قل سيروا في الأرض ...
الجزء الثاني2/2 .... بيت العنكبوت
م. جواد سليم إبراهيم الأغا
بعد ان تم نشر الجزء الأول من المقال في الحادي عشر من فبراير، قررت أن أرسل الجزء الثاني منه مع أول نجاح لثورة عربية اخرى .. وكانت الأرهاصات تبدو في الأفق، وهلت البشريات تترا من أكثر من بقعة جغرافية، فتململ أبطال الشام في درعا وحلب وحماه وغيرها... وبدأ أسود ليبيا بالزئير في بني غازي ومصراته وغيرها... وانتفض صقور اليمن ... وانتظرت أكثر من ثمانية أشهر بغير قنوط أو يأس في انتظار أمر الله النافذ إلى أن جاءت أولى البشريات من بلد عمر المختار فكانت ليبيا هي ثالث من انتصر وتتحرر من ربقة الظلم والاستبداد.
أذكر أعزائي القراء بهدف المقال المتمثل في قراءة الأحداث بمنظار التامل والتدبر واستخلاص الدروس والعبر بما ينفعنا بإذن الله في إدارة حياتنا الدنيا والتقديم لحياتنا الحقيقية وهي الاخرة. وقد تم التطرق لنقطتين هما موضوع الخروج المشرف والكاف والنون وسنكمل بإذن الله باقي الموضوع وباختصار. وقبل أن أشرع في النقاط التي أنوي التطرق إليها أود التنويه لنقطة غاية في الأهمية وهي أن كل الثورات لها ما لها وعليها ما عليها، فقد يبدو للناظر أن الاوضاع في البلاد التي قامت بها الثورات كانت أفضل قبل الثورات، وهذا قد يكون صحيحا وإلى حد كبير فالثورات تحتاج لسنوات كي تبدأ تباشيرها بالنضوج، كذلك فإن المتربصين كثر والشعوب في أكثرها غير ناضجة وتحتاج لقيادة حكيمة. هذا من جانب ومن جانب اخر فإن المسبب لما الت إليه الأمور في تلك البلدان هم الزعماء والرؤساء انفسهم، فتدخل قوات الناتو في الثورة الليبية على سبيل المثال - وهو ما سبب ويسبب الألم والضيق لكل مسلم وسيكون له تبعات على المدى البعيد – لا يلام عليه الثوار بل يلام عليه من أعماه الكبر وقتله داء العظمة. وعليه وبغض النظر عن رأينا في الثورات وتحليلاتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية لها ولتبعاتها فإننا هنا فقط في سياق استخلاص العبر وتفسير ما حدث وفقا لسنن الله في الكون التي لن نجد لها تبديلا ولن نجد لها تحويلا.
1. مشهد من الموت أخر من ساحة القيامة
1.1. الان وقد عصيت
مع اتساع رقعة الاحتجاجات وانتشار الثورات والتحركات انتبه الزعماء أن هناك شعوباً موجودة لم تمت وبدأوا يوجهون الخطابات والكلمات للشعوب، وتحت سياط الضغط الشعبي تم تقديم التنازلات شيئا فشيئا وأظهر القادة الندم على الماضي وسمعنا كلمات جديدة (فهمتكم... انا على استعداد لعمل كل ما تطلبونه... شعبي يستحق الكثير... وغيرها). لقد أمهلت الشعوب حكامها وأمهل الناس من نصبوا أنفسهم على رقابهم وقتاً طويلاً لتحقيق الإصلاح والعدالة، ولكنهم - أي الزعماء الملهمون - استمروا بالتمادي في غيهم فلم يندموا خلال عقود الحكم لكنهم فجأه وبعد تفلت الامور من أيديهم شيئا فشيئا ومع ازدياد الضغط بدأوا يعزفون على نغمة الندم بل والتوسل للشعوب بإعطاءهم فرصة لجب الماضي فتذكرت قوله تعالى (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي اعمل صالحا فيما تركت، كلا إنها كلمة هو قائلها) وأيضا(أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْتَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِير) كذلك جال بخاطري مشهد غرق فرعون وهو يقول (امنت بالذي امنت به بنو اسرائيل) لكن جاء الرد القاطع (الان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين) . خلاصة هذه النقطة أن لا فائدة من الندم بعد فوات الاوان... فليحرص كل منا أن يندم ويتوب ويعود بأسرع وقت ممكن ويعيد الحقوق إلى أصحابها فالموت ياتي فجأه وأرواحنا جميعا تنتظر الإشارة بالخروج. أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين.
