المبالغة في نظرية المؤامرة حرمت المسلمين الكثير وهي تصلح لتفسير السياسة... أكثر منه في الدين .
لقد أكد الكثيرون من المفكرين والدعاة في العالم الإسلامي عامة و الدكتور سلمان بن فهد العودة خاصة _ المفكر الإسلامي والداعية الشهير_أن المبالغة في نظرية المؤامرة حرمت المسلمين الكثير من المستجدات, وأصبحنا في هذا العصر ضحايا نقص المعرفة والوعي فالإيمان يمنحنا الثقة بالنفس وليس الخوف المفرط وأوضح في محاضرته في كلية المعلمين بالطائف عن « التربية والمتغيرات» أن الحياة البشرية تتغير والتربية هي الاقتباس من هدي القرآن والسنة والقيم والأخلاق. وليس صحيحا أن التدين يعني أن نضع واقعا مختلفا عن واقع الناس, ومن الخطأ أن نضع بعض أنماط التربية نطاقا محكما لمجموعة من الناس وتحكم عليهم العزلة مشيراً أن الوعظ الديني ينبغي أن لا يكون وعظا يزهد الناس في الحياة..
مفاهيم خاطئة...
وتطرق خلال حديثه إلى العديد من المفاهيم الخاطئة في التدين والتغيير وذكر حورا لها ومضى قائلا : لا شك أن الإسلام بل والديانات والرسل كلهم جاءوا لصناعة التربية وبناء الإنسان ويكفينا في هذا المقام الاستشهاد بقوله تعالى في سورة آل عمران آية رقم79: ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون» فقوله كونوا ربانيين أي منسوبين إلى الرب ,أو منسوبين إلى التربية, فمهمتهم التربية .ولذلك قال غير واحد من السلف في تفسير هذه الآية الكريمة « الربانيون هم الذين يعلمون الناس بصغار العلم قبل كباره» وقد يبدو هذا التفسير غريبا عند البعض لأنهم يرون أن البدء بالكبار هو الأولى ولكن الواقع في التربية هو إعداد النشء , وإنك تجد في محكم التنزيل قوله تعالى في سورة الزمر39/18: « الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه» محل القول قول الناس وقول الحكماء فالدين هنا جاء ليبني الحياة وليس ليهدمها فالذي خلق الحياة هو الذي أنزل القرآن وبعث الرسل من أجل أن يربوا الناس على كيفية استثمار الحياة وبنائها فيما يحب الله ويرضى, وفي مصالح الدنيا ومصالح الآخرة.
ومن هنا كان الوعظ الديني ينبغي ألا يكون وعظا ينقل الناس من الحياة ولا يزهدهم في الحياة كلها وإنما يزهدهم في الفضول أو فيما لا حاجة فيه ولذلك كان سفيان الثوري يقول: إن السلف كانوا يقولون اللهم زهدنا في الدنيا ووسعها علينا, فهنا ليس المقصود بالزهد هو أن نهدم الحياة . وأضاف إن الوعظ الديني الحقيقي هو الذي يبعث في الناس روح الحياة وروح العمل .
وأما فيما يتعلق بموضوع التغيير فهنا نجد في القرآن وفي السنة وفي التاريخ إشارات واضحة إلى التغيير, وإنه سنة إلهية حتمية لا بد منها سواء كان تغييرا إيجابيا نحو الأفضل أو نحو الأسوأ. فالحياة البشرية تتغير... ومن سنة الله أن تتغير فلا تستقر وكما قال تعالى في سورة الرحمن: « كل يوم هو في شأن» وهي في تحول دائم في الفقر والغنى .. والصحة والمرض.. والحرب والسلام.. والعلم والجهل.. فالتربية ليست لونا واحدا وليست أمراً مفروغا منه وإنما هي اقتباس من هدي القرآن والسنة والقيم والمعاني والأخلاق, مما يلاءم واقع الناس ويناسبهم .
إذا فالتربية هي الترقي بالإنسان إلى مستواه ولماله المقدر له شيئا فشيئا بطريقة تدريجية.
