بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
"إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ" ..
أتقدم ببحثي هذا إلى زملائنا التلاميذ و إلى كل من يجمعنا بهم رباط العلم من مستمعين و قراء و مدرسين والى أبناء عائلتي الكرام , فهذا البحث يشمل" وسائل الإقناع والتأثير في الخطاب الدعوي"
الذي نأمل أن يعجبكم و إذ نحن نضع بين أيديكم هذا البحث الذي نرجو أن يكون في المستوى و نأمل أننا على الأقل لم نقصر و لم نهمل تبيان جواهر عناصر البحث لأننا محصورين بعاملين اثنين يصعب التوفيق في كثير من الأحيان بينهما و هما العناصر الكثيرة التي أجملناها لكم و كذلك الاحاطه النسبية بموضوع البحث الذي هو مبتغانا و كذلك نرجوا
و الله نسال أن يديم نعمته علينا و أن يحفظ وطننا من كل كيد و من كل شر و أن يهدينا سواء السبيل
و نسال الله عز و جل أن يوفقنا و يجعل النجاح حليفنا ....
مقدم البحث
وسائل الإقناع والتأثير في الخطاب الدعوي
تعريف الوسيلة لغة: من الفعل وسل: والوَسِيلةُ: الدَّرَجة والقُرْبة. وَسَّل فلانٌ إِلى الله وسِيلةً؛ إِذا عَمِل عملاً تقرَّب به إِليه. والواسل: الراغِبُ إِلى الله؛ وتوَسَّل إِليه بوَسِيلةٍ: إِذا تقرَّب إِليه بعَمَل، والوَسِيلةُ: الوُصْلة والقُرْبى، وجمعها الوسائل قال الله تعالـى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَة الإسراء: 57
الوسيلة اصطلاحاً: هي مجموعة الطرق التي يستعين بها الدعاة لتحسين الاتصال بالمدعوين، بهدف حضهم على الطاعة والبعد عن المعصية أو دعوتهم إلى الدخول في الإسلام.
تعريف الإقناع لغة:
القُنُوع: السؤال والتذلل، والقَنَاعةُ: الرضا بالقسم، أقْنَعَهُ الشيء: أي أرضاه، والقنوع بمعنى الرضا، والقَانِعُ: الراضي وفي المثل: "خير الغنى القُنُوعُ، وشر الفقر الخضوع"
الإقناع اصطلاحاً:
تأثير سليم ومقبول على القناعات لتغييرها كلياً أو جزئياً من خلال عرض الحقائق بأدلة مقبولة وواضحة.
فالخطاب لغة؛ من خاطبه بالكلام مخاطبة وخطابا، وخطَب على المنبر خُطبة بضم الخاء، وخطابة. وخطَب المرأة في النكاح خِطبة بكسر الخاء، يخطُب ، بضم الطاء فيهما، واختطب أيضا فيهما، وخطُب؛ من باب ظرُف فيهما، صار خطيبا
وقال ابن الأثير: والمخاطبة مفاعلة من الخطاب والمشاورة, فتقول: خطَب يخطُب خُطبة بالضم فهو خاطب وخطيب.
تختلف وسائل الإقناع والتأثير في الخطاب النبوي للمسلمين بمقدار إيمانهم والتزامهم بدينهم، فما يؤثر في المسلم الطائع لربه قد لا يؤثر في المسلم العاصي، لأنهما ليسا متقاربين في مقدار الإيمان، مع ملاحظة أن القسمين يشتركان في الكثير من الوسائل التي تؤثر فيهما، وأنّ ما يحتاجونه - غالباً - هي الوسائل المؤثرة دون المقنعة، لأنّ مصدر التلقي لا شبهة فيه عندهما وهو القرآن والسنة، وإنما الإشكال في توافق العمل مع الإيمان، مع مراعاة أنّ بعض المسلمين قد تبدو له شبهات في جزئيات من الشريعة فيحتاج حينئذ إلى من يجلو عنها الغبار ببعض وسائل الإقناع.
