الشعر الفلسطيني في مواجهة الواقع
(1-4)
بقلم : د يحيى زكريا الأغا
للشعر العربي الفلسطيني خصوصية من حيث المضمون، نظراً لامتزاجه بالواقع وهو
المحرّك الأساسي للمشاعر والأحاسيس والانفعالات، حيث تتحدد ملامح بنية القصيدة
بأشكالها المتنوعة، وبنيتها الفنية ، فإذا اعتمد الشاعر على الشعر الحر، نجد
كما هو معروف تنوعاً في الدفقات الشعرية، مصحوبة بأبجدية خاصة تنفي كونهم
مترجمين للواقع، أو ناقلين له، وإذا ما ولجنا داخل النص، نقرأ المأساة
الفلسطينية بارزة من خلال الصور المتلاحقة، والجمل التقريرية المباشرة التي
أحياناً ما تقوي العمل الفني، مبتعدين عن الصور المثقلة بزخرفة لفظية مصطنعة،
أو غير مصطنعة.
الشعراء الذين نقرأ جزءاً من سيرتهم ، ينتمون إلى وطن واحدٍ، جمعهم هدف واحد،
وفرقهم عدو واحد، لكنهم استطاعوا في غربتهم القصرية داخل أوطانهم، أو خارجه،
أن يكونوا الصوت المعبر عن الواقع المأساوي بصورٍ مختلفة تعتمد فيما تعتد على
لغة خاصة، تتنوع في فنياتها، لكنَّها تتفق في جوهرها.
خمسون عاماً وزيادة، والشاعر الفلسطيني يعبّر عن الذات الفلسطينية التي سُلبت
منها الحريات بمختلف أوجهها داخل وطنه، سواء الحرية العقدية، أم الفكرية،
وانتقل هذا الشاعر رغم عمق مأساته، إلى الوطن العربي بفكره، مشاركاً كل الشعوب
العربية التي تناضل من أجل التحرير أو التي تحررت من الخليج إلى المحيط، وانتقل
بفكره ورسالته السامية إلى شعوب أخرى، ليسمو بفنّه إلى ما يجب أن يكون عليه هذا
الشعر.
إذا كان الشعب الفلسطيني انتفض على الاستعمار الإسرائيلي، فإن الشعر انتفض
كذلك، فابتعد عن لغة الرتابة التي صاحبت القصيدة فترة من الزمن، وإن كان لهذا
البناء خصوصية مازلت أرى فيها كل مقومات النص الشعري المتميز، وانتقل إلى لغة
خاصة، شاركه فيها الشاعر العربي وغير العربي، وهنا اكتسب هذا الشعر خصوصية خاصة
شكلاً ومضموناً.
تفاعل هذا الشاعر مع الواقع بصورة متميزة، وكان آخرها انتفاضة الأقصى الثانية،
التي واكبها يومياً، فخرج النص عن حدود الزمان والمكان إلى التجربة المتنوعة،
راصداً كل ما يحدث في فلسطين المحتلة عام 1948 التي استشهد خلال هذه الانتفاضة
ثلاثة عشر فلسطينياً، وصولاً إلى شهداء المدن الفلسطينية كاملة، حتى مدينة رفح.
خاطبت القصيدة الفلسطينية الوجدان الجمعي، فكان تأثيرها أكثر عمقاً، وتعاملت –
كعادتها – بصدق مع المؤثرات، فجاء النص نقلة نوعية اكتنز بالكثير من المعاني
السامية، وتحقق للنص الامتداد كما حدث للانتفاضة، وهنا يكمن سر النجاح للنص
الشعري.
إن إطلالة عامة على عدد من شعراء فلسطين، وخاصة المثلث والجليل الذين يعيشون
الغربة الحقيقية كما ذكرنا، وغيرهم من الشعراء الذين يعيشون الهم الفلسطيني بكل
تداعياته، يفتح أمامنا نافذة لقراءة شعرهم والتعرف عليهم عن قرب، حيث سيتبدى
لنا رغم ما يعتور الشاعر من مؤثرات سلبية خارجية، إنسانية هذا الشعر لأنه يريد
– أي الشاعر- أن يحيا حياة آمنة، ليمارس العشق الروحاني للأرض والحياة، تلك هي
الصورة الحقيقية لإنسان هذه الأرض المحتلة منذ أكثر من نصف قرن.
أما الشعراء الذين نقرأ لهم في هذه الإطلالة، يمثلون رافداً مهماً من روافد
الشعر العربي الفلسطيني كغيرهم من شعراء الوطن في الداخل والخارج، واكبوا
الحداثة البنيوية بكل ثقلها وزخمها، وتفاعلوا مع الواقع بكل تغيراته، فأصبحوا –
كغيرهم – الصوت المعبر عن وجدان الشعب الفلسطيني في كل مكان، ومن هؤلاء
الشعراء: