بقلم : أمجد نعيــم الأغــــا
في هدوء يعيش المستشار رضون محمد الأغا(أبو محمد) (84) سنة في منزله الكائن قبالة شاطئ بحر خان يونس بعد أن أمضى ما يُقارب (54) سنة في باحات القضاء رغم أنه أصدر خلال مسيرته القضائية العديد من الأحكام الثورية التي هزت ما كان مستقرا في الحياة السياسية والاقتصادية والإجتماعية في فلسطين.. وتردد صدى هذه الأحكام لدى تلامذته من القضاة الذين أخذوا عنه وتأثروا بالإبداع التقدمى فى فكره القانونى.
كثيرٌ منا يمر أمام منزل الأستاذ رضوان أو يصافحه ولا يعلم شيئاً عن مسيرة الأستاذ رضوان ومشواره في عالم القضاء التي تعتبر وساماً على صدر كل فلسطيني.
لقد شاركت قبل عامين في دورة عُقدت في المركز القومي للدراسات القضائية التابع لوزارة العدل المصرية حول أصول الصياغة التشريعية وكانت المحاضرة الأولى للمستشار حمدي الوكيل (وكيل مجلس الدولة المصري) وقد بلغ من العمر 70 سنة أمضى منها قرابة (50) سنة في القضاء وعند التعريف بنفسي توقف المستشار الوكيل مبتسماً عند عائلة الأغا وبادرني بالسؤال عن المستشار الأغا، الذي كان يرأس القضاء في فلسطين؟؟.
واستطرد أنه إجتمع معه لما كان نائب رئيس مجلس الدولة المصري قبل أربعة عشر سنة وتذكر مناقبه وأشاد المستشار الوكيل بالقامات القضائية لدينا، حيث شعرت حينها بالفخر وسعادة الإنتماء لعائلة الأغا التي أنجبت هذه القامات الباسقة.
الأستاذ رضوان...
الرجل الهادئ، ذو الصوت الخفيض، الخجول، المتواضع، الأنيق، والحريص على البعد عن الأضواء، والذي غادر القضاء بهدوء مخلفاً وراءه ثروة أخلاقية وقانونية جعلته يدخل التاريخ.
يتمتع الأستاذ رضوان بثقافة قانونية وخبرة حياتية موسوعية والتزام ثابت بتقاليد القضاء واصوله... علاوة على روح الدعابة وخفة الظل التي لم تفارقه طيلة مشوار حياته حتى يومنا هذا على الرغم من المرض المزمن لرفيقة حياته وحرصه على رعايتها والوقوف إلى جانبها.
كان الأستاذ رضوان من الأوائل في قطاع غزة الذين تخرجوا من كلية الحقوق في جامعة فؤاد الأول خلال الحقبة الملكية لحكم مصر في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، حيث كانت كلية الحقوق كلية النخبة وعِلية القوم التي خرّجت كبار رجال السياسة والحكم في مصر والعالم العربي مثل سعد زغلول والنحاس ومكرم عبيد...
وما يميز الأستاذ رضوان ثراء تجربته القضائية حيث يُعدّ من الشخصيات القضائية القليلة (المخضرمة) التي شاءت الأقدار أن تعاصر عدة حقب تاريخية مرت على فلسطين ، عندما استهل مشواره العملي في أواخر العهد الملكي لمصر ثم عايش بدايات العصر الجمهوري وحكم نجيب وعبد الناصر سنة 1952 وتقلب في المناصب بدءً بوكيل نيابة ثم رئيس نيابة ثم قاضي ثم نائب عام وختم مسيرته القضائية بأرفع منصب قضائي على الإطلاق وهو رئيس المجلس الأعلى للقضاء رئيس المحكمة العليا بموجب القرار الرئاسي رقم (26) لسنة 1999 الصادر بتاريخ 19/9/1999.
الأستاذ رضوان هو الذي أصدر حكماً بصفته رئيسا لمحكمة العدل العليا في بداية نشأة السلطة الفلسطينية ضد وزارة الحكم المحلي عندما كان وزيرها آنذاك د/ صائب عريقات ولجأ هذا الأخير إلى الرئيس عرفات معترضاً على الحكم ورافضاً تنفيذه إلا أن إصرار الأستاذ رضوان على نفاذ حكم المحكمة وتلويحه بالإستقالة جعل الرئيس عرفات ينساق وراء حكم المحكمة بإعتباره عنوان الحقيقة، ولحق هذا الحكم العديد من الأحكام التي ألغت قرارات إدارية مجحفة بحق المواطنين وأجبرت وزراء ورؤساء هيئات ومؤسسات عمومية على الإنصياع لأحكام القضاء.
أصدر الأستاذ رضوان العديد من أحكام الإفراج الفورية استنادا إلى طلبات المعارضة في الحبس التي يُطلب فيها إصدار أوامر بالإفراج عن الأشخاص الموقوفين بوجه غير مشروع لدى الأجهزة الأمنية وبالتالي فرضت هذه الأحكام على الأجهزة الأمني واقعا جديدا و اسهمت في غل يديها .
الأستاذ رضوان هو الذي سطّر في تسبيب أحد الأحكام العبارة الشهيرة (إذا كان القانون ميتاً فالقاضي حي) والتي باتت شعارا يتردد ومبدءً يتكأ عليه القضاة في تدوين حيثياتهم ، وكانت مناسبة هذه العبارة عندما تقدم الأستاذ المحامي ناظم عويضة بطلب لدى محكمة العدل العليا بصفته (محتسباً) يطلب منع تسجيل علامة تجارية خاصة بخمور لدى وزارة الإقتصاد وقد صدر الحكم عن محكمة العدل العليا يجيز الترخيص للشركة وعلى الرغم من رئاسة الأستاذ رضوان للمحكمة آنذاك إلا أنه تصدى برأي مخالف للأغلبية دوّن في طياته مبررات المخالفة للحكم الصادر والتي دافع بها عن عقيدة المجتمع الفلسطيني وعاداته وتقاليده وبيّن أن على القاضي ألا يستسلم للجمود الذي قد يشوب بعض النصوص القانونية إما بسبب قدمها أو صدورها في عهد الإنتداب البريطاني ومخالفتها للشريعة الإسلامية والآداب العامة، وبالتالي يتعين على القاضي أن يراعي مدى ملاءمة النصوص القانونية ومواءمتها للواقع، وقد أثار هذا الرأي المخالف للأستاذ رضوان العديد من ردود الفعل المؤيدة وأضحى مادة للتدريس العملي لطلبة كليات القانون وكان الحكم بمثابة دعوة للقضاة للإقلاع عن النمطية واعادة الإعتبار للدور الإنشائي والخلاق للقاضي.
خلال ولايته في رئاسة المجلس الأعلى للقضاء التي امتدت قرابة الاربع سنوات(1999-2003) بذل جهوداً كبيرة لتعزيز إستقلال السلطة القضائية والإرتقاء بها وتحصينها من التدخلات الخارجية والنوازع السياسية وتُوّجت هذه الجهود برفد الجهاز القضائي بكوادر مُتميزة وسن قانون السلطة القضائية لسنة 2002 الذي كفل ضمانات هامة للقضاة واعتمد لهم سلم رواتب يتناسب مع جهودهم.
شهدت فترة رئاسة الأستاذ رضوان للمحكمة العليا ثورة في التشريعات القضائية حيث صدر قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2001 وقانون الإجراءات الجزائية رقم 3 لسنة 2001 وقانون البينات في المواد المدنية والتجارية رقم 4 لسنة 2001 وقانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 5 لسنة 2001، وقانون رسوم المحاكم النظامية رقم 1 لسنة 2003 ، وتُوّجِت هذه التشريعات بإصدار القانون الأساسي لسنة 2003 وتعديلاته الذي تبنى أحكاماً صريحة تؤكد على إستقلال السلطة القضائية، وكان للأستاذ رضوان دور لافت في إستكمال صدور هذه التشريعات عبر مشاركته الفاعلة في إثراء هذه القوانين والحرص على استكمال المنظومة القانونية اللازمة لعمل المحاكم.
كما ساهم الأستاذ رضوان في إصدار العديد من الأحكام الهامة في القضايا الجنائية والمدنية والإدارية وتكاد لا تخلو كتب الفقه المختصة بتجميع الأحكام والسوابق القضائية من أحكام للمستشار رضوان الأغا حيث يستند إليها المحامون في تحرير مذكرات المرافعة الختامية ويستعين بها القضاة لتسبيب أحكامهم القضائية ويسترشد بها طلبة كليات الحقوق في الجامعات للتدريب العملي.
والمقام لا يتسع لسرد مناقب الأستاذ رضوان فالسجل حافل بالأحكام والمبادئ التي تُمثل فخرا للقضاء الفلسطيني...
أما بعد....
فإن هذه المسيرة المكللة بالعز وهذه الشخصية الراسخة في العلم والشامخة بالخلق تستحق منا كعائلة المبادرة لتكريم الأستاذ رضوان لا سيما وأن التكريم من شيم النبل والوفاء والعرفان والتقدير، وهذه السجايا هي جزء لا تتجزأ من قيم وثوابت مكارم الأخلاق.
وللأسف فقد دأب العامة على تكريم القامات الكبيرة بعد وفاتهم بينما الأحرى والأوجب أن يتم ذلك خلال حياتهم لما يحمله ذلك من لمسة وفاء وعرفان لما بذلوه.
أما أنا وزملائي المشتغلين بالحقل القانوني فنقول للأستاذ رضوان: شكرا.. وسلام عليك مع المخلصين من أصحاب المبادئ والضمائر.. وهم مع الأنبياء وأصحاب الرسالات.. وجزاؤهم ليس فى الدنيا.. ولكنهم سيلقون الجزاء الأوفى ممن خلق الإنسان ومنحه الضمير والكرامة وأمره بأن يقيم العدل فى الأرض. فطوبى لمن أقام العدل على الأرض.
أسأل الله أن يبارك لك في عمرك ويجزيك عنا خير الجزاء.....
[1] يحيى زكريا اسعيد الأغا | تحية وتقدير | 10-05-2014
كل التحية لكاتب المقالة، لأنه فتح شهية من يريد أن يزيد، فهو يستحق منا كمعاصرين له أن نكرّمه بما يليق مع مكانة القاضي، ونحن في العائلة لدينا العديد من الكوادر التي أسهمت في بناء الوطن من الداخل بما امتلكت من خبرات عالية.
أريد هنا أن أضيف معلومة صغيرة لكنها ذات مدلول كبير: عندما توفت والدتي رحمها الله تعالى وجميع المسلمين، وقف إلى جانبي ثلاثة أيام متصلة، وكنت أسكن بعيداً ن مدينة الدوحة عشرة كيلومترات، في منطقة الخريطيات، فجأة طرق الباب شخص حاملاً هدية ما، فقال لي القاضي رضوان عندك، فقلت له: نعم، فقال أعطه هذه، فقلت له ومن أنت، أخبرني باسمه، فقلت له تفضل، فرفض، ولكني طلبت منه الانتظار، فدخلت للعم أبو محمد وقلت له هذه من " فلان" فقال أين هو، قلت على الباب، فقال بسرعة : ردها إليه. فردتها، وبعد محاولة من الشخص صعبة، قبل أن يأخذها. ورجعت للعم أبو محمد وقال: الحمد لله.
فقال لي: هذا رجل له قضية، وأراد بهذه الهدية " البشت" أي عباية من نوع ممتاز، أن يقدمها لي من أجل التهاون في القضية، وأتبع بقوله: نحن القضاة حلفنا يميناً أمام الله، وأما سمو الأمير / الشيخ / خليفة بن حمد آل ثاني، فلا يحق لنا أن نخون الأمانة، الأمانة أمام الله، وأمام الضمير، وأمام الأمير..
هذا هو العم أبو محمد، أسجلها اليوم للتاريخ، فهل القضاة اليوم بمثل العم أبو محمد. أتمنى ذلك، وتقديري يوجد عدد كبيرمثله.
في زمانه كانت وزارة العدل تحظى بقيادات فلسطينية عالية منهم المرحوم : قصي العبادلة، والسيد / حمدان العبادلة، والسيد / رضوان الأغا، والسيد / فريح أبو مدين، والمرحوم السيد/ أبو إبراهيم من المنطقة الشرقية" وغيرهم كثير، وقد أسسوا لقانون فلسطيني متميز. الحديث يطول هنا، فهم قامات فلسطينية عالية يمكن أن تضاف إلى قامات الرجال الرجال الذين أسسوا لدولة قبل أن تقوم الدولة.
اسمحوا لي على أسلوب الحوار.
[2] جواد سليم إبراهيم سليم | لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل | 10-05-2014
[3] المحامى / عبد العزيز يوسف الاغا | كل التحية | 11-05-2014
[4] مؤمنة محمد عايش شبير أم مهند | الخال الحبيب والأب الحنون | 11-05-2014
لك كل الحب والإجلال والتقدير والاحترام من ابنتك المحبة أم مهند ومن جميع أبناء وبنات إخوتك وأخواتك .
دمت لنا مثلا أعلى ..
أمدك الله بثوب الصحة والعافية وأطال في عمرك .
كل الشكر والامتنان لكاتب المقالة .
[5] مؤمنة محمد عايش شبير أم مهند | الخال الحبيب والأب الحنون | 11-05-2014
لك كل الحب والإجلال والتقدير والاحترام من ابنتك المحبة أم مهند ومن جميع أبناء وبنات إخوتك وأخواتك .
دمت لنا مثلا أعلى ..
أمدك الله بثوب الصحة والعافية وأطال في عمرك .
كل الشكر والامتنان لكاتب المقالة .
[6] د. عبير أحمد خالد الأغا | شكر وتقدير | 12-05-2014
[7] د . باسم جعفر طاهر الأغا ( أبوطاهر ) | الأستاذ رضوان فخر الوطن | 13-05-2014