بعد أيام قليلة وتحديداً في 25/4 تطل علينا ذكرى تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي، لم يكن التحرير رخيصاً، بل نبتت أزهار الحنون على مشارف القناة عندما امتزجت الأرض بدماء الجيش المصري البطل، الذي عبر القناة، وأثبت أنه جيش يستحق التقدير والاحترام، جيش استطاع أن يكتب في أمهات المجلدات العسكرية خطة عبور القناة التي أذهلت العالم بأسره.
على مشارف سيناء وبالقرب من الحدود المصرية، يقع القطاع الذي يُعتبر أحد أهم الحصون لمصر العزيزة، فقد كانت ومازالت غزة حائط الصد الأول، والجدار العازل الذي يحمي خاصرة مصر الغربية من أي اعتداء خارجي عليها.
ربما لا يوجد على ظهر الأرض أقرب لمصر من القطاع، فكراً، وعلماً، واقتصاداً، وسياسة، وفهماً وكل ما في قواميس اللغة من تلاحم وترابط، فكم الطلاب تعلموا في جامعات مصر منذ العهد الملكي إلى الناصري وحتى يومنا هذا، وكم من الأسر الفلسطينية انصهرت مع الأسر المصرية، فأصبحا كياناً واحدا، وتعيش بمحبة داخل المجتمع المصري، وكم من الأسر المصرية تعيش باحترام داخل المجتمع الفلسطيني، ولا أريد أن أبالغ إن قلت بأن التقارب بين الشعبينمنحهما خصوصية خاصةلا يمكن أن تؤثر فيها أحداث عابرة.
إن مصر بتاريخها وحضارتها وتراثها كانت ملاذاً آمناً، وحصناً حصيناً لمن أراد الأمن فيها، بل وزيادة، كانت تتبنى كل القضايا التي تراها تساند الإنسان العادي، فما بالنا والقضية الفلسطينية التي تعتبر شغلها الشاغل على مرّ العصور.
كنت طالبا فيها، وأتشرف ، وأكملت دراستي في أصعب الظروف التي كانت تمر فيها مصر، ولكني لم أشعر بغربة على الإطلاق، وجدت وغيري فيها كل الاحترام والتقدير، وأنهيت تعليمي وجميع أخوتي الخمسة، بل وكنا نحصل من أحد الصناديق التعليمية على منحة مقدارها عشرة جنيهات، كانت تكفي لنصف شهر بالتمام والكمال مع إيجار البيت والكهرباء والماء. وكل من لا يعترف بفضل مصر عليه خاصة من أبناء القطاع فهو جاحد.
فرحنا بنصر أكتوبر العظيم مثلما فرحت مصر، بل وأكثر، وتألمنا، بل وبكينا عندما بكى الشعب المصري بهزيمته في حرب الأيام الستة، وبكينا عندما رحل جمال عبد الناصر.
مصر أحبت الجميع، ووقفت مع الجميع، وناصرت الجميع، ودافعت عن الجميع، وفتحت خزائنها للجميع، وناضلت عن الجميع، فحق لنا كفلسطينيين أولاً أن نكون لها أوفياء، ونحن كذلك.
مصرالتي نحبها ، ونحب أرضها وشعبها، لا يمكننا كفلسطينيين أن نُعرض عنها، أو نمسّها بسوء مهما جارت الأيام، واسودّت علينا، فهي التي آزرتنا وقت الشدة، وفتحت لنا أبواب الأمل بالدراسة والعمل فيها، ومنها إلى الخارج، فهل يمكن لفلسطني أن يجحد هذه المواقف، لا أعتقد ذلك، وهل يمكن لنا أنننسى وقفة الجندي المصري في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي من أجلنا، لا والله لا يمكننا ذلك، إلا من ينظر إلى الأمور من خلال خُرم إبرة، وهم قِلة، ولا يمكن للكبيرة مصر أن تأخذ الكل بجريرة البعض.
مصر كبيرة بعلمائها، ومثقفيها، وساستها، وقادتها، وزعمائها، وإعلاميها، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تلتفت إلى بعض تصرفات من فئة أو جماعة مقصودة، كانت أو غير مقصودة، فالكبار الكبار يتجاوزون عن الهفوات، بل ويحاولون أن يعدّلوا من المسار.
