بسم الله الرحمن الرحيم
صدقة الفطر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين , محمد ابن عبد الله المبعوث رحمة للعالمين , وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ، ومن اهتدى بهديه وأستنَ بسنته إلى يوم الدين وبعد :
أخي القارئ الكريم سأتحدث إليك بهذه الكلمات القليلة عن خمسة نقاط مهمة في صدقة الفطر وهي : ـ
1 ـ حكمها .
2 ـ على من تجب .
3 ـ الحكمة من تشريعها .
4 ـ وقت إخراجها .
5 ـ إخراجها نقدا .
أقول وبالله التوفيق مستعينا ببعض أقوال العلماء وبعض فتاويهم في هذه المسألة .
أولا : ـ حكمها
صدقة الفطر واجبة على كل مسلم تلزمه مؤنة نفسه إذا فضل عنده عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته
والأصل في ذلك ما ثبت عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: ( فرض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – زكاة الفطر صاعاً من تمر ، أو صاعاً من شعير ، على العبد والحر ، والذكر والأنثى ، والصغير والكبير من المسلمين ، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ) أي صلاة العيد .
ويجزئ صاع من قوت البلد مثل الأرز ونحوه ، والمقصود بالصاع هنا : صاع النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وهو أربع حفنات بكفي رجل معتدل الخلقة . وإذا ترك إخراج زكاة الفطر أثم ووجب عليه القضاء .
وإذا كان المسلم محتاجا لا يملك نصاب الزكاة فوجب عليه إخراجها أيضا مما دفع له من صدقات الناس .
ثانيا : ـ على من تجب
تجب صدقة الفطر كما ذكر في الحديث السابق على كافة المسلمين الحر والعبد ، الذكر والأنثى ، الصغير والكبير يخرجها رب الأسرة عن كل من تحت رعايته أو من هو مسئول عن النفقة عليهم وإن كان فيهم أحدا من غير أهله، حتى وإن كان رب الأسرة إمرأه أو صبي ، يخرجها عن من صام من عياله وعن من لم يصم من الأطفال والمرضى الذين لم يستطيعوا الصوم .
أما عن الجنين في بطن أمه فقد قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى(1474) الجزء التاسع ص 366) يستحب إخراجها لفعل عثمان رضي الله عنه ولا تجب عليه لعدم الدليل في ذلك . انتهى كلامهم .
والأحوط أن تدفع إذا بلغ حمل الجنين أربعة أشهر فما فوق .
ثالثا : ـ الحكمة من تشريعها
الحكمة من تشريع زكاة الفطر هو تطهير الصائم من اللغو والرفث ، حيث روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمه للمساكين.
وذلك أن الصائم في الغالب لا يخلو من الخوض واللهو ولغو الكلام ، فتكون هذه الصدقة تطهيراً للصائم مما وقع فيه من هذه الألفاظ المحرمة أو المكروهة، التي تنقص الصيام.
والقصد من زكاة الفطر كذلك التوسعة على المساكين، و الفقراء المعوزين، وإغناؤهم يوم العيد عن السؤال الذي فيه ذل وهوان في يوم العيد الذي هو فرح وسرور, ليشاركوا بقية الناس فرحتهم بالعيد ، ولهذا ورد في بعض الأحاديث:( أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم )
ومعنى الحديث: يعني أطعموهم وسدوا حاجتهم، حتى يستغنوا عن السؤال في يوم العيد، الذي هو يوم فرح وسرور.
ويجوز أن تقسم زكاة الفطر على عدة فقراء ، فإذا كان الفقراء كثيرين جاز أن توزع عليهم زكاة شخص واحد، كما يجوز أن يعطى الفقير الواحد زكاة عدد من المزكين.
رابعا : ـ وقت إخراجها
روى ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات " ويجوز إخراجها قبل صلاة العيد بيوم أو يومين لما رواه ابن عمر - رضي الله عنهما – قال : ( فرض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صدقة الفطر من رمضان .. ) ، وقال في آخر الحديث ( وكانوا يعطون قبل ذلك بيوم أو يومين ) . فمن أخرها عن وقتها فقد أثم وعليه أن يتوب من تأخيره .
خامسا : ـ إخراجها نقدا
إخراج القيمة في زكاة الفطر اختلف فيها العلماء على قولين :
الأول : المنع من ذلك . قال به الأئمة الثلاثة مالك ، والشافعي ، وأحمد ، واستدلوا بحديث عبد الله بن عمر في الصحيحين " فرض رسول الله زكاة الفطر صاعاً من تمر ، أو صاعاً من بر ، أو صاعاً من شعير على الصغير والكبير من المسلمين . ووجه استدلالهم من الحديث : لو كانت القيمة يجوز إخراجها في زكاة الفطر لذكرها رسول الله – صلى الله عليه وسلم ــ .