الوسيلة الأولى : ضرب الأمثال:
ضرب الأمثال في البيان النبوي لم يأت لغاية فنية بحتة كغاية الأدباء في تزيين الكلام وتحسينه، وإنما جاء لهدف أسمى، وهو إبراز المعاني في صورة مجسمة لتوضيح الغامض، وتقريب البعيد, وإظهار المعقول في صورة المحسوس ، كما أن ضرب الأمثال أسلوب من أساليب التربية , يحث النفوس على فعل الخير، ويحضها على البر, ويدفعها إلى الفضيلة ، ويمنعها عن المعصية والإثم، وهو في نفس الوقت يربي العقل على التفكير الصحيح والقياس المنطقي السليم , لأجل ذلك ضرب النبي صلى الله عليه وسلم طائفة من الأمثال في قضايا مختلفة وفي مواطن متعددة .وما أكثر الأمثال في القرآن الكريم, وفي السنة المطهرة . قال سبحانه: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ " وقال سبحانه: [مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ] إن هذا التمثيل يستقي مما وصف به سبحانه كلا الفريقين بأوصاف خاصة. ضرب للفريقين مثلاً وهو تشبيه فريق الكافرين بالأعمى والأصمّ ، وتشبيه فريق المؤمنين بالبصير والسميع ، على أن كل فريق شبه بشيئين ، أو شبه بمن جمع بين الشيئين ، فالكافر شبه بمن جمع بين العمى والصمم ، والمؤمن شبّه بمن جمع بين السمع والبصر ، وعلى هذا تكون الواو في { والأصمّ } ، وفي { والسميع }
- عن أنس عن أبي موسى الأشعري قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر.
وتأويل الحديث أنه مثل، شبه القرآن بصنيع صنعه الله عزوجل للناس، لهم فيه الخير ومنافع، ثم دعاهم إليه.
- حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن كمثل الجسد إذا اشتكى الرجل رأسه تداعى له سائر جسده
-أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « مثل المؤمن كالزرع لا تزال الريح تفيئه ، ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء ، ومثل المنافق كالشجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد »
فالمتأمل للأمثال النبوية يجد التنويع صفة ظاهرة فيها, فقد نوّع صلى الله عليه وسلم فيه ونوّع صلى الله عليه وسلم كذلك في موضوع المثل, والغرض الذي سيق لأجله, فضرب الأمثال في مواضيع متعددة ولأغراض شتى من أمور العقيدة والعبادة , والأخلاق والزهد , والعلم والدعوة , وفضائل الأعمال والترغيب والترهيب , وغير ذلك .
الوسيلة الثانية ً: الحوار والمناقشة : الحوار شكل من أشكال الحديث بين طرفين يتم فيه تداول الكلام في أجواء هادئة بعيدة عن العنف والتعصب .
قال سبحانه وتعالى : قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا "
يبين لنا النص وجوب المعرفة المسبقة بالطرف الثاني شرط أساسي في إنجاح الحوار
ومن أمثلة ذلك في السنة كثيرة- منها ما روي عن أبي أمامة قال إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ائذن لي بالزنا فأقبل القوم عليه فزجروه قالوا مه مه فقال ادنه فدنا منه قريبا قال فجلس قال أتحبه لأمك قال لا والله جعلني الله فداءك قال ولا الناس يحبونه لأمهاتهم قال أفتحبه لابنتك قال لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك قال ولا الناس يحبونه لبناتهم قال أفتحبه لأختك قال لا والله جعلني الله فداءك قال ولا الناس يحبونه لأخواتهم قال أفتحبه لعمتك قال لا والله جعلني الله فداءك قال ولا الناس يحبونه لعماتهم قال أفتحبه لخالتك قال لا والله جعلني الله فداءك قال ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال فوضع يده عليه وقال اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء
-عن ثمامة بن عقبة عن زيد بن أرقم قال جاء رجل من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون قال إي والذي نفسي بيده إن الرجل منهم ليعطى قوة مائة رجل في الاكل والشرب والجماع والشهوة فقال الرجل فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة وليس في الجنة أذى فقال له صلى الله عليه وسلم حاجة أحدهم رشح يفيض من جلده فإذا بطنه قد ضمر قوله تعالى.
- عن أبي حريز ، أن عامرا ، حدثه أن النعمان بن بشير ، قال : إن والدي بشير بن سعد ، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إن عمرة بنت رواحة نفست (1) بغلام ، وإني سميته نعمان ، وإنها أبت (2) أن تربيه حتى جعلت له حديقة لي أفضل مالي هو ، وإنها قالت : أشهد النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : « هل لك ولد غيره ؟ » ، قال : نعم ، قال : « لا تشهدني ، إلا على عدل ، فإني لا أشهد على جور (3) » ، قال أبو حاتم رضي الله عنه : « تباين الألفاظ في قصة النحل الذي ذكرناه قد يوهم عالما من الناس أن الخبر فيه تضاد وتهاتر ، وليس كذلك ، لأن النحل من بشير لابنه كان في موضعين متباينين ، وذاك أن أول ما ولد النعمان أبت عمرة أن تربيه حتى يجعل له بشير حديقة ، ففعل ذلك ، وأراد الإشهاد على ذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : » لا تشهدني إلا على عدل ، فإني لا أشهد على جور « ، على ما في خبر أبي حريز ، تصرح هذه اللفظة ، أن الحيف في النحل بين الأولاد غير جائز ، فلما أتى على الصبي مدة ، قالت عمرة لبشير : انحل ابني هذا فالتوى عليه سنة أو سنتين على ما في خبر ، أبي حيان التيمي ، والمغيرة ، عن الشعبي ، فنحله غلاما ، فلما جاء المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ليشهده ، قال : » لا تشهدني على جور « ، ويشبه أن يكون النعمان ، قد نسي الحكم الأول ، أو توهم أنه قد نسخ ، وقوله صلى الله عليه وسلم : » لا تشهدني على جور « ، في الكرة الثانية زيادة تأكيد في نفي جوازه ، والدليل على أن النحل في الغلام للنعمان كان ذلك ، والنعمان مترعرع ، أن في خبر عاصم عن الشعبي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : » ما هذا الغلام ؟ « ، قال : غلام أعطانيه أبي ، فدلتك هذه اللفظة ، على أن هذا النحل غير النحل الذي في خبر ، أبي حريز ، في الحديقة ، لأن ذلك عند امتناع عمرة ، عن تربية النعمان عندما ولدته ، ضد قول من زعم ، أن أخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم ، تتضاد ، وتهاتر ، وأبو حريز ، كان قاضي سجستان »
تضمن السنة النبوية نماذج راقية للتواصل البشري ,جسدتها مواقف الرسول (ص)الحوارية وأسهم في تنوعها وغناها حسن خلق رسول الله عليه الصلاة والسلام .
الوسيلة الثالثة : بالإشارة والحركة والفعل: أحيانا يكون الخطاب الدعوي بالإشارة والحركة والفعل, فقد تؤدي الإشارة باليد أو بالرأس أو بالعين إلى معنى يغني عن الكلام والقول، ويفهَم منه المضمون، وإليكم على سبيل المثال لا الحصر:
- عن أنس بن مالك يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم بخير دور الأنصار أو بخير الأنصار قالوا بلى يا رسول الله قال بنو النجار ثم الذين يلونهم بنو عبد الأشهل ثم الذين يلونهم بنو الحارث بن الخزرج ثم الذين يلونهم بنو ساعدة ثم قال بيده فقبض أصابعه ثم بسطهن كالرامي بيديه قال وفي دور الأنصار كلها خير
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقد روي هذا أيضا عن أنس عن أبي أسيد الساعدي عن النبي صلى الله عليه وسلم
والمقصود من الحديث هنا قوله " ثم قال بيده فقبض أصابعه ثم بسطهن كالرامي بيده " ففيه استعمال الإشارة المفهمة مقرونة بالنطق، وقوله كالرامي بيده أي كالذي يكون بيده الشيء قد ضم أصابعه عليه ثم رماه فانتشرت.
- عن عبد الله رضي الله عنه قال جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع والأرضين على إصبع والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع وسائر الخلائق على إصبع فيقول أنا الملك فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم[وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ].
قال النووي: وظاهر السياق أنه ضحك تصديقا له بدليل قراءته الآية التي تدل على صدق ما قال الحبر، والأولى في هذه الأشياء الكف عن التأويل مع اعتقاد التنزيه، فإن كل ما يستلزم النقص من ظاهرها غير مراد. وقوله: (حتى بدت نواجذه) أي أنيابه، وليس ذلك منافيا للحديث الآخر أن ضحكه كان تبسما
وفي رواية للبخاري فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجباً وتصديقاً له، وفي رواية مسلم تعجباً مما قال الحبر تصديقاً له، وفي رواية جرير عنده: وتصديقاً له بزيادة واو
- عن ابن شهاب قال أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان ابن عشر سنين مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فكان أمهاتي يواظبنني على خدمة النبي صلى الله عليه وسلم فخدمته عشر سنين وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشرين سنة فكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل وكان أول ما أنزل في مبتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش أصبح النبي صلى الله عليه وسلم بها عروسا فدعا القوم فأصابوا من الطعام ثم خرجوا وبقي رهط منهم عند النبي صلى الله عليه وسلم فأطالوا المكث فقام النبي صلى الله عليه وسلم فخرج وخرجت معه لكي يخرجوا فمشى النبي صلى الله عليه وسلم ومشيت حتى جاء عتبة حجرة عائشة ثم ظن أنهم خرجوا فرجع ورجعت معه حتى إذا دخل على زينب فإذا هم جلوس لم يقوموا فرجع النبي صلى الله عليه وسلم ورجعت معه حتى إذا بلغ عتبة حجرة عائشة وظن أنهم خرجوا فرجع ورجعت معه فإذا هم قد خرجوا فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينه بالستر وأنزل الحجاب.
- عن إسمعيل بن أبي حكيم أن عطاء بن يسار أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة من الصلوات ثم أشار إليهم بيده أن امكثوا فذهب ثم رجع وعلى جلده أثر الماء.
- حدثنا سهل بن بكار حدثنا وهيب عن عمرو بن يحيى عن عباس الساعدي عن أبي حميد الساعدي قال
غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك فلما جاء وادي القرى إذا امرأة في حديقة لها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه اخرصوا وخرص رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق فقال لها أحصي ما يخرج منها فلما أتينا تبوك قال أما إنها ستهب الليلة ريح شديدة فلا يقومن أحد ومن كان معه بعير فليعقله فعقلناها وهبت ريح شديدة فقام رجل فألقته بجبل طيء وأهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساه بردا وكتب له ببحرهم فلما أتى وادي القرى قال للمرأة كم جاء حديقتك قالت عشرة أوسق خرص رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني متعجل إلى المدينة فمن أراد منكم أن يتعجل معي فليتعجل فلما قال ابن بكار كلمة معناها أشرف على المدينة قال هذه طابة فلما رأى أحدا قال هذا جبيل يحبنا ونحبه ألا أخبركم بخير دور الأنصار قالوا بلى قال دور بني النجار ثم دور بني عبد الأشهل ثم دور بني ساعدة أو دور بني الحارث بن الخزرج وفي كل دور الأنصار يعني خيرا
وقال سليمان بن بلال حدثني عمرو ثم دار بني الحارث ثم بني ساعدة وقال سليمان عن سعد بن سعيد عن عمارة بن غزية عن عباس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أحد جبل يحبنا ونحبه قال أبو عبد الله كل بستان عليه حائط فهو حديقة وما لم يكن عليه حائط لم يقل حديقة ففيه استعمال الإشارة المفهمة مقرونة بالنطق، وقوله كالرامي بيده أي كالذي يكون بيده الشيء قد ضم أصابعه عليه ثم رماه فانتشرت.
