مكة والبيت العتيق ودعوة سيدنا إبراهيم
اللهم يا حامي حمى البيت العتيق
إياك نعبد مخلصين وبغيرك لا نستعين
فأهدنا الصراط المستقيم والنهج اليقين.
اللهم زد هذا البيت تعظيماً وتشريفاً ومهابة
يا أرحم الراحمين
كتب : محمد سالم الأغا
منذ أن دعا سيدنا إبراهيم ـ عليه وعلى رسولنا محمد صلي الله عليه وسلم أفضل صلاة وأتم تسليم ــ ربه قائلاً، : " رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ" ، جعل الله مكة و الكعبة البيت العتيق وجهةً ومثابة للناس كافة، ومتعها بالأمن على طول الأيام والعصور، وعند اقترابك ودخولك إلي مكة، ترى هذه البقعة المباركة بين جبال سود ووديان قاحلة، وأرض صخرية قلما ينبت فيها نبات، وأن كل عمار، ورفاه، ورغد بالحياة جاء بعد تلك الدعوة المباركة التي دعاها أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم علية السلام .
لكن سرعان ما تستشعر عظمة الخالق سبحانه وتعالى وهو يستجيب لعباده الصالحين دعوتهم ويستجيب لأبي الأنبياء دعوته ورجاءه، بأن يجعل من هذه البقعة الصماء القاحلة، التي أسكن فيها ذريته مكاناً لتعمره وتهفو إليها أفئدة المؤمنين بالله، فترى ألوان الناس، من شرق الكرة الأرضية ومن غربها ومن شمالها المتجمد إلي جنوبها الحار، تري الأسمر والأحمر والأصفر والأبيض، وتسمع ألسنة ولغات تحتار في فهمها لكنك تطمئن لسماعك التوحيد بالله بكل الألسنة وبكل لغات العالم وبكل اللهجات المحلية وغير المحلية، لهؤلاء المؤمنين الذي استجابوا لنداء ربهم ولبوا دعوة أبيهم إبراهيم، ليعمروا وليطوفوا بالبيت العتيق .
وما يدهشك في شوارع مكة وأسواقها أنك تستشعر كل معاني دعاء سيدنا إبراهيم عليه وعلى رسولنا محمد صلي الله عليه وسلم أفضل صلاة وأتم تسليم، فتحس بالأمن والطمأنينة، وأنت تشاهد وترى الخيرات والثمرات ومختلف الصناعات والمشغولات من كل أصقاع المعمورة تباع وتشترى حول البيت العتيق من قبل تجار تختلف ألوانهم و وجوههم ولغاتهم كما تختلف تجارتهم وبضاعتهم .
وما أن تدخل الحرم من باب السلام، و يقع بصرك علي البيت العتيق " كعبتنا وقبلتنا المشرفة " فتسمع دقات قلبك وهي تهفو لبيت الله الحرام، ولسانك يلهج بالتكبير و بالتلبية ألله اكبر ألله أكبر الله أكبر .. لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك .. أن الحمد والنعمة لك .. لا شريك لك ، كل هذه المعاني تجعلك تتأكد وترى بأم عينك جموع الحجاج يطوفون ويسعون بالكعبة المشرفة ، جاؤوها من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم كما يقول رب العزة في كتابه الكريم، ويذكروا أسم الله وليطوفوا بالبيت العتيق.
والبيت العتيق المعروف بالكعبة المشرفة بناء مربع ومرتفع ، سبحان من جعله، وصيره مركزاً للكرة الأرضية، ولتلتقي عيون المؤمنين بالله وأفئدتهم وقلوبهم به ، وأركانه أربعه، 1 ـ ركن الحجر الأسود 2 ـ الركن العراقي ويقابلهم مقام سيدنا إبراهيم، 3 ـ الركن الشامي ويقع بين الركنين العراقي والشامي حجر سيدنا إسماعيل، 4 ـ الركن اليماني ، والجدير ذكره أننا نبدأ الطواف من ركن الحجر الأسود والذي يميزه في أرضية الحرم خط عريض من المرمر كما يميزه ضوء أخضر في نهاية خط المرمر مُثبت في بناء الحرم، وعندما تبدأ خطواتك الأولي في الطواف سبعة أشواط حول الكعبة، تشعر كأنك يوم الموقف العظيم فالزحام والتدافع في كل الاتجاهات قرباً أو بعداً لجدار الكعبة المشرفة، وجهادك لتصل الحجر الأسعد لتقبله أسمى ما يخطر علي بالك وأنت تطوف وتلهج بأدعيتك المأثورة التي تحفظها وترددها، وتتساقط منك حبات العرق غزيرة، وتنهمر دموعك بين الخوف والرجاء بأن يتقبل منك حجك وعمرتك وأن يقبلك الله في عباده الصالحين، وما أن تنهي أشواط طوافك السبعة، فتصلي ركعتين، ثم تخرج من بين الصفوف لتبل ريقك بعد جفاف وتشرب بماء زمزم الذي قال فيه رسولنا محمد صلي الله عليه وسلم : " ماء زمزم لما شُرب له ، إن شربته تستشفي شفاك الله، وإن شُربته لشبعك أشبعك الله، وهي حفرة جبرائيل وسقيا الله لإسماعيل "، ولا يخفي علي أحد انك وأنت تشرب من ماء زمزم، تستشعر عظمة الخالق عز وجل الذي فجر الماء تحت أقدام سيدنا إسماعيل عليه السلام ليشرب منه وأمه هاجر، منذ دعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام ولنشرب منه حتي يومنا هذا وسيستمر الشرب منه الي يوم الدين، وقد أجمع مشايخنا وعلماؤنا جزاهم الله علي أن ماء زمزم من أعظم المياه المعدنية المستخدمة في العلاج والاستشفاء ولا يتغير لونه أو طعمه أو رائحته، رغم ما به من أملاح معدنية عديدة لا يشعر شارب مياه زمزم بملوحتها، والحمد لله .
