غزة/ دعاء الحطاب
لحظات صعبة ومشاهد تقشعر لها الأبدان، فبمجرد دخول جثمان الشهيد محمد الأغا المنزل لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه، هرع كل الأهل والأحبة لرؤية ذاك الوجه المنير، وطبع قبلة أخيرة على جبينه، باستثناء والدته وشقيقته اللتين وقفتا تتأملانه، قبل أن يفسح لهما الطريق للوصول للجثمان.
وما هي الا دقائق ٌسريعة حتي خرج الشهيد من منزله محمولاً على الأكتاف وتبعه صرخات الأحبة، وجلست الأم والأخت جانباً حزينتين دون إخفاء مشاعر الفخر التي انتابتهما بعد أن منحهما محمد لقب أم وأخت الشهيد. الشهيد محمد مروان الاغا (22 عاماً)، أحد مجاهدي وحدة الكوماندوز البحري بكتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، اختار الطريق الذي سيوصله إلى أسمى ما كان يتمنى، فترجل شجاعاً ليلقى ربه شهيداً، خلال محاولته انقاذ رفاقه من سرايا القدس بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي نفقاً للسرايا شرق خانيونس جنوب قطاع غزة، يوم الأثنين الماضي.
هب لإنقاذ رفاقه
ورغم صعوبة الموقف، حاورت "الاستقلال" والدة الشهيد التي كانت كلماتها قليلة، فتارة تترحم عليه وتارة أخرى تصفه بالحنون، وفي كل مرة كانت النساء يقاطعن حديثها، لكنها تعود وتقول: " جاء إلى البيت مستعجلاً، بدل ملابسه وخرج بسرعة دون أن ينطق بكلمة واحده على غير عادته، ومع اغلاقه الباب شعرت بانقباض قلبي، لكني لم أجد مفراً سوى أن أوكل أمري الى الله وأدعوا له، وقد اصطفاه رب العزة في علاه".
الشهيد الأغا، كان للتو قد عاد الى منزله متعباً بعد يومٍ طويل من العمل وبحاجة للنوم، إلا أنه هب مسرعاً، وارتدى ملابسه وجهز معداته، واتجه نحو نفق المقاومة المقصوف يسابق الزمن، من أجل انقاذ زملائه ورفقاء دربه ممن علقوا بداخله، ولسان حاله يقول : "إما نعيش جميعاً أو نرحل الى جوار ربنا".
الأخ الحنون
أما شقيقته تقى التي تبلغ من العمر (12 عاماً)، وصفت الشهيد محمد بأنه الأخ والأب والصديق، فرغم الساعات القليلة التي كان يقضيها في المنزل بسبب انشغاله في العمل الجهادي ورباطه طوال الليل، إلا أن وجوده داخل المنزل كان يضفي بهجة وفرحاً على الجميع.
وتابعت تقى حديثها لـ"الاستقلال" والدموع تملأ عينيها " محمد ما كان يتحمل يشوف حد فينا حزين، كان دايما بجمعنا حوله ويمازحنا ويلاعبنا ويروي لنا القصص، ويعلمنا الصلاة ويحفظنا القرآن، ويحضر الطعام معنا ويعمل لنا كل شيء حلو". وأضاف تقي بعد تنهيدة طويلة :" كنا نحبه ونشتاق له، أول ما يوصل البيت نجري اليه، حتى وان كان تعبان ومرهق بسبب العمل والسهر كنا نرفض أن يذهب للنوم قبل أن يحدثنا ويضحكنا كعادته".
وأكدت تقى، أنها لا تستوعب أن شقيقها المحبوب والأقرب لقلبها قد فارقهم إلى الأبد، ففي كل لحظة تتخيل أن الباب سيفتح ويدخل إليهم بابتسامته المعهودة.
قصص الشهادة
غابت الطفلة قليلا في أحضان المعزيات، من النساء اللواتي كن يحاولن تهدئتها، ثم عادت وعيناها تفيضان بالحزن، قائلة: "استذكر حين كان يجلب لنا معه الهدايا، ويحكي لنا قصص البطولة والفداء لشهداء قاموا وضحوا من أجل الوطن، ولقوا الله شهداء".
وأوضحت أنها كثيراً كانت تسمعه يقول حين ترد سيرة شهيد " اللهم الحقنا بهم"، فالشهادة كانت أمنيته منذ سنوات، وكان نشطاً خلال عدوان 2014 لكنه حزن بعدها لأن الله لم يصطفه ويلحقه برفاق دربه، الى أن جاءت اللحظة التي كان ينتظرها. وأشارت الى أنها ورغم حزنها الشديد على فراقه، إلا انها فخورة كونها أصبحت أخت شهيد، وكذلك تشعر ببعض الارتياح والسعادة لان محمد حقق أمنية لطالما دعا الله أن يحققها له.
موكب التشييع
ووسط الحزن والدموع، كان لمحمد جنازة مهيبة لم تكن للكثير من غيره من الشهداء، فقد تجمع الآلاف من أبناء الحي والمدينة، وشاركوا في تشييعه، وسط دعوات بالثأر له.
فداخل مسجد أهل السنة بمدينة خانيونس، أقيمت صلاة الجنازة على الشهيد الأغا، حيث وقف الوالد أمام جثمان ابنه ليلقي عليه نظرة الوداع ويقبله، والدموع تنهمر من عينيه ويتمتم بكلمات: "الله يرضى عليك رفعت راسي".
وشارك في موكب التشييع المهيب الذي انطلق بعد صلاة الظهر من المسجد وصولاً إلى مقبرة عائلة الاغا غرب خانيونس، قادة وكوادر حركتي حماس والجهادي الاسلامي وذراعهما العسكري القسام وسرايا القدس، وجماهير شعبنا الفلسطيني الذين حملوا جثمان الشهيد على الأكتاف وجابوا به شوارع البلدة، وسط صيحات التكبير وتجديد العهد والبيعة مع الله عز وجل على مواصلة طريق الجهاد والمقاومة والسير على خطا الشهداء.