الوسيلة الرابعة : استخدام أسلوب الاستفهام المثير للانتباه: وكثيرة هي الاحاديث التي دلت عليه
- عن عثمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أرأيت لو كان بفناء أحدكم نهر يجري يغتسل فيه كل يوم خمس مرات ما كان يبقى من درنه؟ قال: لا شيء! قال: (فإن الصلاة تذهب الذنوب كما يذهب الماء الدرن)
- عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كيف بكم وبزمان أو يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس فيه غربلة تبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا فكانوا هكذا؟؟) وشبك بين أصابعه. فقالوا: وكيف بنا يا رسول الله؟ قال: (تأخذون ما تعرفون وتذرون ما تنكرون وتقبلون على أمر خاصتكم وتذرون أمر عامتكم)
الوسيلة الخامسة : الدعوة بالكتابة: فقد بعث النبي الكتب إلى الملوك والحكام في عهده, يدعوهم إلى الإسلام ونبذ الشرك وعبادة الأوثان. ولتأكيد أمرٍ ما وتثبيته في الأذهان؛ لا مانع للداعي إلى الله أن يستخدم إصبعه، خاطا به في الهواء أو على حائط أو على الرمل. وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة الرسائل الملوك والأمراء وغيرهم.
تعالج وسائل القول ووسائل الكتابة في الخطاب النبوي المواضيع العقائدية والعبادات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما تعالج القضايا الإسلامية المعاصرة من مستجدات وأفكار وعقائد، وأمراض اجتماعية، وأن كلا الوسيلتين متكاملتان, فكلها تتعاون في إقناع المسلمين والتأثير إيجابياً عليهم.
الكتاب: وقد استخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم الرسائل وسيلة لتبليغ الدعوة إلى الإسلامية لكسرى وقيصر والنجاشي والمقوقس والبحرين وعمان…الخ وهي وسيلة استخدمها سليمان عليه السلام في بلقيس ورعيتها إلى الإسلام إذ قال للهدهد: اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ
- حدثنا أبو بشر بكر بن خلف وأبو بكر بن خلاد الباهلي قالا حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا سفيان حدثني أبي عن أبي يعلى عن الربيع بن خثيم عن عبد الله بن مسعود
- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خط خطا مربعا وخطا وسط الخط المربع وخطوطا إلى جانب الخط الذي وسط الخط المربع وخطا خارجا من الخط المربع فقال أتدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال هذا الإنسان الخط الأوسط وهذه الخطوط إلى جنبه الأعراض تنهشه أو تنهسه من كل مكان فإن أخطأه هذا أصابه هذا والخط المربع الأجل المحيط والخط الخارج الأمل
- حدثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه قال
كنا جلوسا مع النبي صلى الله عليه وسلم ومعه عود ينكت في الأرض وقال ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من النار أو من الجنة فقال رجل من القوم ألا نتكل يا رسول الله قال لا اعملوا فكل ميسر ثم قرأ
{ فأما من أعطى واتقى } الآية
الوسيلة السادسة : الدعوة بالقدوة:
وهذه الوسيلة هي أهم وسائل الإقناع والتأثير في المدعوين من المسلمين الطائعين والعاصين، لأن التزام الداعية بدعوته وتمسكه بأخلاقه أبلغ من بيانه وأسنان أقلامه، فيه القدوة للطائعين، فيزدادون بالتزامه تقرباً إلى الله تعالى، وبأخلاقه يبرأ العليل من المعاصي والآثام، هكذا كان سيدنا وإمامنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه ربه عزّ وجل: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ
أما زوجاته رضي الله عنهنّ فقد قلن فيه: "إِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ"
لقد كان عليه الصلاة والسلام قرآناً يمشي على الأرض لأن ما فيه من آيات خالطت قلبه وجوارحه كلها فما يقوم إلا في طاعة، ولا يجلس إلا في عبادة ولا يبطش إلا في سبيل الله ولا يغضب إلا لله، ولا يتحدث إلا فيما يرضي الله، فأصبح القرآن لحمه ودمه. والذين صاحبوه واتبعوه قالوا فيه: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ وَأَجْوَدَ النَّاسِ"، "وكَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْسَنَهُ خَلْقًا"، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ ثَغْرًا
الوسيلة االسابعة : الدعوة بالترغيب والترهيب :
نقصد بالترغيب كل ما يشوق المدعو الى الاستجابة وقبول الحق والثبات عليه. ونقصد بالترهيب كل ما يخيف ويحذر المدعو من عدم الاستجابة أو رفض الحق أو عدم الثبات عليه بعد قبوله.
قال تعالى:
{إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار. والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الانعام والنار مثوى لهم}
ومن السنة النبوية - عن أبي مسلمة قال سمعت أبا نضرة يحدث عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.وفي حديث ابن بشار لينظر كيف تعملون
- وما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما جاء أشراف قريش عمه أبا طالب ليحدثوه بشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه أن يكلمه ليكف عنهم ويكفوا عنه، فبعث إليه أبو طالب فجاءه، فقال: يا ابن أخي هؤلاء اشراف قومك قد اجتمعوا لك ليعطوك وليأخذوا منك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا عم، كلمة واحدة تعطونيها، تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم" فقال أبو جهل: نعم وأبيك وعشر كلمات. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تقولون لا إله إلا الله وتخلعون ما تعبدون من دونه .
الوسيلة الثامنة : القصة :
قال تعالى (( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا القُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِينَ))
فإن الحادثة المرتبطة بالأسباب والنتائج يهفو إليها السمع، فإذا تخللتها مواطن العبرة
للماضين كان حب الاستطلاع لمعرفتها من أقوى العوامل على رسوخ عبرتها في النفس وقد أصبح أدب القصة اليوم فنًا خاصًا من فنون اللغة وآدابها، ومن أبلغ صوره القصص في السنة.
-عن خباب بن الأرت قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا قال كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون
-عن أبي هريرة قال حماد ولا أعلمه إلا رفعه ثم قال حماد أراه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى فأرصد الله على مدرجته ملكا فلما أتى عليه قال الملك أين تريد قال أزور أخا لي في هذه القرية قال هل له عليك من نعمة تربها قال لا إلا أني أحببته في الله عز وجل قال فإني يعني رسول الله إليك إن الله عز وجل قد أحبك كما أحببته
الوسيلة التاسعة : التربية بالممارسة والعمل : لم يكن الإسلام ديناً كهنوتياً مقتصراً على الطقوس والطلاسم بل هو دين قول وعلم وعمل. وتزيد التربية على عملية التعليم بأنها إدراك الفضيلة وتطبيقها على أرض الواقع بالنسبة للمتربي .
فالمعلم يجعل التلميذ يدرك الفضيلة ويعرفها والمربي يزيد عليه بجعله يتمثلها جزءا من سلوكه وشخصيته .
