يموت.

عامان من الوجع… ولا يزال في قطاع غزة من يُصرّ على الفرح،
من يزرع الورد في الرماد،
ومن يقول للعالم:
هنا نعيش، هنا نحلم، هنا سنبقى

اضغط هنا للتواصل أو التعرف على الدكتور صهيب كمال سعيد حمدان الأغا

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد