من نظر في العواقب سلم
إعداد / محمد أحمد عودة الأغا ( نقلاً عن كتاب صيد الخاطر للامام ابي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي )
ما رأيت أظرف من لعب الدنيا بالعقول ، و قد سمعنا و رأينا جماعة من الفطناء الكاملي العقل لعبت بهم الدنيا حتى صاروا كالمجانين . فولوا الولايات فخرجوا إلى القتل و الضرب و الحبس و الشتم و ذهاب الدين ، و المباشرة للظلم كله لأجل دنيا تذهب سريعاً .
و هي في مدة إقامتها معجونة بالنغص .
فيا أيها المرزوق عقلاً لا تبخسه حقه ، و لا تطفئ نوره ، و اسمع ما نشير به ، و لا تلتفت إلى بكاء طفل الطبع لفوات غرضه .
فإنك إن رحمت بكاءه لم تقدر على فطامه ، و لم يمكنك تأديبه ، فيبلغ جاهلاً فقيراً :
و اعلم أن زمان الإبتلاء ضيف قراه الصبر ، كما قال أحمد بن حنبل : [ إنما هو طعام دون طعام و لباس دون لباس ، و أنها أيام قلائل ، فلا تنظر إلى لذة المترفين ، و تلمح عواقبهم ، و لا تضق صدراً بضيق المعاش ، و علل الناقة بالحدو تسير :
و قد كان أهدي إلى أحمد بن حنبل هدية فردها ، ثم قال بعد سنة لأولاده : [ لو كنا قبلناها كانت قد ذهبت ] .
و كان لداود الطائي دار يأوي إليها ، فوقع سقف ، فانتقل إلى سقف ، إلى أن مات في الدهليز .
فهؤلاء الذين نظروا في عواقب الأمور ، و بعد هذا فلا أطالبك بهذه الرتبة ، بل أقول لك : إن حصل لك شيء من المباح لا من فيه و لا أذى و لا نلته بسؤال و لا من يد ظالم تعلم أن ماله حرام أو فيه شبهة ، فإفسح لنفسك في مباحاتها بمقدار ما تحتاج إليه ، و كن مقدراً للنفقة غير مبذر .
فإن الحلال لا يحتمل السرف ، و متى أسرفت إحتجت إلى التعرض للخلق . و التناول من الأكدار .
و إن ضاق بك أمر فأصبر ، فإن ضعف الصبر فسل فاتح الأبواب . فهو الكريم و عنده مفاتح الغيب .
و إياك أن تبذل دينك بتصنع للخلق أو يتقرب إلى الأمراء و تستعطي أموالهم .
و أذكر طريق السلف : كان ابن سمعون له ثياب يجلس فيها للناس ثم يطويها إلى المجلس الآخر ورثها عن أبيه بقيت أربعين سنة .
و كانت ميمونة بنت شاقولة تعظ الناس و لها ثياب قد بقيت أربعين سنة .
و من صفا نظره و تهذب لفظه نفع وعظه ، و من كدر كدر عليه .
و الحالة العالية في هذا إقبال القلب على الله عز وجل ، و التوكل عليه ، و النظر إليه ، و إلتفات القلب عن الخلق .
فإن إحتجت فإسأله ، و إن ضعفت فإرغب إليه .
و متى ساكنت الأسباب