والقول الثاني : يجوز إخراج القيمة ( نقوداً ) في زكاة الفطر ، قال به الإمام أبو حنيفة وأصحابه ، وقال به من التابعين سفيان الثوري ، والحسن البصري ، والخليفة عمر ابن عبد العزيز ، وروي عن بعض الصحابة كمعاوية بن أبي سفيان ، حيث قال : " إني لأرى مدين ــ ضم الميم وتشديد الدال ــ مدين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر " ، وقال الحسن البصري : " لا بأس أن تعطى الدراهم في صدقة الفطر " ، ومما سبق يتبين أن الخلاف قديم وفي الأمر سعة ، فإخراج أحد الأصناف المذكورة في الحديث يكون في حال ما إذا كان الفقير يسد حاجته الطعام في ذلك اليوم يوم العيد ، وإخراج القيمة يجوز في حال ما إذا كانت النقود أنفع للفقير كما هو الحال في معظم بلدان العالم اليوم ، ولعل حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " أغنوهم في هذا اليوم" ، يؤيد هذا القول ؛ لأن حاجة الفقير الآن لا تقتصر على الطعام فقط ، بل تتعداه إلى اللباس وغيره فيجوز إخراج النقود في زكاة الفطر للحاجة القائمة والملموسة للفقير اليوم وذلك للأسباب التالية
1- أنه لم يثبت عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ ولا عن أحد من الصحابة نص في تحريم دفع القيمة .
2- الأحاديث الواردة في النص هي أصناف معينة من الطعام لا تفيد تحريم ما سواها، بدليل أن الصحابة _رضي الله عنهم_ أجازوا إخراج القمح - وهو غير منصوص عليه في الأحاديث , فإذا جاز إخراج القمح الذي لم يذكره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فالأولى أن يتم إخراجها نقدا وذلك حسب حاجة الناس , وحاجة الناس اليوم إلى المال أكثر منه إلى أي شيء آخر .
3- ذهب أكثر الصحابة في عهد معاوية إلى جواز إخراج نصف صاع من سمراء الشام بدلاً من صاع من تمر ، فهذا دليل على أنهم يرون نصف الصاع معادلاً في القيمة للصاع من التمر أو الشعير ونحو ذلك .
4- أن المقصود من الزكاة إغناء الفقراء والمال أنفع لبعضهم من الطعام .
5- كثير من الفقراء يأخذ الطعام ويبيعه بأقل من ثمنه ، فلا هو انتفع بالطعام ولا هو أخذ قيمته .
وعلى أية حال فمن أخرج صدقة الفطر عينا فقد أصاب السنه , ومن أخرجها نقدا فقد حصل له الأجر والثواب ولا أعلم انه قد أصاب السنه .
ولكن ما هي القيمة أو المبلغ النقدي الذي يجب أن يدفعه المسلم للفقراء بدلا من المواد العينية ، لقد أفتى فضيلة الشيخ مفتي القدس والديار الفلسطينية بأن قيمة صدقة الفطر هذا العام هي (ثمانية شواكل) في فلسطين ولا أعلم كم هي في باقي البلدان الأخرى ، والذي أود الإشارة إليه هنا أن هذا المبلغ المذكور هو أقل مبلغ يمكن أن يدفعه المسلم كصدقة للفطر ، أما أكثر مبلغ يمكن أن يدفع فلا أرى انه يمكن تحديد هذا المبلغ .
دعني أخي القارئ الكريم أضرب لك مثلا ــ وبالأمثال تتضح الأحوال ــ رجل صلى ركعتين من قيام الليل أو التراويح خلف إمام فقرأ في كل ركعة ثلاثين آية , ورجل صلى خلف إمام ركعتين فقرأ في كل ركعة ثلاث آيات ، فهل الأجر والثواب الذي حصل عليه الرجل الأول هو نفس الأجر والثواب الذي حصل عليه الرجل الثاني والله اعلم بمن قبلت صلاته من الذي لم تقبل , لكن ظاهر الأمر أن الأجر والثواب مختلف تماما.
وكذلك صدقة الفطر فالذي يتقاضى راتب ألف دينار أيدفع مثل الذي يتقاضى راتب مئتي دينار, أو الذي يتقاضى راتب خمسمائة دينار , فالأمر مختلف تماما إن اقل مبلغ نقدي يجب على المسلم أن يدفعه هو ذلك المبلغ الذي يقدره مفتي الديار وأما أنت أخي المسلم فقدر لنفسك المبلغ الذي يجب أن تدفعه , فإن من الناس من يستطيع أن يدفع مائة دينار عن كل فرد من أفراد أسرته , وإن منهم من يستطيع أن يدفع أكثر فالأمر متروك لك , فالأجر على قدر ما تقدم , وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا، والله أعلم ، هذا ما قدرني الله عليه فإن كنت قد أصبت فمن الله وإن كنت قد أخطأت فمن نفسي والشيطان ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
المراجع والفتاوى التي تم الاقتباس منها: ـ
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الجزء التاسع
فضيلة الشيخ د. عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
أ.د. سعود بن عبد الله الفنيسان
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان
[1] Hassan Jawdat Ahmed AL shorbahi | جزاك الله خيرا | 12-09-2009
[2] أشرف كامل حسن الشوربجي | بارك الله فيك | 13-09-2009
[3] فتحي خالد حسين الاغا | أصبت فأجدت | 13-09-2009
[4] أحمد منير حمدي الأغا | استدراك على زكاة الفطر.. | 14-09-2009