إهداء
إلى ظل الياسمين وجنتي، أمي هالة
إلى التي تشبهها روحًا وقلبًا، خالتي هيام وعائلتها
إلى عضد أمي، إلى من كبرت بهم ومعهم، أخوالي الأفاضل من كبيركم إلى صغيركم، ومن صغيركم إلى كبيركم إذ أني بدأت بآخر عنقودكم -أمي-
أ.أرسلان وعائلته، غسان وعائلته، د. عدنان وعائلته، م. محمد وعائلته، د. أحمد وعائلته
إلى أبناء جدتي التي حملتهم في قلبها لا في رحمها، أخوالي الكبار
عوني، جودت، مصطفى وعائلاتهم
إلى تاج قلبي، أبي محمد
إلى من شاركاني رحم أمي ولقمة الحياة، شقيقي خليل، شقيقتي هلا
إلى العائلة التي احتوتني وجدتي، آل السقا، إلى العائلة التي احتضتنها كزوجة وأم، آل الأغا.
ثم إلى كل من أحب جدتي.
وأفلت شمس حياتنا
إلى الجنان روحك ارتقت، كما النجوم في السماء تألقت، والقلوب بعدك من فرط حزنها تمزقت، السُمو سِمتك حياةً ومماتًا، والقصيد ينسج نفسه لك أبياتًا، سميتُكِ يا جدتي والجود ذاتًا، كنتُ بيننا شمسٌ ونحن حولك أقمارًا، نستقي من وهجك أنوارًا، والحنان فاض في قلبك أنهارًا، فتغرسي فينا من خيرك ثِمارًا.
عينيكِ كانت للحكمة منارةٌ، وقلبك بالإيمان عمارةٌ، ويمينك في الخير مدرارةٌ، وثغرك حين التبسم كأنه ينبت أزهارًا، غِبت فغاب معك لون الصبح وطعم الندى، والحياة بعدك سيان والردى، والشوق لك بلغ وسع المدى، فيا ليت حضنك يكون إلى السرمدا، على روحك سلام الله وفاتحة كتابه يا أم أحمدا.
إني لأقسم يا جدتي أني لو اتخذت البحر مدادًا لمدحي إياك لم يكفي، ولو جعلت السماء فضاءً لذكر محاسنك لم تسع قبل أن أفيكِ حقك في النعي والرثاء أمام أنهار الحنان التي خلقها الله في صدركِ، وإني لأشعر أن كلماتي ذليلة أمام عُلو مقامتكِ؛ فتتيه مني الكلمات وتتعثر أبجديتي المتواضعة أمام نعيكِ يا حبيبتي.
كنت أعتقد أن الناس تعيش في الحياة بمقامات، ثم عرفتُ أن الموت أيضًا كذلك؛ فبعد رحيلك فاح مسكِ سيرتك بين الناس إلى الدرجة التي عرفك بها من لم يعرفكِ، يدغدغني قلبي كثيرًا أن ألقاك الآن لأخبركِ بذلك، كما كثيرًا من الأشياء التي أود إخباركِ بها، تمامًا كما النعيم الذي أكرمكِ الله به بعد موتك.
أتدرين يا جدتي؛ في اليوم الأول لرحيلكِ كنت أتخيل أني سأعود إلى بيتنا أجدك مكانك، ثم أبدأ بسرد أحداث اليوم لك، كنت أتخيل أني سأخبرك عن وجهكِ الذي غدا بلا تجاعيد، عن ابتسامتكِ وكأنه العيد، أتخيل نفسي وأنا أحدثك عن كل الذين جاءوا لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليك ياجدتي، كنتُ أتخيل أني سأخبرك عن صبرنا وتماسكنا أمام جثمانكِ دون أن نعلن الحزن بصوتٍ عالٍ لأجل أن ننفذ وصيتكِ بأن لا يصدر أي صوتٍ منا عندما تزفين إلى مثواك الأخير، كنت أتخيل يا جدتي أني سأخبرك بأن كل شيء سار كما تريدين، أتخيل أني سأخبرك عن كل تفاصيل اليوم، ولكن أنى لي بذلك يا جدتي.
لو تعرفين كم وجدت نفسي أني الأكثر حظًا حين كنتُ أنا من تلت لكِ سورة (يـس) التي تحبين، وكنت أتخيلك وأنت تمطرينني بدعواتك: "الله يرضى عليك يا ستي، الله يفتح عليك"، وحتى عندما أتأمل صوركِ التي تضحكين بها أتخيلك وأنت تحضنينا جميعًا بدعواتك التي لا مثيل لها.
أفلت شمس حياتنا بعد اليوم، واختفت ضحكة جمعاتنا برحيلك يا جدتي، رحلت بهدوئك المعتاد دون أن تزعجي أحدًا، فلم يشعر أحدهم بموتكِ رغم أنك كنتِ في أيامك الأخيرة تودعينا جميعًا دون أن ندري، كنت تطلبي يد كل من يزورك وكأنك تصافحينا قبل أن يأذن الله برحيلك عنا، كنت تتفقدين كل أحدٍ منا دون أن تخونك ذاكرتك أمام أي أحد.
رحيلك أرهق قلوبنا جميعًا وزلزل كياننا جميعًا من أكبر أبنائك حتى أصغر أحفادكِ ولكن عزاؤنا فيكِ ما شهدنا من كراماتٍ اصطفاك الله بها بعد موتك، نفقد ضحكاتك وثغرك الباسم، نفقد وجه البهاء، وكلماتك التي كأنها انتقاء، نفقد دعواتك وصلواتك، نفقد رائحتك وصوتك الذي لا يغيب عنا، نفقد لمستكِ الندية حين تُمسِّد فوق رؤوسنا وأنت ترتلين القرآن.
برحيلك يا جدتي يعلمني الله معنى الفقد بعد خمس وعشرين عامًا من عمري؛ لم أفقد أحد أفراد البيت فحسب، ولكني فقدت جزءًا من وتيني برحيلك يا جدتي.
برحيلك يا جدتي فقدت وإخوتي جدودي الأربعة الذين لم نعرف أحدًا منهم سواكِ، فقدنا أحاديثك عن جدنا لأبينا باعتباره عمك الذي كان يُودك كثيرًا، والذي عرفناه من حكاياتك أنه واصلًا لرحمه يتفقد ابنة أخيه، وأحاديثك عن جدتنا الأخرى التي صورتها لنا بأبهى صورة كذلك، كما نفقد الحديث عن جدنا الذي هو زوجك والمشهور بحُسن خُلقه وطِيب معشره وجوده العامر.
اليوم نفقدك يا جدتي جميعًا أبناءً وأحفادًا ونحن نفقد الكثير منا، أثقلت كاهلنا برحيلك، وهذا قدر الله في أرضه وحكمه على جميع خلقه، ولا اعتراض على حكمه ولا راد لقضائه وقدره، فله الحمد والمنة، ولك نسأله الجنة، وألهمنا الصبر والسلوان.
نامي قريرة العين، هنيئة البال، فلقد كفيتِ ووفيت يا أم أحمد، وأم محمد، وأم عدنان، وأم غسان، وأم أرسلان، وأم هيام، وأم هالة، وأمنا جميعًا.
ختامًا يا جدتي أود أن أخبرك كم أني فخورة أني انتميت وإياك إلى ذات العائلة، وما يزيدني فخرًا أني كنتُ من صُلب عمكِ الذي حدثتنا عنه طويلًا، أني من ذريته الأولى، وأحمل اسمه يتلو اسم والدي:
مريم محمد خليل السقا
السبت 28/4/2018م
الفاتحة