يقول الله تعالى في محكم التنزيل من سورة الشورى :
( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ [49] أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ[50])
كنت دوماً أمًر على هذه الآية وأقف عندها وتنتابني مشاعر الحزن تارة ومشاعر الرضى والتسليم تارة أخرى إلى أن أيقنت يقيناً وكمل اعتقادي وتسليمي المطلق بما جاء فيها الى أن جاء هذا اليوم والذي تحقق فيه رجائي..
نعم اليوم وبعد ثمان سنوات كان فيها الابتلاء .. لا أقول عظيماً وانما هو شأن المؤمن (إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له).. وكان فيها صحة المعتقد وثبات اليقين (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) .. نعم اليوم جاءت البشارة بعد طول انتظار .. إنه يوم البشرى .. { وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ } .. أسأله أن يكون عليماً كنبي الله اسماعيل عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
ما أعظم الابتلاء في الولد وربنا القائل { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } فعشت طوال الثلاث والثلاثينين عاماً الماضية في نعمة وفضل من الله فرزقني الله كغيري من أبناء هذا الدين العظيم نعمة الاسلام وكفى بها من نعمة ورزقني جسداً معافاً من كل الأسقام والأمراض ورزقني الله شهادة علمية ممتازة ورزقني الله وظيفة مرموقة ورزقني الله زوجة جميلة صالحة صابرة محتسبة صبرت معي على مُر الابتلاء وحلاوته ورزقني الله بيتاً جميلاً .. وكل هذه النعم (يا رب لك الحمد على ما أنعمت به علي) وما زال هناك نقص من زينة الحياة وهي زينة الولد الصالح الذي كنت أفكر دوماً بمن سيدعو لي بعد مماتي ويرثني من بعدي وزاد هذا التفكير بعد وفاة والدي رحمه الله وعند دعائي له بالرحمة والمغفرة فأحبس الدمعة إشفاقاً على نفسي وحتى لا يراها أحد من حولي فيعطف علي.. فمجتمعنا ولله الحمد مليء بالعبارات الجارحة والصادمة رحمهم الله وغفر لهم وجازاني بما صبرت وزوجتي خير الجزاء..
رغم ما مضى من ألم وصبر على الابتلاء إلا أن ثقتي بالله لم تتزحزح فازددت قرباً من الله واجتهدت جاهداً أن أتعرف عليه وما أجمل أن تتعرف على الله وتدعوه بأسمائه الحسنى الذي إذا دعي بها أجاب عبده .. وما أجمل أن تتحرى ساعات الاجابة وتتعرف عليها فلنا في كل ساعة لقاء مع الله ودعاء لا ينقطع.. وما أجمل أن تتعرف على معنى الاستغفار وعظمته وتستشعر قوله تعالى: ((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)) فكانت لي ساعات مع الاستغفار أبث فيها همي لخالقي وأسأله المغفرة عما اقترفت من ذنوب وكنت هنا أستشعر كلمات الشيخ محمد راتب النابلسي حين قال ما نزل بلاء إلا بذنب وما أثقلها من كلمة على الصدر ليس لها إلا الاستغفار يجليها وما أعظم ثمرة الاستغفار التي حصدت .. وما أجمل أن تتعرف على الصدقة وأثرها على حياة الانسان فالأحاديث هنا كثيرة جداً ولعل أهمها في هذا الطريق قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (داووا مرضاكم بالصدقات) ولست هنا أستعرض أعمالاً من صلب ديننا رياءاً وسمعة حاش لله .. لكن هذه هي الطريق لمن أصابه ما أصابني من ابتلاء فيها العلاج واضح وبسيط الدعاء والاستغفار والصدقة وهن مثلث الشفاء ان شاء الله أسأل الله أن يرزق من عرفت من أحباب بالذرية الطيبة ومن لم أعرف.
وشاءت الأقدار خلال فترة الحمل أن مررنا بأوقات غاية في الصعوبة على المرء فقد توفي من أبناء عائلتنا خالتي وخالة زوجتي واثنين في ريعان شبابهما وابنة أخ زوجتي وختمتها بحادث سلمني الله منه بفضله وكرمه ولكن مشيئة الله ماضية اذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون والحمد لله اليوم كان..
نعم اليوم .. يوم المرحمة .. يوم نزلت فيها رحمات الله على عبده الفقير فأتم نعمته عليه ورزقه بالولد الصالح ان شاء الله والذي أسميته الحسن تخليداً لذكرى والدي ووالد زوجتي وعلى اسم سبط رسول الله الحسن بن علي رضي الله عنهما..
وهنا لا يسعني إلا أن أحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات وأشكره وأثني عليه حمدا وشكراً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه .. ومن بعده أشكر الدكتور المعالج الذي أشرف على عملية الزراعة الدكتور بهاء الغلاييني مدير مركز البسمة وحرمه الدكتورة نادية خميس التي أجرت العملية لزوجتي والدكتور عبد الحكيم شحادة الذي تابع حالة زوجتي طوال فترة الحمل إلى أن أجرى عملية الولادة صباح اليوم فلهم منا كل الشكر والتقدير والمحبة ونفع الله بهم وبعلمهم جميعاً الاسلام والمسلمين..والشكر موصول لمن وقف بجانبنا من أهلي وأهل زوجتي طوال فترة الحمل كل باسمه ولقبه وبما قدم وأيضاً لا أنسى من دعا لي بدعوة في ظهر الغيب سواءاً هنا في غزة أو هناك على أرض عرفات الله في الحج.
وفي نهاية كلماتي لا تلوموني على الاطالة فهذه كلمات انفجرت بنهاية ثمان سنين من الحرمان نسأل الله أن يكتب لنا فيها أجر الصابرين المحتسبين الراضين بقضاء الله وقدره ، وأسأله أن يبارك ولدي الحسن وأن ينبته نباتاً حسناً ويرزقنا بره وأن يجعله من عباده الصالحين ومن حفظة كتابه الكريم وممن يعز بهم هذا الدين وينصر..