أ.د.حسين أبو شنب
ومضى الصديق والرفيق أبو نهاد دون لقاء أو وداع الا ما توفر من حديث تليفوني بين حين وآخر لا يشبع ولا يحقق ما أعتدنا عليه طوال مسيرة ممتدة بدأناها في الكويت ذلك البلد الطيب الذي اتسع لآلاف الفلسطينيين، اقترب عددهم من نصف المليون مارسوا حرية الرأي والتعبير والحق في النضال ودعم المقاتلين على طريق الحرية والاستقلال نحو الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
أبو نهاد واحد من الرجال الأحرار، يمتلئ حباً للوطن، وصدقاً مع الصديق وشجاعة في الرأي، وعدلاً في الحكم ومساواة بلا انحياز، هو ينتمي لحركة القوميين العرب أي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأنا أنتمي لحركة فتح، وكلانا ينتمي أرضاً وجغرافية إلى تلك المدينة الفسيحة المعطاء "خانيونس" هو من أبناء البلد وأنا ضيف لجأت إليها قسراً وظلماً بحكم المؤامرة الصهيونية من قريتنا الحبيبة "بيت دراس" وعشناها حباً وكرامة، واقتربنا من تشكيل ملتقى شبابي لأبناء خانيونس في الكويت مع تخبة من الشباب في مقدمتهم الدكتور إحسان الآغا والدكتور فاروق الفرا رحمهما الله، والمهندس المختار أبو عيد الأغا وغيرهم ممن يتمتعون بسمعة طيبة وقامة شامخة، الجميع على قلب واحد، وبروح واحدة، وصدر يتنفس محبة وصدقاً وعطاء.
أبو نهاد – محمد الآغا رحمه الله لا يخذل صاحبه، وإن اختلف معه في الرأي، أو الانتماء السياسي، لكن يجمع بينهما عبق المدينة الجميلة خان يونس وكانت التجربة واضحة في اتخابات اتحاد المعلمين الفلسطينين بالكويت، وكنت أحد المرشحين للهيئة الإدارية حيث أعمل آنذاك معلماً في مدارس الكويت وموجهاً للإذاعة المدرسية، ويتنافس على ذلك زملاء من مختلف الفصائل الفلسطينية وإذ بالمرحوم محمد الآغا – أبو نهاد ينحاز انحيازاً واضحاً للمدينة التي تجمعنا خان يونس فيملأ الورقة الانتخابية بالصديق حسين أبو شنب دون سواه، وهو ما ترك الحديث عالياً وصريحاً ودون تردد نعم أنا ذاك الناخب.
ويرحل أبو نهاد مغادراً الكويت ثمناً لإنتمائه السياسي، ويتحمل المشقة، ولكنه يبقى صامداً متحدياً، ويستقر به المقام في أرض الكنانة – مصر العزيزة الغالية علينا نحن أبناء وأبناء فلسطين بوجه عام وأبناء قطاع غزة بوجه خاص وأبناء خانيونس على الأخص، ويجمعنا اللقاء ثانية محبة وإخاء ونبدأ مشوار العطاء الذي بدأناه في الكويت فنعمل متضامنين في إنشاء لجنة للجالية الفلسطينية بالقاهرة، وكانت واقعاً وفعلاُ مارسناه بالحيوية والنشاط، لنخلق أرضاً ولو محدودة يتفاعل فيها وعليها أبناء فلسطين في مصر، وهو ما لفت الأنظار وأثار الإعجاب.
أبو نهاد – محمد الآغا.. ينتفض في مراجعة نقدية للمسيرة الممتدة في العمل السياسي والاجتماعي، ويجعل المسجد المجاور لبيته في المنطقة التي يقطنها بين شارع الطيران ويوسف عباس ملتقى روحياً، يعبد الله فيه ما استطاع، ويزداد في تلك المرحلة قرباً إلى الله وعمقاً في الصدق والأمانة والإصرار على حب الوطن والتجرد من العصبية التنظيمية والقبلية، واستغراقاً في المراجعة بحثاً عن أفق جديد للمسيرة الوطنية يكون للكفاءات فيها دور، وللمثقفين فيها دور، وللفاعلين فيها دور، وللتجديد والتغيير والتطوير أدوار وأن يكون للشباب الدور الأساس وأن يتراجع الكبار للتنوير والتثقيف والمراجعة النقدية.
وأخيراً..
يغادرنا أبو نهاد – محمد الآغا والعيون تحلق في آفاق النصر والحرية والعودة والوحدة والمحبة، ماضية بغير تردد نحو فلسطين طولاً وعرضاً، شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً.. نحو القدس عاصمة دولتنا الفلسطينية المستقلة.
وأختم بقول شاعرنا المرحوم أحمد فرح:
نم هانئاً في خُلْدك الأعلى
فقْد خلّفت جبلاً بالعزائم يزخرُ