حذار ان تدخل غزة وانت ترتدى نعليك... فكل ذرة تراب في غزة لها طهرها الخاص ولها قدسيتها الخاصة ... ففي كل زقاق جريح سال دمه فطهر ترب زقاقه... وفي كل شارع شهيد روى بدمه الزكي ترب شارعه.... وفي كل حي ابت مجموعة من اهل الحي الا ان تظهر الحي بكامله.. فارتقت اسر بكاملها في مجازر بشعة... فغسلت دماء الاطفال والنساء والشيوخ ارض الحي وباركت تربته... وعلى الحدود فاح مسك المجاهدين المرابطين وجاء ريح الصباح حاملاً معه هذا المسك ليعطر ويزكي غزة بما فيها ومن فيها... إذن نحن امام ذرات تراب ليست كسائر الذرات ... وجزيئات هواء مختلفة عن باقي الجزيئات.... لذا فمن غير اللائق ان تداس ارضها بالأحذية لأن ذرات التراب اشبعت دما طاهرا اكسبها قداسة وطهراً ومقاما رفيعا ثم جاء المسك الفواح فغلف الترب المقدس بريح طيب ذكر اهلها بريح الجنة .... إذن اخلع نعليك ايها الزائر لغزة ... ودع باطن قدمك يحظى بشرف لمس ترب غزة.... ان كنتم تستغربون الكلام فدعوني أحدثكم عن غزة.....
انها غزة يا سادة ... تلك الايقونة التي ينبعث منها عبق النصر متسربا بهدوء من بين ثنايا القهر والفقر والبأساء والضراء...
انها غزة يا كرام ... تلك البقعة التي يتذوق اهلها ومرابطوها في كل ركن من اركانها طعم العزة العذب .. الزلال... المصفى رغم ضرب المدافع ... وانهمار الدموع من المدامع....
انها غزة البتول ... تلك التي تكالب عليها العالم لينزعوا عنها سترها وثوب عفافها ويلحقوها بمنظومة عالمية فاجرة... فأبت وأبت وصرخت مستغيثة بأبناء عمومتها وجيرانها .. لكنها فوجئب بهم مع المتكالبين... فلم يفت ذلك من عضدها ووقفت وحيدة مستمسكة بشرفها تنافح وحدها مستعينة بالله...
انها ذات الحظوة غزة ... فكل بلاد المسلمين لهم 10 ايام اواخر من رمضان بينما من الله عليها هذا العام بعشرين يوما كانت ابواب السماء مفتوحة... ثم استمرت البركات حتى بعد انقضاء رمضان ...فاستمرت السماء تستقبل ارواحاً طاهرة بريئة تعرج تترا في كل يوم وليلة تشكو إلى الله تخلى الخلان وخذلان الجيران وظلم ذوي العدوان وصمت القبور الذي اصبح سمة هذا الزمان .... لكن هذه الارواح تؤذن بميلاد فجر جديد ...فجر يمهد لمعركة التحرير القادمة قريبا بإذن الله.... تحرير المسرى والأسرى وتتبير ما علا الصهاينة تتبيرا....فهذا وعد الله .. وان نسيتم فاقرأوا سورة الإسراء...
انها اية الله في هذا الزمن.... فرغم حصار مطبق لسنوات طوال ضرب بأطنابه وكبل كافة مجالات الحياة ..لا وقود ولا كهرباء ولا اسمنت ولا عمل ولا سفر ولا مياه ولا شاطيء ولا استقرار ...وفوق كل ذلك شهدت حربين طاحنتين ... لا انها تقف وحدها لا تقيل ولا تستقيل... تصنع من دموع الفقراء وقودا للمشاعل.... ومن انين المرضى اصواتاً للقنابل ... ومن هوانها على الناس حافزا لتقاتل.... تقف مستعينة بالله تدمى رأس عدوها الخوار... وتفقأ عينه... وتجدع انفه وتمرمغه في التراب رغم المجازر والقتل والرعب...
إنها واسطة العقد ... تلك البقعة التي كشفت خطأ بعض المعلومات التي تعلمناها في المدارس التي من ابرزها ان الغبار شيء ملوث... وأن كثرته تسبب ضيق النفس والخمول وقد تؤدي شدته إلى الوفاة... ان من يسكن غزة يدرك خطأ تعميم تلك المعلومة... ذلك أن غبار خيل الجهاد والتقاء الصفوف هو أنقى الأشياء وأصفى انواع الهواء... وكثرته تسبب الشعور بالعزة والدافعية ... وتؤدي شدته لا محالة إلى سريان حياة جديدة في النفوس المؤمنة....
انها غزة الكاشفة الفاضحة ... التي كشفت وفضحت الجميع ..... ولا استثني من الجميع احد.. رغم شكري لبوليفيا وتشيلي والسلفادور وبيرو فقط وكذلك لاحرار العالم ....
انها غزة التي استمسكت بحبل الله الذي فتلته طوال السنوات الماضية بعد ان ايقنت انقطاع حبال الأرض ... فغضت طرفها عن كل ما في الارض ... واشاحت بوجهها الفتان عن الادوات والاسباب البشرية وتعلقت بالسماء ... ورنت نحو مسبب الاسباب الذي أمره بين الكاف والنون... فاستحقت ان يدبر الله لها ... وأن يهيء لها من امرها رشدا...
انها غزة يا قوم ... التي تقع فيها بوابة النفق الوحيد الذي بوصلته تشير إلى الأقصى ... وكل من يقف عند بابه تلوح امام ناظريه انوار ابواب القدس العتيقة رغم عتمة الواقع المعاش....
حق لنا في غزة ان نفخر ونقضي عمرنا في شكر دائم لله ان اصطفانا للعيش في غزة وأشهدنا اياته بل وطهرنا واصطفانا بفضله وامتنانه لنكون جزءا من تلك الايات فالحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد لله ... اما ما يتعلق بالشهداء وفقدان الاحبة – واتحدث هنا والقلب يقطر دما على اكثر من 1459 شهيد حتى الان منهم العديد من الأصدقاء والزملاء والأقارب وعلى رأسهم شهداء العائلة الكرام وأخص بالذكر شهداء مجزرة قاع القرين ابناء العمومة – أقول على الرغم ان الجرح غائر والمصاب جلل والفقد اليم جدا ... الا ان ذلك هو ضريبة الحرية التي دفعها كل من نال الحرية سابقاً ويدفعها مهرا للحرية من ارادها لاحقاً ... ونحن موقنون وراضون بقضاء الله وقدره ... فالله عز وجل يتخذ الشهداء منا ويصطفيهم اصطفاءً ...
الم تسمعوا قوله تعالى ( ويتخذ منكم شهداء) ...
الم تقرأوا يا قوم (والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل اعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم)...
كذلك نحن موقنون ان لكل اجل كتاب ...
فكم من فتى مات وشاب قضى وطفل انتقل لجوار ربه بسبب مرض عضال او حادث طرق أو سقوط من علو او او ...... فما دام الأمر كذلك وما دامت لحظة الفراق محددة وما دمنا كلنا ننتظر لحظة الفراق الاتية فلم لا تكون في سبيل الله ...
اللهم ارحم الشهداء وشافي الجرحى وعجل بفكاك الاسرى وتحرير المسرى وانتقم لنا ممن ظلمنا واذانا وتواطأ مع عدونا علينا
وللحديث بقية بعد ان تضع الحرب اوزارها ونفرح يومئذ بقدر الله النافذ...
[1] صلاح سعيد صالح شبير | من روائع ما كتب عن غزه | 02-08-2014