قال تعال " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا "
يقول تعالى ذكره : إن الذين صدقوا الله ورسوله ، وعملوا بطاعة الله ، وانتهوا إلى أمره ونهيه ، إنا لا نضيع ثواب من أحسن عملا فأطاع الله ، واتبع أمره ونهيه ، بل نجازيه بطاعته وعمله الحسن جنات عدن تجري من تحتها الأنهار
فإن قال قائل : وأين خبر "إن" الأولى؟ قيل : جائز أن يكون خبرها قوله : ( إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ) فيكون معنى الكلام : إنا لا نضيع أجر من عمل صالحا ، فترك الكلام الأول ، واعتمد على الثاني بنية التكرير
- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول وخير الصدقة عن ظهر غنى ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله
-عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استحيوا من الله حق الحياء قال قلنا يا رسول الله إنا نستحيي والحمد لله قال ليس ذاك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى ولتذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء
- عن أبي عبد الرحمن قال حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل قالوا فعلمنا العلم والعمل
** هذا هدي النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي ما كان يزيده جهل الكافرين عليه إلا حلماً، لا يسب ولا يشتم ولا يجرح مخالفيه، ويناقشهم ويصبر عليهم, فصلي اللهم عليه وسلم تسليما كثيرا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر والمراجع :
انظر لسان العرب لابن منظور 11/724.
2 انظر كتاب أصول الدعوة د.عبد الكريم زيدان ص447 وأسس في الدعوة ووسائلها د.محمد أبو فارس ص80 بتصرف
3 انظر لسان العرب 8/298، ومختار الصحاح 1/231.
4 مختار الصحاح (108)
5 النهاية في غريب الحديث مادة (خطب)
6 سورة الحج آية 73
7 سورة هود الآية 24
8 فتح القدير الشوكاني الباب 18 ج 3ص439
9 صحيح البخاري , باب ذكر الطعام , الجزء 17ص48 رقم الحديث 5007
10 تفسير الطبري
11 مسند احمد , باب حديث النعمان بن بشير عن النبي ج 37ص313ح 17632
12 صحيح ابن حبان , باب ما جاء في الصبر وثواب الأمراض والأعراض ج12ص319ح2977
13 سورة الكهف اية 38
14 مسند احمد , باب حديث ابي امامه ج 45ص 18ح 21185
15 السنن الكبرى للنسائي ب ج 6, ص 445, ح 11477
16 صحيح ابن حبان , ذكر خبر سادس يصرح بان الإيثار في النحل بين ج 21ص 255ح 5198
17 سنن الترمذي , باب ما جاء في أي دور الانصار خير , ج 16ص 152 ح 4768
18 صحيح البخاري , باب قوله تعالى وما قدروا الله حق قدره , ج 15 ص14 ح 4437
19 صحيح البخاري , باب الوليمة حق ج 16 ص 152 ح 4768
20 موطا مالك , اعادة الجنب الصلاة وغسله اذا صلى ولم يذكر ج 1, ص47 ح 100
21 صحيح البخاري باب فرض الثمر ج5 ص 33 ح 1387
22 سنن ابن ماجه , باب ما جاء في ان الصلاة كفارة ج 4ص 312 ح 487
23 سنن أي داوود , باب الامر والنهي ج 11ص 417ح 3779
24 صحيح البخاري , كتاب بدء الوحي وكتاب العلم حديث رقم (7-64)
25 النمل ايه 28
26 سنن ابن ماجه , باب الامل والاجل ج12ص279ح 4221
27 صحيح البخاري , باب كان امر الله قدرا مقدورا ج20ص217ح 6115
28 القلم , ايه 4
29 سورة محمد اية 12
30 مسلم , باب اكثر اهل الجنة الفقراء واكثر اهل النار ج 13ص 286ح 4925
31 يوسف 3
32 صحيح البخاري علامات النبوة في الاسلام ج 11ص 44ح 3334
33 مسند احمد باب مسند ابي هريرة
34 الكهف ايه 30
35 تفسير الطبري
36 صحيح البخاري باب لا صدقة الا عن ظهر غني ج 5 ص 248ح1384
37 سنن الترمذي الباب منه ج 8 ص 498ح 2382
38 مسند احمد باب حديث رجل من اصحاب النبي ج 47ص446ص 22384
[1] حمزة عبد الكريم الأغا | جزاك الله خيرا | 23-05-2011
[2] بلال منهل أحمد خالد الاغا | شكر ا | 23-05-2011
[3] هلال عاشور سعد الأغا | بارك الله فيك | 25-05-2011