ومن خلال ما تقدم يتبين أن التربية عبارة عن ترسيخ القيم والثوابت والضروريات الأخلاقية فلا شيء يفرقنا عن غيرنا من شعوب العالم كمسلمين إلا القيم والثوابت والمحكمات التي تحدد الهوية الإسلامية . ومن ثم هناك جانب آخر في التربية وهو تعليم الإنسان القدرة على التكيف والتعامل مع الواقع المتغير.
والدين أيها الأحبة ينظر إلى الحياة نظرة واقعية, و ليس صحيحا أن نتخيل دائما أن التدين يعني أن نصنع واقعا مختلفا عن واقع الناس ونبني مجتمعا جديدا ونقدم لهم وصفة مختلفة فالدين يتعامل مع الواقع كما هو ويسعى في الإصلاح بقدر الممكن والإصلاح ليس إصلاحا مثاليا بل إصلاحا بقدر ما يتحمله الناس.
قال تعالى في سورة هود11/88 .. وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله علية توكلت وإلية أنيب...
إذا عملية الإصلاح عملية مطلوبة لكنها مرهونة بالإمكانيات والقدرات وفرص التغيير الحياتية الممكنة على ضوء واقع الناس. أما التعسف أحيانا أو افتراضا أن يبني واقعا ويهدم الواقع الآخر تماما , فهذا شيء غير واقعي وإنما كان الرسل والأنبياء يأتون إلى أقوامهم ويرعونهم ويصبرون عليهم ويحاورونهم ويناقشونهم من خلال الصبر والرحمة فنرى ذلك واضحا جليا في الآية 159 من سورة آل عمران رقم 3 ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين)
ومن البديهي أن الإيمان يمنحنا الثقة وليس الخوف المفرط مما عند الآخرين وألا نبالغ فيما يسمى بنظرية المؤامرة وتصميمها وأعتقد أن نظرية المؤامرة تصلح غالبا لتفسير السياسة, فالمبالغة في موضوع المؤامرة حرمت المسلمين كثيرا من المستجدات بشكل هادئ وواقعي ومؤلم...
وعليه أننا وفي هذا العصر الذي أصبحنا فيه ضحايا نقص المعرفة ونقص الوعي والتفكير رغم كثرة الإمكانات والوسائل العلمية والتعليمية والتقنية المتعددة والمتطورة فمن منا لا يملك اليوم أي نوع من الأجهزة المحمولة والمسموعة والمرئية ، فلماذا نثور ضد التغيير والتقويم والإصلاح وهذه من سمات ديننا الحنيف ومن صفات الله سبحانه وتعالى .
أي لاحظ أخي المسلم التغيير دائم ومستمر وأدواته... على سبيل المثال لا الحصر.. الكاف والنون ،اللحظة ، الثانية ،الدقيقة ،الساعة ، اليوم ، الأسبوع ، الشهر ،السنة ،العام ،القرن ، الدهر، مدى الحياة، مدى الدهر .... الخ .
وبالرجوع إلى سورة طه أيه 43 ،44 نرى العجب العجاب في أمر من أوامر الله عز وجل لسيدنا موسى وأخيه هارون بذهابهم إلى من جعله الله أية لمن يعتبر ولا يعتبر... إلى فرعون وما أدراك ما فرعون.. قال تعالى ..(اذهبا إلى فرعون إنه طغى * فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى )
اللهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين.... اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون ولا يصبرون...اللهم ألف بيننا ويسر أمرنا وفرج كربنا وألف بين قلوبنا وقلوب المؤمنين ... ولا تجعلنا فتنه للذين امنوا... وانزع الغل والحقد والبغضاء والشحناء من بيننا ومن قلوبنا وقلوب المسلمين... ولا تجعل بأسنا بينا شديد وأجعله بيننا وبين أعدائنا...اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة واجعلنا من الآمنين ...اللهم اقطع دابر الفساد والمفسدين في بلدنا هذا خاصة وفي سائر بلاد المسلمين .... اللهم أصلح من في صلاحه صلاح للإسلام والمسلمين وأهلك من في هلاكه صلاح للإسلام والمسلمين ..... آمين ...آمين.