بطاقة حب للدخول في الرحاب الإلهية
نبيل خالد الآغا - الدوحة
ربما تكون - أو لا تكون - جرّبت الحب الدنيوي القائم على الغريزة الجنسية، أو الشهوة المادية، وهما سريعتا التلاشي والذوبان فور انقضاء الهدف المنفعي لكليهما. ولكن.. هل تذوقت طعم الحب المطلق في الذات الإلهية؟ وهل جربت ممارسة الحب الحقيقي الصادق مع محبي هذا النوع المتفرد من العشق والتهيام؟ وهل جربت حقا ان يكون حبك لأخيك الإنسان خالصا لوجه الله الكريم؟ نقيا طاهرا لا تشوبه ذرة رياء، ولا تدنسه نأمة مصالح ذاتية مشبوهة؟
إذا لم تكن فعلت ذلك من قبل فإنني أوجه اليك بطاقة أدعوك فيها - بل أناشدك - الدخول الى الرحاب الإلهية المقدسة، ومن ثم تنطلق منها لممارسة محبتك لأصدقائك وخلانك على القاعدة الروحية ذاتها، وعندئذ ستتوهج في أعماقك أضواء نورانية لم تعهدها في سابق حياتك.
أرجوك.. لا تتهيب ولا تتردد لا.. ولا تسوف، اقتحم بإرادتك الفولاذية كل البوابات العنكبوتية الواهية، وستجد جند الله تعالى وقوفا الى جانبك، يؤازرون خطوتك، ويباركون ارادتك.. ويؤيدون نهجك في الحب لأنه يعني الصفاء، والمحبة هي غليان القلب عند الاحتياج للقاء المحبوب كما يقول أهل اللغة.
فأنت ـ ان فعلت ذلك ـ بمصداقية وصفاء نية ـ تكون قد أطعت الله تعالى واطعت رسوله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
تأمل قول الحق «واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا» وتمعن في قوله تعالى «محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم».
وتمتد حبال هذه المحبة المثالية فتشمل الاحباب الذين رأيناهم وتعاملنا معهم والذين لم نرهم ولم نتعامل معهم، تأمل الآية «.. والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا».
وتزخر الرحاب المحمدية بالعديد من المنارات الارشادية، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم «أوثق عرى الايمان الحب في الله» وقوله «المرء على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل» وقد اثبتت الدراسة الاجتماعية التأثر البالغ بالأصحاب، فمصاحبة الاخيار تورث السلامة، بينما مصادقة الاشرار تورث الندامة.
وذكر صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث صفات اذا توافرت في المرء وجد فيهن حلاوة الايمان منها «ان يكون الله ورسوله احب إليه مما سواهما، وان يحب المرء لا يحبه إلا لله».
وقوله ايضا «مَن أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الايمان».
ويجلس الحبيب مع اصحابه فيقول «وددت لو اني رأيت احبابي. قالوا يا رسول الله: ألسنا أحبابك قال: أنتم اصحابي، واحبابي يأتون بعدي آمنوا بي ولم يروني».
وهذه الحقائق الدامغة يتجاهلها كثيرون فيقول الذي طمس الله قلوبهم وأعمى بصائرهم وأبصارهم: ان الحب الذي نعترف به ونمارسه هو القائم حول موائد الشراب (!) وفي دوائر المنفعة المادية فقط لا غير.
ونحن نقول لهم: هذا منطقكم ومدى فهمكم وهو - لعمري - صحيح تماما حسب معاييركم وموازينكم ولكنه كذب واضح وافتراء فاضح حسب شريعتنا وقوانينا الاسلامية فحبكم المادي مؤقت وسرعان ما تنتهي صلاحيته بانقضاء الهدف وتحقيق المصلحة وتكون نتائجه وخيمة في الدنيا ودمارا في الآخرة. ولكن الحب في الميزان الالهي بالغ الدقة والحساسية يكون في الله ولله له طعم الجنة وأريجها ونعيمها الدائم المدهش حيث لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
سلاح نوراني
على الصعيد الشخصي حفظت في باكورة الحياة عن ظهر قلب حديثا للحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم نصه: «اذا أحب الرجل اخاه فليخبره انه يحبه». وقد فرحت فرحا مفرطا عندما قرأته لأول مرة واعتبرته سلاحا نورانيا وهاجا امتشقه من قلبي ساعة تهيامي بمن أحبه فأقذفه في قلبه فيكون بردا وسلاما عليه ولأنني صادق فيما اقول فقد تجاوب الذين احببتهم في الله معي تجاوبا عظيما تمثل في بشاشة الوجه وطلاقة اللقاء وبهجة المعاملة وشفافية السؤال والفعل.
وفي هذا النوع المتفرد من الحب يقول ابن عمر رضي الله عنهما:
«والله لو صمت النهار لا أفطره، وقمت الليل لا أنامه، وأنفقت مالي غَلَقا غَلَقا في سبيل الله، أموت يوم أموت وليس في قلبي حب لأهل طاعة الله وبغض لأهل معصية الله، ما نفعني ذلك شيئا».
أجل.. لقد صدقت يا ابن عمر فالحب الراسخ في القلب لأهل طاعة الله ولعباده الأتقياء الأنقياء، والبغض في الله للعاصين والمنافقين بمثابة رأسمال الإنسان في دنياه وآخرته.
وفي تصنيف دقيق للأصدقاء قال الحق جل جلاله: «الأخلاء يومئذ (يوم القيامة) بعضهم لبعض عدو إلا المتقين» أي أن الأصدقاء في الدنيا يمسون أعداء في الآخرة باستثناء المتحابين في الله فإنهم يظفرون بالجائزة الكبرى بجيرتهم لله تعالى في داره يوم القيامه.
وأخيرا.. فإن الحب في الله ولله وثيقة وجدانية نورانية مصاغة كلماتها بالوفاء والإخلاص، وممهورة بعهد الله تعالى، تنتقل وجدانيا بيسر وسهولة من قلب إلى قلب، ومن روح إلى روح، تحلق في فضاء الله الرحيب ثم تحط رحالها في اعمق اعماق المتحابين في الله.
أخي ايها الإنسان: ما أسعد الإنسان حين يحيا بداخله الإنسان، وما أشقى الإنسان: حين يموت في أعماقه الإنسان، وحبك لأخيك الإنسان ليس منفصلا عن حبك لله جل جلاله.
وما أروع مناجاة أم الخير «رابعة العدوية» لحبيبها الأعظم:
أحبّك حبّين حبَّ الهوى
وحبّا لأنك أهْل لذاكا
فأما الذي هو حُبّ الهوى
فشغلي بذكرك عمّن سواكا
وأما الذي أنت أهل له
فكشفك للحُجْب حتى أراكا
وما الحمد في ذا وفي ذاك لي
ولكن لك الحمد في ذا وذاكا.
هذه المقالة نشرت نقلا عن جريدة الوطن القطرية 14/2/2007
nabil-agha@hotmail.com