بسم الله الرحمن الرحيم
رحيلُ الدكتور أبوهاني يُذَكِّرُنَا بجُملةٍ من الدروسِ والمعاني
بقلم عبدالعال محمد الأسطل
الحمدُ للهِ الذيْ خلقَ الموتَ والحياةَ لِيَبْلُوكم أيُّكم أحسنُ عملًا، والصلاةُ والسلامُ على من قال له ربُّه: " إنَّكَ مَيِّتٌ، وإنَّهُمْ مَيِّتُون"، أمَّا بعدُ:-
فقد تهيَّبْتُ أنْ أمسكَ بالقلم، وأنا أُقلِّبُ النظرَ والفِكْرَ ذاتَ اليمينِ وذاتَ الشمال في مصابنا الجَلَلْ، برحيلِ العم الحبيب الدكتور نعيم، الذي نزلَ كصاعقةٍ لم نتهيَّأ لقدومها، ولم نستعدَّ لمواجهتها، لكنْ أنَّى لعبدٍ ذلك؟ ونحنُ نرى لونًا من ألوانِ قهرِ الله لعباده، الذي يخلُقُ ما يشاءُ ويختار، ولا يُسألُ عمَّا يفعلُ وهم يُسألون؛ لا أدري ماذا أكتب، وأيَّ شيءٍ أُثْبِتُ في حقِّ هذا الرَّجلُ الكبير؟!، حتى هدانيَ الحكيمُ الخبيرُ لتسطيرِ هذه الكلمات، مستمدًا منه العونَ والتوفيق. إنَّ مشهد رحيل العم الحبيب الهانئِ أبي هاني، يحملُ في طياته كثيرًا من الدروسِ والمعاني، ويختصرُ حياةَ رجلٍ شقَّ طريق التميُّز بإتقان، وعبَّدهُ بالبرِّ والإحسان، والتماسِ رضا الرحمن؛ فكانَ بحقٍّ – فيما نحسبه ولا نزكيه – شاكرًا لأنْعُمِهِ، مؤمنًا بوعدِ الله لعبادهِ بالزيادة بعد الشُّكران؛ فكانَ يتقلَّب من نعمةٍ لأختها بذلك الإيمان، وذلكَ عطاءُ اللهُ، وما كانَ عطاءُ ربِّكَ محظورًا. لقد فَضَحَ الموتُ الدُّنيا؛ فلم يُبْقِ لأحدٍ عزيزًا، ولم يُخَلِّ لحبيبٍ حبيبًا، وقد سمَّاهُ القرآنُ مصيبةً؛ لكنه قدرُ الله، وفيه التذكرةُ بأنَّ إلى ربِّكَ الرُّجعى، وأنَّ مَثَلَ هذه الدنيا كشجرةٍ في فلاةٍ، رمقها مسافرٌ ظمآنٌ من بعيدٍ؛ فاستظلَّ بها، وأكلَ من ثمرها؛ ليتقوى على مواصلةِ المسير؛ فلم يغفل عن الغاية، ولم يرْكن للظلِّ ولا لثمر الشجرة! ففي ذلك الهلاك، والخسرانُ المبين. والموتُ بوابةُ لقاء الله تعالى لا مَفَرَّ؛ فلنحسنْ القدومَ عليه جلَّ جلاله، لنكونَ بإذنه ممَّن لا يَحزُنهم الفزع الأكبر، وتتلقاهم الملائكة مُطَمْئِنِيْنَ مُهَنِّئِيْنَ قائلين: هذا يومكم الذي كُنتم توعدون؛ فقد أذْهبْ ربُّنا عنَّا الحَزَنَ، وأحلَّنا دارَ المُقامة منْ فضله، لا يَمَسُّنا فيها نَصَبٌ، ولا يَمَسُّنا فيها لُغُوب.
لقدْ وَعظَنَا العمُ أبوهاني بأنَّهُ لا ندامةَ على مالٍ ذهب لإسعادِ فقيرٍ، أو سدِّ حاجةِ مسكين، أو إسهامٍ في مشاريع الدنيا والدين، وهذا ما نطقتْ به جنازتهُ المهيبة، بتلك الجموعِ الغفيرةِ، التي تثاقلتْ أنْ تُفارق أقدامها المِقبرة بعد أنْ وُسِّدَ الثَّرى، وهي تدعو له بالثبات والرِّضوان، وقلوبها منفطرةٌ على بسمةٍ لم تُفارق وجهه، ودعابةٍ لم يضنَّ بها على من حوله، وإحسانٍ شهدَ به كلُّ من عرَفه! بما يُبشِّرُ إنْ شاء الله بكرامةِ الرَّجُل على ربِّه، كيفَ لا، واللهُ يحبُّ المحسنين؟!. لله درُّه، وأنا أبصرُهُ والأحبابُ حوله، وهو مُسجًّى نائمًا هانئًا آمنًا، مُسفر الوجهِ، ضاحكَ الثَّغر، قد أشعَّ النورُ من بين عينيه، وأشرَقَ -ما أُطْلِعَ عليه من نعيمٍ ينتظرهُ - بين جنبيه؛ فهو بإذن الله ممَّن لا خوفٌ عليهمْ فيما هو آت، ولا ممَّن يحزنونَ على شيءٍ فات. وختامًا.. إلى عموم المحبِّين، وعائلته بشكلٍ خاص، صبَّركم الله وثبَّتكم، وأفرغ عليكم رضًا بقضائه، مذكِّرًا بالإكثار من الدعاء له ولموتى المسلمين، وصلةِ أهل ودُّه، وإكمال مسيرته في الخير والعطاء، تلك المسيرة الطيبة التي بدأها الآباءُ والأجدادُ ؛ فأثمرتْ ذريةً طيبة، والله يتولاكم. عمنا الحبيب أبوهاني، طبْتَ حيًّا وميِّتًا، وأسألُ الله العظيمْ أنْ يكتبك في الفردوسِ الأعلى من الجنة، وأنْ يُخلفكَ في أهلك وأحبابك ومنْ كُنتَ لهم سندًا وعونًا بخير، وأنْ يجمعنا بك وأحبابنا في الفردوس الأعلى من الجنَّة، صحبةَ النبيين والصديقين والشهداءِ والصالحين، وحسُنَ أولئك رفيقًا.
حرر ليلة الثلاثاء 13 شوال 1442ه الموافق 25/05/2021م