1.2. ترهقهم ذلة
أرانا الله عزوجل بعيوننا خلال الأيام الماضية ايات بينات لملوك أصبحوا بين عشية وضحاها خلف الأسلاك والقضبان، وذهب عنهم المجد والعز والصولجان. رأينا وجوها شاحبة قاتمة ذليلة تتوارى من عدسات الكاميرات من سوء ما الت إليه أحوالها.... وهنا أجزم أن لحظة واحدة خلف قفص الاتهام تساوي عقودا من العز والنعيم. وفي المقابل شاهدت أحد الذين عذبوا وأوذوا في سبيل دينه ووطنه سنين طويلة على أيدي الظلمة وأعوانهم يقسم أن ساعة واحدة من العدالة والشعور بالانتصار كفيلة بأن ينسى ما لاقاه. وهنا تذكرت أنه يوم القيامة يؤتى بأكثر أهل الأرض نعيما ويغمس غمسة واحدة في جهنم فيقسم أنه ما رأى في حياته نعيما قط ويؤتى بأتعس أهل الأرض فيغمس في الجنة غمسة واحدة فيقسم انه ما رأى في حياته بؤسا قط...فالحياة فانية والاخرة هي الحياه الحقيقية. إننا أيها الكرام نحتاج أن نرى هذه المشاهد بعيون قلوبنا وبصائرنا لا بعيون رؤوسنا فقط.
2. تشابهت قلوبهم
• قبل تفجر الثورات والأحداث في الدول العربية، كان الزعماء والقادة على يقين تام أن عائلة الكلمات الدالة على الحرية والرأي الاخر والعدالة قد انتهت من الوجود في تلك البلدان وحذفت تلك المفردات من قاموس هذه الشعوب. وكان بعض الزعماء يمنون على شعوبهم أنهم – أي الشعوب – مدانه لحكامها في كل شيئ، فالحاكم هو جالب الأمن والاستقرار، وهو سبب الخير والازدهار، ولولاه لجاع الناس ولأصابهم اللأواء والقحط والدمار، وهنا تذكرت أسلافهم ممن وضعوا أسس هذه المدرسة المقيتة. ألم تسمعوا قول الله تعالى على لسان سلفهم الذي يقدمهم يوم القيامة (أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي). إن تلامذه هذه المدرسة يرون أنهم يتفوقون جينياً على شعوبهم فهم أصحاب القرارات السديدة والعقول الرشيدة والرؤى البعيدة ولسان حالهم يقول(ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)، اما الشعوب فهم تبع تساق حيثما واينما ووقتما شاء الزعيم.
• أبناء نفس المدرسة ومن تتلمذ على يديهم يستهينون بمعارضيهم بشدة، فها هو فرعون الأول – مؤسس المدرسة - يستهين بمعارضيه ويصفهم بانهم (شرذمة قليلون) وها هو تلميذه النجيب يحتقر الملايين متسائلا من انتم؟؟؟ من أنتم؟؟؟. وفي مصر وفي الوقت الذي كان فيه ملايين المصريين يزحفون من كل حدب وصوب نجد التلفزيون المصري يستخف بمشاهديه ويعلن عن مظاهرات يشارك فيها المئات ضد الحكومة ويعرض في الوقت نفسه صوراً للعشرات من أتباع النظام ويصف مظاهرتهم بالمليونية، سبحان الله وهل تغطى الشمس بغربال.
• اتهم فرعون الاول المخالفين له بتهم عديدة من قبيل أنهم متأمرون مرتبطون بجهات خارجية تهدد أمن البلد وعملاء قد أحاكوا بليل مخططاتهم للنيل من الأمن والتنمية والاستقرار ( إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون) وها نحن اليوم نرى تلامذة فرعون وأبواقهم يتبعونه شبرا بشبر ويذكرون أنهم ضحية لمخطط امبريالي يستهدف محور الممانعة...
• يتفاوت تكتيك التعامل مع الثورات لكنه يصب في خانة الاحتواء وكسب الوقت والانتقال بين العصا والجزرة فقد هدد فرعون الأول منتقديه (لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف) وها هو أحد تابعيه اليوم يهددهم بالقتل والإبادة والملاحقة (شارع شارع... بيت بيت... زنفة زنقة) وفي النهاية هلك فرعون الاول وتتبع الثوار سلفه في كل زنقة وبيت وشارع إلى أن قتل.