أعلم وغيري أن مصر تمر بمرحلة صعبة هذه الأيام، وأعلم بأنه من الواجب الوقوف بجانبها، ولكننا نحن الأكثر حاجة للوقوف معنا في القطاع، حصار مضروب علينا من كل جانب، وطائرات تقصف دون رقيب أو حسيب، ومصادر الرزق شحّت، والحياة أصبحت أسوأ مما يتصوره بشر على ظهر الأرض، ومعاناة يومية صباح مساء، إضافة إلى ما يُكبّل الفلسطيني من قيود لأسباب مختلفة.
منذ أكثر من نصف قرن من الزمان، وقبل حرب 1967 كان المعلمون المصريون يأتون للقطاع للعمل في شتى التخصصات، وكان الموظف المصري يحصل على ضعف الراتب قياساً بالفلسطيني، لأنه كان يحصل على بدل مخاطرة، وحظي المعلمبتقدير واحترام لا مثيل له، كما وأذكر ميناء غزة الذي يعتبر في حينه بوابة القطاع ومصر على الخارج، ومن غزة يتم تصديرها إلى مصر في سوق خاص بمنطقة العتبة، هذا قليل من كثير فيما بيننا، إنها صورة مشرقة لعلاقة وثيقة لا يمكن أن تنفصم أركانها مهما جارت الأيام عل أحد فينا، وإن جارت، لابد وأن يقف طرف مع الآخر.
مصر كانت مسؤولة عن القطاع، وفي ذلك الزمن الجميل، كنا نعيش في ترف من الحياة، فلم تبخل علينا مصر بكل مقدراتها، وخيراتها، وأملنا أن يعود هذا الزمن إلى سابق عهده.
يا أهل مصر الشرفاء، أطفال فلسطين يتألمون من المرض، ولا مجال لهم إلا مستشفيات مصر، ونساء فلسطين تحتاج إلى رعاية خاصة، فلا علاج إلا في مصر، وطالب علمٍ يدرس في جامعة، فلا طريق له إلا مصر، وموظف يعمل في الخارج، فلا ناقلة تحمله إلا عن طريق مصر، ولا مجال لنا إلا مصر، وكل هذا بعد الله سبحانه وتعالى.
يا مصر العزيزة أهلها، نناشد فيك النخوة الأصيلة، والحضارة الراسخة، والتراث العريق، أن تفتحوا بوابة مصر لنا في القطاع، فنحن – والله – نعاني ولكننا لا نستطيع أن نعبر عن ألمنا، لأنها مصر، ولا يمكننا أن ننال من مصر، لأنها مصر، ولا يحق لنا أن نتدخل في شؤون مصر، لأنها مصر التي أحبها أهل القطاع.
يا ساسة مصر الذين يرسمون معالم الطريق إلى المستقبل بثبات، أهل غزة جزء من استراتيجيتكم ، وجزء من أمن وأمان مصر، فلا تتركونا إلى عدوٍ يتجشمنا، بل مدّوا أيديكم إلى أهلها الطيبين الأوفياء، كونوا لهم داعمين متواصلين، غير منقطعين عنها.
يا أهل مصر العزيزة، أذكّر بقول الرئيس المصري الراحل والخالد / جمال عبد الناصر عن فترة التحرك الأولى:
" بدأت أيام شهر مايو سنة 1948 ونحن ما نزال في القاهرة، وأعصابنا تحيا في فلسطين، وأخيراً قررت مصر أن تدخل المعركة رسمياً، وصدرت الأوامر أن ألتحق بالكتيبة السادسة، ويلتحق عبد الحكيم عامر بالكتيبة التاسعة، وزكريا محي الدين بالكتيبة الأولى.....
هذه هي مصر بقادتها العسكريين ، هذه هي الروح الكامنة في وجدان كل مصري، مصر لم تنتظر منا صرخة، بل كانت نجدتها إلينا أسرع من صرختنا التي لم تنطلق إلا اليوم لكم، كانوا مبادرين من أجل فلسطين، واليوم أحسب أن مصر بقادتها وساستها وعلمائها أن يكونوا المبادرين من أجل القطاع الذي يئن ويتألم أهله بشكل غير مسبوق.
