انتقل يوم امس الى رحمة الله تعالى الاسير الاول محمود بكر حجازي
وكان سبق لي شرف ان رافقته في نفس الزنزانة في سجن الرملة في اواخر عام ١٩٦٩
ولي قصة طريفة معه لكنها زاخرة بالمعاني الوطنيه.
اليك ما تحمله الذاكره :
في اواخر عام ١٩٦٩ تم نقلي من سجن المسكوبية الى سجن الرمله (قسم المستشفى)حيث كنت لا زلت اعاني وضعا صحيا متدهوراًً لكثرة الجراح، وكانت ساقي اليمنى قد بُترت.
وبعد قرابة الشهر تقرر نقلي الى زنازين (الفتخ) هكذا كانوا يسمون منطقة عنابر وزنازين اسرى الثورة الفلسطينيه بصرف النظر عن اي تنظيم ينتمي له الاسير.
كنت اتحرك بصعوبة بساق واحدة، وكانت يدي اليسرى تعاني من اصابات شديدة واجريت لي فيها عمليات دقيقه.
مع ذلك كان علي ان انتقل بساقي الواحدة مرتكزا على مثلث خشبي اتكىءُ عليه واقفز لكل خطوة اتحركها للامام.
اوصلني الشرطي الى باب احد العنابر وفتح زميله لي الباب المكون من قضبان ووقفت عند العتبه وكان علي ان انزل درجه.
واذا باحد اسرانا يتقدم نحوي من داخل الزنزانه، فينزل على ركبته (لدهشتي الشديده) ويمسك بيده ساقي المبتورة ويقبلها قائلا : نقبل هذه الساق التي بُترت لاجل الوطن.
وما ان دققت في ملامحه وانا اغالب دمعتي لشدة التاثر بهذا الموقف العاطفي الذي فاجأني، و المشحون حتى النخاع بكل معاني النبل والدفء والوطنية الصادقه، ليتبين لي انه الاسير الاول محمود بكر حجازي.الذي كنا نعلق صورته بكل حب وفخر واعتزاز في قواعدنا الى جانب صورة الشهيد الاول احمد موسى، وكانا بالنسبة لنا نبراسين نحتذي بهما وتصل مكانتهما في قلوبنا الى حد القداسه
لاجد نفسي في لحظة ما من زمن النضال وجهاً لوجه مع هذا الرمز الكبير في مثل هذا الموقف العاطفي الوطني الانساني بلا حدود.
الى جنة الخلد يا من تبقى ذكراه وذكرى امثاله الابطال تعمر قلوب ابناء شعبنا الابي الوفي لكل من ضحى من أجل كرامة هذا الشعب العظيم ومن أجل حرية وطننا المقدس.
منير غنام
[1] يحيى زكريا اسعيد الأغا | سيرة ومسيرة ووفاء | 24-03-2021