لم يكن مبرراً ما حدث لسعادة / أحمد ماهر وزير خارجية جمهورية مصر العربية، من فئة ضالة أرادت تعكير العلاقات المصرية الفلسطينية، فزيارته جاءت لتوجيه رسالة إلى العالم أجمع، وإلى إسرائيل تحديداً، بأن هذا المكان المقدس لا قِبل لكم به على الإطلاق، ولا يمكن أن يكون حلٌ للقضية دون عودة القدس للسيادة العربية الإسلامية، ولكن هذه الفئة التي سمحت لنفسها بالتطاول في بيت الله، إنما هي خارجة عن الدين والقيم والمثل والأخلاق ، وإلا ماذا يمكننا أن نقول لذلك "المعتوه" كما قالت إسرائيل الذي أطلق النار على المصلين في الحرم الإبراهيمي ؟
إن زيارة سعادة الوزير للأقصى، لها انعكاسات سياسية مستقبلية على العملية السلمية التي جاء من أجلها، وخاصة القدس الشريف، فلم يكن سهلاً على الحكومة المصرية أن تتخذ قراراً سياسياً على أعلى مستوى بإرسال وزير الخارجية المصري بعد ثلاث سنوات من لعلاقات الباردة، إلى فلسطين المحتلة، إلا ليقينها بأن ما تقوم به يخدم مصالح الشعب الفلسطيني أولاً، والمصالح الإقليمية والعربية على حدٍ سواء، لهذا كان يجب ألا يصدر من هؤلاء الفئة هذا السلوك المشين لسعادة الوزير، وباعتقادي بأن مصر لا يمكنها أن تتأثر بمثل هذه الترّهات، لأن مصر أكبر من ذلك، وهي على يقين بأن شعباً يضحي ويقاتل من أجل إعادة أرضه لا يمكنه أن يقبل بمثل ذلك.
لم تكن زيارة الوزير لفلسطين ولقائه بالساسة الإسرائيليين إلا جزءاً من مهمة كبيرة بدأتها مصر من أجل حلٍّ مرذضٍ للشعب الفلسطيني بدلاً من شلال الدماء الذي ارتوت بها الأرض الفلسطينية دون أم يكون مقابل لهذا الشلال.
والسؤال الذي يطرح نفسه: مَن المستفيد الوحيد من هذا العمل العاطفي الأهوج؟
أعتقد أن الخسارة أكبر بكثير مما يمكن أن يتصور إي إنسان، ولكن مصر بقلبه الكبير لا يمكنها أن تستسلم لمثل هذه الأعمال غير المنضبطة ولا الملتزمة، خاصة وأن القدس الآن تحت السيادة الإسرائيلية، ولكن الواجب الملقى علينا كأمناء على المسجد الأقصى وليس مُلّاكه، أن نكون أكثر احتراماً وتقديراً لضيوف الرحمن الذي يريدون الصلاة في هذا المكان المقدس.
إنني عندما زرت المسجد الأقصى قبل ثلاث سنوات، وصليت فيه الظهر والعصر، رأيت
أعداداً كبيرة من السيّاح يجوبون المسجد الأقصى ويأخذون الصور التذكارية في جنباته المختلفة بمساعدة القائمين على هذا المكان، فكيف يمكن أن يُعتدي على رجل يكن له الشعب الفلسطيني كل الاحترام والتقدير، ولكن - في تقديري -ما حدث لم يكن إلا من فئة أشكّ تماماً أنها تنتمي إلى روح الإسلام مهما كانت مكانتها، لأن الإسلام لا يدعو لمثل هذه الحماقات.
إن ما حدث لا يلقى أي قبولٍ من الشعب الفلسطيني بأسره، ولا يعكس مبادئه، فمواقف مصر، والشعوب العربية مجتمعة مع القضية الفلسطينية لا يمكننا أن ننكرها على مر العصور، وسيتوارثها الأجيال بعد الأجيال، وستبقى تاجاً على رؤوسنا إلى ما شاء الله.
إن الشعب الفلسطيني يعيش الآن مرحلة من أصعب مراحل حياته، فأرضه تُتنهب، وشعبه
يُشرد، ويُقتلع من وطنه على مرأى ومسمع من العالم أجمع، دون رادع، ولهذا علينا الكثير من الواجبات تجاه الآخرين في هذه المرحلة.
لا نريد أن نكرر ما حدث بالأمس، وما حدث قبل ذلك في غزة، ولا نريد أن يُتصف الشعب الفلسطيني بما لا يليق بهم، فصاحب القضية عليه التسامي دوماً حتى يكسب احترام الأعداء قبل الأصدقاء والأشقاء.