قال تعالى " كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)" من سورة آل عمران
وغابت شمس عميد العائلة " أبو أحمد" ليلقى الله سبحانه وتعالى راضياً مرضياً بعد أن أمضى تسعين عاماً في البر والإحسان والخير، وندعو الله أن يكون من الفائزين ويُدخله الجنة.
إننا اليوم لا نرثي رجلاً عادياً أو شخصاً عابراً، بل أحد رموز عائلة الأغا، وقطاع غزة بل وفلسطين بأسرها، عرفه القاصي والداني بخلقه الرفيع، ومكانته العالية، وإسهاماته المتفردة وعلاقاته الخاصة والعامة، ليصبح رمزاً نعتز به كعائلة الأغا.
نقف اليوم بكل المشاعر الجياشة والمؤلمة، لنرثي رجلاً ونِعم الرجال، ووطنياً مميزاً، وإنساناً يحمل في جنباته معاني الإنسانية، إنه رجل قدّم لعائلته الكثير من السلوكيات والإخلاقيات والقيم التي أصبحت منهاج حياة لمن كان قريباً منه أو سمع عنه.
إن حياته لم تبدأ منذ أن أصبح عميداً قبل سنوات معدودة، بل حياته منذ أن كان يافعاً وإلى اليوم، ستذكره الإجيال القادمة وستفتقده كذلك في كل المناسبات الاجتماعية التي كان داعماً لها، وحاثاً الشباب والشابات على أن يكونوا متفوقين دوماً، فرصيد العائلة كبير، ولعليكم إكمال المشوار.
وديع الأغا " الخال أبو أحمد" عمل ليل نهار لخدمة أبناء مدينته منذ أن كان يافعاً وإلى أن انتقلت روحه إلى خالقها، كان كبيراً في صغره، يُجالس الكبار في ديوان العائلة ليستمع إلى أقوالهم ويرى أفعالهم، لبس وهو صغير " القمباز" ليعلن أنه رجل، فكان شقيقه يصطحبه للديوان يومياً، فتعلّم الكثير، وكأن القدر بدأ يرتب له ما وصل إليه من مكانة منذ صغر سنّه.
أذكر أن والدته الحاجة " شكرية" رحمها الله قالت لي بأن خالك وديع كان يذهب للديوان وعمره لا يتجاوز العشر سنوات، فالبعض كان يطلب منه الذهاب للبيت، ويرفض، ويخرجوه من الديوان، ويبقى جالساً في طرف الديوان، إلى أن أصبح صدر المكان له، وهو يستحقه، فأصبح الديوان جزءاً من حياته، بل حياته كلها إلى أن صعدت روحه إلى بارئها.
كان حنوناً جداً باراً لوالدته، محباً لها، ومصغياً لحديثها، وبالمقابل كانت راضية عنه رضى يفوق الحدود، لأنه كان مطواعاً، وقريباً جداً منها ومن كل أرحامه دون استثناء، فزياراته العيدية للجميع لا تنتهي أبداً منذ الصباح، وإلى المساء، معتبراً العيدية جزءاً من ضرورات العيد، فلم يُقصر مع أحد أبداً.
وديع الأغا " أبو أحمد" واحد من عظماء العائلة – وهم كُثر- الذين رسّخوا الكثير من القيم الأصيلة، والعادات الحسنة، والتي أصبحت منهاج حياة بالنسبة إليه، فعلى درب السابقين امتشق سيف الوطنية وكان له العديد من المساهمات في الانتفاضة الأولى دون أن يعلم به أحد، فأمدها بالمال والطعام والإيواء، وعلى مبدأ الكرم، كان من أكثر رجالات العائلة إقراء للضيف في رمضان وغير رمضان، ومازلت أذكر بأنه لم يتناول طعام الإفطار في رمضان مع أبنائه في فترة السبعينيات وحتى التسعينيات، فكان الطعام يُطهى في بيت والدته رحمها الله " الحاجة شكرية شراب" ثم يُنقل إلى ديوان العائلة، وسألته ذات يوم لماذا تقوم بهذا العمل، فقال: ربما تأخر صائم دون أن يلحق بأهله سواء في المدينة، أو خارجها، فكان يتناول الطعام مع الفقراء وغيرهم ممن يفدون للديوان والذي يقع وسط المدينة داخل قلعة برقوق.
الخال " أبو أحمد " أحد أبرز من أنجبت خان يونس ، يُضاف إلى قائمة العظماء من أبنائها البررة الذين عملوا من أجلها دون صوت أو صورة، ودون رغبة أن يُقال عنه أنه فعل كذا أو كذا.
وديع الأغا، رجل ولكن ليس ككل الرجال، جاب القطاع من شرقه لغربه، ومن شماله لجنوبه، مشاركاً أبناء القطاع أحزانهم وأفراحهم، فما أن ينتصب في المكان إلا وقد أفسح له الجميع الأماكن، هكذا كان دون كِبْر، بل ويزداد تواضعاً وخجلاً من أي عمل فيه نوع من التمييز عن الآخرين، لهذا أحبه الجميع. فما تركه للعائلة من سلوكيات في حسن التعامل مع الآخرين، من تقدير واحترام ووفاء، يُسجل بأحرف من نور، فصفحات حياته مليئة بالإيجابيات وتتقاطر منها صور من العطاء اللامحدود في كافة المجالات ، وهذا يسمح لنا أن نضعه في مرتبة عالية لا تساويها منزلة إلا الشهداء.
إن مسيرة تسعين عاماً لا يمكننا أن نسوقها في أسطر محدودة، ولكننا نذكر منها شذرات للأجيال، لنمنحه جزءاً مما يستحق هذا الإنسان الكبير في صغره، والكريم في عطائه، والصديق في تعاملاته، والصاحب في رفقته، والحبيب لكل محبيه.
إن وديع الأغا الذي علمته الحياة أكثر مما علمته المدارس والجامعات، يمثل موسوعة فكرية كبرى في جميع مناحي الحياة، سياسياً، واقتصادياً واجتماعياً، ترك بصماته بعد رحيله في مدينة خان يونس من الصعب جداً أن تزول، وتركت في الأجيال القادمة بصمات سيسير عليها الجيل القادم.
إننا كعائلة الأغا في مدنة خان يونس وفي أصقاع العالم، نُعزي أنفسنا بوفاة عميدنا، ولا نقول إلا ما يُرض ربنا " لا حول ولا قوة إلا بالله"
إنني وفي هذه العجالة، ابتعدت كثيراً عن علاقاته الاجتماعية التي كانت تربطه بنا كأبناء الشيخ زكريا الأغا" حتى لا أحولها إلى رثاء شخصي، ولكني أذكره منذ أن تعرفت على كلمة " خال" فرحمك الله يا خالي، وأحسن إليك، وأثابك خيراً لخير قدمته لمن يستحق في حياتك
باسم أبناء شقيقته، ( زينات – وأبناء حياة – ويحيى ومحمد وسلام) أتقدم بالعزاء ولكن عزاؤنا لأبنائه وبناته، ولكل الأقارب والأنساب وكل المحبين له ولنا كعائلة.
وبإذن الله ستشرق شمس جديدة تسير على نهج العميد.
[1] مجدي بديع توفيق نصري دحدوح | عزاء ومواساة | 08-08-2020
[2] د.منذر فخري مصطفي الاغا | عزاء و مواساه | 08-08-2020