يُعد الواقع الفلسطيني جراء الاحتلال وسياسته العدائية واقع معقد ومنكشف على كافة المستويات لا سيما الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية. والمجتمع الغزي كجزء من المجتمع الفلسطيني والعربي هو الأكثر عرضة لتأثير تلك السياسات الاسرائيلية بفعل مجموعة من العوامل أهمها حالة الانقسام الفلسطيني البغيض.
ومن أجل فهم ما يحدث في المجتمع يجب على المتابع لهذه الحالة رصد كل التوجهات والأفكار التي تطل علينا من حين لأخر في المجتمع الغزي من خلال ربطها بحركة الإقليم المضطرب من العراق، سوريا، لبنان إلى مصر، تونس، ليبيا واليمن. وبالتالي فإن قراءة أي توجه جديد في المجتمع لا يمكن فهمه بشكل دقيق إلا من خلال نظرة تحليلية عميقة لما يحدث في الجوار الإقليمي العربي وانعكاساته وارتباطه بالحالة الفلسطينية.
فالبرنامج الأمريكي _الإسرائيلي الهادف إلى خلق حالة الفوضى وتدمير المؤسسة الرسمية العربية في كل الأقطار واستبدالها بأطر محلية ذات نزاعات طائفية، جهوية قبلية وعشائرية هو عنوان هذه المرحلة، ولعل الشواهد في العراق وليبيا واليمن ساطعة كضوء الشمس في منتصف تموز. فقد استبدل النظام الرسمي في ليبيا بعد سقوط العقيد القذافي في إطار أحداث ما سُمي بالربيع العربي بسيطرة القبائل على أقاليم البلاد المختلفة، كما أصبحت كلمة الفصل للسلاح القبلي في السيطرة وتكريس نزاعات الانفصال كواقع في الشرق والجنوب الليبي وكبديل عن النظام الرسمي وأضحت الحكومة الليبية عاجزة عن تأمين مصادر النفط التي خضعت لسيطرة تلك القبائل بفعل القوة وفرض الأمر الواقع الجديد حيث الفوضى، العبث والعدمية عنوان العمل في إدارة شؤون البلاد.
أما العراق فكان لها نصيب أكثر تحضراً في تكريس النظام القبلي العشائري والطائفي في إدارة شؤون البلاد بفعل تواجد الاحتلال الامريكي المباشر ( صاحب الفكرة والبرنامج) الذي كرس الطائفية والقبلية العشائرية في أطر أصبحت رسمية. أما اليمن فحدت ولا حرج فقد غابت الدولة في كثير من أصقاع البلاد بل أصبحت الدولة تمارس دور الوسيط في فض الاشتباكات بين القبائل والجماعات المسلحة وبتنا نسمع أخبار ومصطلحات جديدة في قاموس الاعلام والسياسة من قبيل ( صرح مصدر قبلي/ أو قال الناطق باسم الشيخ عبد الله الأحمر شيخ قبيلة حاشد.) أنه لواقع مرير يحتاج إلى بكاء ونحيب ولا يليق به إلا رثاء الخنساء في الجاهلية.
وبالعودة إلى الواقع الفلسطيني الغزي بالتحديد فمن الواضح أن العدوى الاقليمية وفيروس البرنامج الامريكي الإسرائيلي يريد الانتقال سريع إلى هذا المجتمع حيث بدأت العديد من العائلات في القطاع تنحو هذه الأيام حول تشكيل مجالس للعائلات والروابط القبلية والعشائرية في أطر جديدة تُغلف اليوم بغلاف براق يشير إلى إعادة صياغة هذه التكتلات العشائرية والقبلية بمغلفات مدنية من أجل تسويقها بالحلة الجديدة ذات البريق المدني اللامع والجوهر القبلي العفن. وهذا بتقديري ليس من قبيل الصدفة أن تتوافق رؤى بعض المجموعات المحلية مع رؤى البرامج المعادية في المنطقة القاضية بخلق حالة من الفوضى تنوب فيها المحليات الجهوية الصغيرة سواء كانت طائفية أو عشائرية/ قبلية كبديل عن النظام الرسمي، الحكومات والسلطات المركزية الحاضنة لكل التناقضات المجتمعية في بوتقة واحدة.
ومن المؤسف جداً أن نجد العديد من النخب التي أشهد لها بالوطنية والثقافة تتساوق وتتعاطي بإيجابية مقلقة مع هذه التوجهات التي أقل ما يقال فيها أنها تقويض للحركة الديمقراطية التقدمية (بالمناسبة هي عملية تراكمية) في إعادة تكريس البنيوية العشائرية المبنية على الأحماض والنزعات القبلية البغيضة التي جاء الإسلام ليذيبها وجاء الفكر التقدمي الديمقراطي الحداثي من أجل صهرها في فكرة المواطنة. ربما يتسأل البعض عن الضرر في وحدة الناس فأقول أن لا ضرر في تعزيز الروابط والقيم الأفقية في المجتمع القائمة على التضامن والتكافل الاجتماعي ولكن أن تُطرح روابط عشائرية بلوائح تنفيذية ولجان وهيئات مدنية تتعدى فيها على مساحات النظام الرسمي بكل ما تحمل من بذور التخلف، والنزعات والنعرات القبلية العفنة التي تقودنا إلى العودة والنكوص إلى مجتمع البداوة هذا أمر في غاية الخطورة.
فالمنطق يقول بأن المجتمعات تتصارع فيها تيارات واتجاهات متباينة ومتناقضة في كثير من الأحيان ويحتدم هذا الصراع ولكن قد يُفهم هذا بين الاتجاهات السلفية الماضوية وتلك الاتجاهات المستقبلية التي تدعو إلى الانطلاق نحو الحداثة، التجديد، التحضر وبناء المجتمع المدني التي تعلو فيه قيمة الانسان ويعلو فيه القانون ولكن النكوص إلى الفكر القبلي العشائري( إلى سلطة شيخ القبيلة والمختار) في توجيه الفكر وتشكيل الرأي العام هذا أمر يجب التوقف عنده بقوة من كل الجهات التقدمية والوطنية في المجتمع. كما يجب البحث في خلفية كل القوى التي تقف خلف هذا التوجه باعتبارها قوى غير ذاتية التكوين وغير عضوية وتتساوق أفكارها مع أفكار وأجندات أقل ما يقال فيها بأنها عدائية اتجاه حركة المجتمع نحو التطور والتقدم والوحدة المبنية على المساواة دون نزعات طبقية أو عشائرية أو حتى تنظيمية وحزبية.
بقلم: أ. صلاح سالم أبو حطب
باحث في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية
[1] مصطفى عثمان الأغا | شكرا ولكن | 29-06-2014
بداية أتوجه بالشكر للكاتب صلاح أبو حطب على هذا المقال الذي يمس كل فلسطيني لأننا جميعا ننتمي إلى عائلة أو قبيلة صغرت أو كبرت ، و نفتخر بجذورنا الضاربة في عمق الأرض التي رويناها بدمنا و عرقنا .
كاتب المقال يتحدث عن عائلات أو قبائل تعيش في غابات مترامية الأطراف و صحاري شاسعة و كأنه لا يعيش في قطاع صغير تصلُ إلى أبعد نقطة فيه في دقائق ، و سكانه معروفون بكرمهم و رجولتهم و شهامتهم أما "العشائرية العفنة" فهي لا توجد إلا في خيال الكاتب الذي يعكس الثقافة "التقدمية" التي يتباهى بها و التي سقطت بسقوط قلعتها الإتحاد السوفيتي السابق . أنا لا أريد أن أبتعد عن الموضوع الذي "أقلق" منام الكاتب وهو تشكيل مجالس للعائلات ، ولكن مروره على الواقع العربي و تباكيه على تساقط حصون الديكتاتورية بحجة أن من يقودها هو " الصهيوأمريكية" ، و كأن هذه القيادات كانت على وشك تحرير فلسطين و حل كل مشكلات الوطن العربي لو تأخر "الربيع العربي" قليلا !!
وبغض النظر عن النتائج و الكوارث التي لحقت بحركة الشعوب المنتفضة على جلاديها ، فمن الطبيعي أن تتحرك أجهزة الدول الإستعمارية و الصهيونية للإستفادة من الواقع الجديد و تشويه نقاء و عفوية الثورات و شيطنتها و دعم فلول الأنظمة لخدمة مصالحها سواء في تقسيم الأوطان و الشعوب أو دعم " الوكلاء" لضمان تنفيذ مصالحهم . و بعيدا عن الكلمات المقعرة فإن "التقدميين" قد أخذوا فرصتهم كاملة و تراجع في عهدهم الميمون كل ما هو جميل حتى اختنقنا بشعاراتهم الزائفة وممارساتهم العفنة و هرول الرفاق من ساحات التنظير إلى الجمعيات الأهلية المشبوهة و التي تدعهما " الإمبريالية " في كثير من الأحيان تحت شعارات حقوق الإنسان و الحرية و الديموقراطية . الكاتب يخشى على النظم السياسية من البديل القادم من عباءات المخاتير و عقالات القبيلة ، و أتساءل بداية أين هو النظام الذي تخاف عليه من خيول القبيلة ؟؟؟ هل نسيت أننا شعب محتل و أي كيان وليد لن يتعدى مرحلة الحبو هذا إنْ قُدِّر له أن ينهي فِطامه بنجاح !!
إن العائلات التي يزعجك أن يكون لها كيان هي من قدمت خيرة شبابها في ساحات الشرف و شاركت و لا زالت و ستظل تشارك برجولة و عطاء و نقاء في كل مواقع البطولة و الواجب ، أما الغمز و اللمز بأن الإسلام جاء ليذيب النزعات القبلية و كأنك تتحدث عن جاهلية جديدة ، وما أضحكني هو كلامك عن هطول الفكر التقدمي الديموقراطي الحداثي "ما شاء الله" من أجل صهرها في فكرة المواطنة ... هل جاء الفكر التقدمي ليصحح المسار الإسلامي من النكوص والرِّدة إلى مجتمع البداوة ؟؟ عن أي فكر تتحدث؟؟
مجتمع البداوة الذي يخيفك هو الذي يقاوم المحتل في النقب كل يوم ، وهدم الصهاينة بيوتهم مئات المرات ، و مجتمع العائلات الذي يخيفك قدم أروع الأمثلة في الوطنية و الشرف ولي هنا مثال أعلقه على صدري وساما ليس لأنني من أبناء هذه العائلة و لكنْ يبدو أن هناك من يتجاهل مواقفنا الوطنية الأكثر تقدمية من شعاراتكم .
عندما ساوم الصهاينة مختار عائلتنا البطل المرحوم عيد الأغا "أبو عدنان" عن أرضه في رفح التي كانت مزروعة بأشجار البرتقال و المعروفة لاحقا بأرض معسكر كندا وقال له الحاكم العسكري أطلب المبلغ الذي تريد فرد عليه أبو عدنان رحمه الله " إحنا بنربي الشجرة زي ولد من أولادنا ، احنا ما بنبيع ولادنا" عندها تحركت بلدوزرات المحتل الهمجي و مسحت الأرض بما عليها لتقيم مخيما" تنقل إليه مجموعات من أهلنا في المخيمات في القطاع لتفريغها . تحية لأهلنا في كل عائلة و قبيلة ومدينة و قرية و مخيم كلنا نسيج واحد ولنا عدوٌّ واحد حتى تحرير أرضنا كل أرضنا
مصطفى عثمان الأغا