ألا يكفي الحصار المضروب عليهم من قِبل الاحتلال الإسرائيلي، ونحن نؤمن بأن القطاع مازال جاثماً تحت أيدي الاحتلال، وليس أمامنا إلا مصر لتقول كلمتها اليوم وليس غداً.
نحتاج إلى وقفة ناصرية، نُعيد فيها ذكريات القادة الذين منحونا دماءهم من أجل حرية غزة، وفلسطين بأكملها.
إنني هنا لا أريد أن أسرد الكثير من كتاب مذكرات " ناصر" عن حرب فلسطين، ففيها الشهامة المصرية التي اعتدنا عليها، والإباء المصري والنجدة المصرية.
إننا باسم كل الفلسطينيين في العالم نناشد مصر شعبها الذي أضاء طريق العزة بثورة يناير المجيدة، أن يتجه بناصريه إلى غزة التي تحتاج إلى فك أسرها، تحتاج إلى فتح المعبر الدولي بالشكل الذي يخفف عن معاناة أكثر من مليون ونصف فلسطيني يعيشون أسوأ الأيام.
نعلم أنكم تألمتم من بعض التصرفات، ونعلم أنكم عانيتم، ولكنه شعب يموت مرضاً، ويموت حزناً، ويموت في اليوم مائة مرة على وضع مأسوي لا يمكن لإنسان أن يتحمله على الإطلاق.
أرأيتم الرجال تبكي، وهل يبكي الفلسطيني إلا من حرقة، لا يبكي على شهيد، أو أسير، أو هدم منزل، بل يبكي على خذلان صديق، أرأيتم النسوة الفلسطينيات تئن وتولول، وهي التي توغرد عندما تعلم باستشهاد ابنها، ولكنها تئن ألماً وحرقة على جفاء صديق وجار لنا، أرأيتم الأطفال يموتون من عدم توفر العلاج الكافي لهم، ومصر بجانبهم، أرأيتم طلاباً لا يستطيعون أن يُكملوا تعليمهم، والجامعات المصرية كانت مشرعة لهم، أرأيتم أناساً حرموا من العمل في الخارج بسبب الحصار والإقفال المضروب عليهم، أرأيتم اقتصاداً ينهار بسبب الحصار، أرأيتم إلى اليوم شعب يعيش دون كهرباء لأن حصاراً من البترول مضروب عليهم،أرأيتم شعباً حياته مغمسة بالهم والغم والسم؟! لا أظن أنكم توافقون على ذلك.
يا مصر العزيزة رسالتي إليكم نابعة من حبي لمصر، ولمواقفها السابقة معنا، ولمساندتها الحق الفلسطيني في كل المحافل الدولية.
رسالتي نابعة من إيمان بالله عميق، بأننا الجار الأول لكم، والأقرب إليكم فكراً، وثقافة، وعراقة، ونسباً ويجمعنا الكثير معكم.
إنني لا أكتب هنا استجداءً لأي إنسان، فأنتم لا تحبون أن يستجديكم أحد، لأنكم أهل للمبادرة، تشعرون وتتلمسون حاجة الناس فتلبوها.
يا أهل مصر، يا شعب مصر، أملنا بأن تلبوا النداء بفتح المعبر يومياً لأبناء القطاع حسب منظومتكم التي ترونها.
[1] حاسي احمد حاسي الاغا | شكر و تقدير | 18-03-2014
[2] عبد الكريم صقر الأغا | شكر وتقدير ومشاركة | 19-03-2014
[3] م. بسام سعد العقاد | جمهورية مصر العربيه - تضمد جرحها | 19-03-2014
ولا قلق من مصر ولا عليها لأن إسمها الحقيقي هو جمهورية مصر العربيه وأشدد على كلمة العربيه. فهي الآن تداوي جرحا ولا بد لهذا الجرح أن يلتئم - ولنذكر قصيدة أبو القاسم الشابي والتي مطلعها:
إذا الشـعبُ يوما أراد الحياة
فلا بدّ أن يستجيب القدرْ
ولا بدَّ لليل أن ينجلي
ولا بدّ للقيد أن ينكسرْ