ثم تصعد إلي جبل الصفا وتسعى منه إلي جبل المروة سبعة أشواط تبدأها من الصفا، وتنهيها عند المروة ممتثلاُ لأمر الله الذي قال في مُحكم التنزيل بعد بسم الله الرحمن الرحيم : : إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ "( البقرة 158).
وعند سعينا بين الصفا والمروة نستشعر لهفة أمنا هاجر وهي تبحث عن ما يسد رمق وليدها إسماعيل عليه السلام، وتسعى جاهدة بين جبلي الصفا والمروة ماشية تارة ومهرولة أخرى وهي تدعو ربها بأن يغيثها وولدها وأن يرزقهما رزقا طيباً، كما نستشعر رسولنا محمد صلي الله عليه وسلم عندما وقف على الصفا وكبر ثلاثاً، وقال عندها " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، ويكرر ما قاله ثلاث ، ويستحب للحاج أو المُعتمر بأن يدعو ما شاء له من أدعية طيبه له ولسائر المسلمين، وأن يفعل ذلك ويكرره عند المروة .
ولا يفوتني إلا أن أنوه أن رحلة الحج والعمرة هي من الرحلات التي يلقى فيها المرء صعوبات، و مشاقٍ كثيرة ولاسيما نحن الفلسطينيون، لذلك علينا أن نحتسب تعبنا وما نلاقي من صعاب لوجه الله تعالى منذ مغادرتنا لأرض الوطن وحتي العودة اليه، وعلينا أن نتخلق بأخلاق ديننا الحنيف مبتعدين قدرالإمكان عن النواهي التي نهانا الله عنها ، لأننا نعرف جميعاً " أنه لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج "، وعلينا كذلك أن نتأسى بأخلاق رسولنا محمد صلي الله عليه وسلم ، ثم بأخلاق شعبنا الفلسطيني وأن نُعطي صورة لائقة له وأن نكون سفراء ومبعوثين لقضيتنا الفلسطينية العادلة في هذا المؤتمر الإسلامي الكبير، الحاشد لكل الجنسيات ولكل اللغات من كل فج عميق، وعلينا أن نعي أننا جميعاً أخوة في الله نقف هذا الموقف بين يدي الواحد القهار، وأنه لا فرق بين أحد منا إلا بالتقوى ، وأن الحسنة في هذا المقام بمائة ألف حسنه، والله يضاعفها لمن يشاء.
أسأل الله العلي القدير أن يرزقنا وإياكم الحج والعمرة لبيت الله الحرام والطواف بكعبتنا الشريفة والسعي بين الصفا والمروى وأداء المناسك ، وأن يُحَرر أقصانا من محتليه الصهاينة وأن يحفظه من مؤامراتهم ، وأن يرد كيدهم الي نحورهم ، وأن يرزقنا الله معكم صلاة فيه قبل الممات، وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يجعل حجنا جميعاً حجاً مبروراً ، وسعينا مشكوراً، وذنبنا مغفوراً، وأن يكتبه منا ومنكم خالصاً لوجهه الكريم، , وان ييسر للجميع زيارة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومسجده ومدينته المنورة، كما نسأله عز وجل أن لا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، ربنا ولا تُحملنا إصراً كما حملته علي الذين من قبلنا، ولا تُحملنا ما لا طاقة لنا به، وأعف عنا واغفر لنا وارحمنا وانصرنا على القوم الكافرين ، ولا تجعلنا يا رب ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعا .
محبكم في الله
أبو علي محمد سالم الأغا
خان يونس : 11/1/1433 هــ
07/12/2011 م
[1] الحاج سعيد موسى ابو نجا ابو هيثم | اللهم زد هذا البيت تعظيماً وتشريفاً ومهابة | 07-12-2011