3. بيت العنكبوت
يصف الله حقيقة موازين القوى في العالم في اية عجيبة دقيقة حيث يقول (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون) هذه الحقيقة التي يغفل عنها الناس احيانا فتخدعهم القوى المادية المختلفة من علم أو مال أو سلطان سواء على مستوى الأفراد أو الدول فيلجأ المساكين إلى هذه القوى للاحتماء بها واسترضائها. وهنا يقرر القوي القادر أن اللجوء لهذه القوى يشبه لجوء العنكبوت لبيته الواهن. وأن كل هذه القوى لا تعدل في ميزان الله بيت العنكبوت في وهنها وضعفها، فهذا البيت الضعيف يعجز عن حماية نفسه فما بالنا بقدرته على حماية غيره....
وهنا يمكن اسقاط مفهوم الاية السابقة على جانبين أما الجانب الاول فأن أعوان الحكام وبطانتهم الذين كانوا أباطرة وملوك متوجين على أنفاس وصدور الملايين يرتعون ويلعبون بالوطن ومقدراته، هؤلاء الأعوان كانوا يضربون بسيوف الزعماء ويحتمون بهم ويعادون الجميع في سبيل القرب منهم. هؤلاء الذين ربطوا أنفسهم بالحكام ذهبوا مباشرة لحظة ذهاب أسيادهم الذين ارتبطوا بهم فاصبحوا بين عشية وضحاها خلف القضبان يكسوهم الانكسار والذهول. فالحاكم لم يستطع حماية نفسه فكيف به يحمي أدواته.. أما الجانب الثاني في هذا المفهوم فله علاقة بتحالف الأنظمة مع الغرب ولماذا تخلت القوى الكبرى عن أذرعها في المنطقة. فقد كانت الأذرع تتغنى بتحالفاتها مع الغرب – الركن الشديد في نظرهم – حتى استحال أحدهم إلى كنز استراتيجي وحارب اخر الإسلام في بلده حتى يرضي الغرب إلى الدرجة التي كان كما يقال يمنع الدخول للمسجد إلا ببطاقة شخصية وغيرها وغيرها... ولكن الغرب لا يعرف إلا مصالحه ولا يزن الأمور إلا بميزان الربح والخسارة وهنا وعندما شعروا أن الثورات بلغت حدودا لا رجعة فيها وان استمرارهم في دعم الأنظمة سيضر بمصالحهم تغيرت لهجة خطابهم وبدأت مطالباتهم للحكام بالتنحي وتسليم السلطة. وهنا النداء للجميع بألا يأوي أحدنا لغير الركن الشديد فالبشر إلى وزال والملك ينزع متى شاء الله واحذر أخي كل الحذر أن تعتمد وتلجأ لبشر مهما كان وإياك ان تتبع غير سبيل المؤمنين.
4. حتى يغيروا ما بأنفسهم
ما حدث ويحدث وسيحدث يؤكد بجلاء أن المبادرة والعمل والتوكل على الله هي كلمة السر للتغيير ورفع الهم والغم فقد ارتضت الشعوب لنفسها الركون والقعود ونخر اليأس والقنوط في جسد الأمة الهزيل وانتظروا الفرج دون عمل ولا جهد لكن الله عز وجل في الحقيقة يبين لنا سنته الماضية إلى قيام الساعة (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وقد ذكر نفس المعنى في سورة المائدة (قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) فكي يكتب الله للمظلوم الخلاص ممن سامه سوء العذاب يجب أولاً أخذ خطوة إلى الامام عبر المبادرة والمباغتة والاستعانة قبل وبعد واثناء ذلك بالله و الايمان به والإخلاص في العمل، فإن تم ذلك ستزال الغمة وستتسابق جنود الله لتغيير الواقع الاليم.
أراني مكتفيا بهذا القدر من ومضات ولقطات مع أن الأمر به الكثير الكثير عل هذه النقاط تعينناعلى فهم حقيقة الحياة واستيعاب سنن الله وقراءة الأحداث من زاوية مختلفة نسبيا عن القراءة التقليدية. واختم بتكرار قول الله تعالي (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُالْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَالْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
[1] إياد عمر علي الأغا | للأسف ؟؟؟؟ | 21-10-2011
[2] سعيد موسى ابو نجا ابو هيثم | ناسف على العرب | 21-10-2011
[3] نبيل خالد نعمان الاغا (;;; ابو خلدون );;; | تحايا معمقة | 24-10-2011