رحل المستشار يونس الأغا "أبو الطاهر"، وقبل أيام غادر الحياة الدنيا المستشار إبراهيم أبو دقة، وقبلهما إنتقل إلى جوار ربه المستشار فايز القدرة، أسماء كبيرة حلقت في سماء القضاء الفلسطيني، بحثت بكل صدق عن العدل ونصرة المظلوم، ولم يثنها عن ذلك إرهاب سلطات الإحتلال، ومع تولي السلطة الوطنية لمسؤولياتها دافع هذا الجيل عن إستقلال القضاء، وسجل في هذا المقام مواقفاً تبقى خالدة لهم، عرفت المستشار يونس الأغا عن قرب، عرفته رجلاً تفيض مشاعره في تفاعلها مع المحيط به وهموم الوطن وشجونه، كان وقاره أحياناً تغلبه المشاعر، فتنسل من عينيه دمعة تثقلها ما تحمله من معاني إنسانية كبيرة، التواضع صفة ملازمة له أكسبته حب وإحترام العامه له، الإبتسامة كانت هي الغالبة على وجهه، كان يحاول دوماً أن يحافظ على هدوئه رغم المنعصات الكثيرة التي يعيشها الوطن، كان الظلم هو العدو اللدود له، حتى وإن كان الظلم مجرد سلوك خاطيء في مفردات حياتنا اليومية، كان دوماً يولي السلوك المجتمعي حيزاً واسعاً في نقاشاته ويطمح لأن يجسد شعبنا بسلوكه الإيجابي دعائم صموده ومقاومته للمحتل.
كان العمل يستحوذ على الكثير من وقته، يعكف على دراسة فحوى وحيثيات القضية بتفاصيلها الدقيقة، يشعرك وهو يكب على ملف القضية بالطالب الذي تستوقفه كل صغيرة وكبيرة طمعاً بالتفوق بالإمتحان، لم يكن يسمح للعاطفة أن تتغلغل بين خطوط القضية، ولا مجال بالمطلق لعلاقاته الشخصية والرسمية أن تؤثر على حكمه، الحقيقة فقط هي بوصلته التي يهتدي بها في تصفح القضية من بداياتها حتى النطق بحكمه فيها، ولأنه من جيل آمن بأن العدل وإستقلالية القضاء هي مقومات اساسية لصمود شعبنا وإرتقائه بين الأمم، حاول دوماً ان يترجم ذلك خلال سنوات عمله والتي إمتدت لعقود طويلة في السلطة القضائية، كان يحرص على أن يبقى علاقاته المجتمعية بعيدة عن تأثيراتها على عمله في السلك القضائي، ولعل هذا ما كان يسبب له شيئاً من الإمتعاض، فهو من جهة كان ينشد دوما التواصل مع الناس في أفراحهم وأتراحهم، كون مشاطرة الناس متاصلة فيه، ولكن في الوقت ذاته لطالما كرر بأن علاقة القضاة بمحيطهم المجتمعي يجب أن تكون محصورة كي لا تلقي بتأثيراتها على عدالة الحكم.
رحل المستشار يونس الأغا بعد أن أسهم مع زملائه في بناء مؤسسة السلطة القضائية، وهو من الجيل المؤسس لها في مراحلها المختلفة، وتمكن مع زملائه من تحمل مسؤولياتهم في تفعيل القضاء الفلسطيني في السنوات الحالكة من عمر الإحتلال لقطاع غزة، وكثيرة هي تلك المحطات التي وقفوا فيها في مواجهة إرهاب سلطات الإحتلال، ومع قدوم السلطة الوطنية أسسوا لسلطة قضائية مستقلة، تحمل الكثير من التجارب التي فرضت بها إحترامها، وأفرغ هذا الجيل عصيرة تجربته القضائية علها تحافظ على إستقلالية ونزاهة القضاء، بإعتبار أن ذلك هو ركيزة أساسية لا بد وأن يستند عليها الشعب الفلسطيني في رحلة نضاله لإنتزاع حقوقه المشروعة، رحمك الله ايها الصديق العزيز، لقد كنت مثالاً لطهارة اليد والقلب، وإنساناً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
[1] محمد سليمان نايف شبير | رحمه الله لقد كان عزيزاً على الجميع | 20-10-2011
[2] سعيد موسى ابو نجا ابو هيثم | عيوننا بكت عليك ابا الطاهر رحمك الله | 21-10-2011
[3] د. يحيى زكريا اسعيد الأغا | رحم الله قضاتنا | 21-10-2011