بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على خير الأنام سيدنا محمد وعلى آله وصحبه..
انطفأ القنديل ...وتوقف القلب الكبير...ماتت الكريمة بنت الكريم ...سليلة الحسب والنسب وسليلة العز والمجد والعطاء..
ماتت خالتي خيرية أم محمد كامل رحمها الله رحمة واسعة . وبمقدار ما امتلأت قلوبنا حباً لها فقد امتلأت حزنا لفراقها... بكاها كل من عرفها وكل من سمع عنها ، حتى بواب العمارة التي كانت تسكن في إحدى شققها بالقاهرة المحروسة، سلم علينا وهو يبكي والحزن بادٍ عليه ..
رحمك الله يا خالتي خيرية ..
فقد كان بيتك مثابة وموئلاً لأبناء العائلة الكرام ولغيرهم من الأحباب والأصدقاء ، وما أكثرهم.....
أردت أن أكتب رثاءاً أو ثناءاً على خالتي رحمها الله يليق بمكانتها وقدرها ، فلقد كانت رحمها الله أُمٌةً يعجز عن مجاراتها في كرمها وخلقها الجمع الغفير من الناس.
وملأتني الحيرة :
من أين أبدأ ..؟؟؟ من أي جانب من جوانب حياتها المشرقة أبدأ الكتابة..
أأبدأ بوصف الكرم وما كانت عليه من سخاء وعطاء وكم من المجلدات احتاج لتغطية هذا الجانب المشرق الوضاء في حياة هذه المرأة الصالحة !! كيف يمكن تلخيص عشرات السنين من الكرم والبذل والسخاء المتواصل والمدرار.فلقد كان البيت عامراً دائماً بالضيوف والزائرين من الأهل والأحباب والأصحاب الذين لا يجدون أنسهم وراحتهم إلا في بيت الحاجة أم محمد..
وكان الإخوة والأحبة من أبناء العائلة الكريمة عندما يأتون من كافة أنحاء الدنيا إلى مصر المحروسة، يأتون بنية السلام أولاً والاستئناس بالحاجة خيرية ، ثم لهم بعد ذلك في الأسفار مآرب أخرى.
ولكن يعتبر لقاء الحاجة خيرية والجلوس إليها والأنس بها هدفاً مهما في حد ذاته ، ولا تكتمل البهجة والمتعة إلا بعد السلام عليها.
وغلبتني الحيرة ، من أين أبدأ وكيف أنتهي وكيف سأختصر وألخص هذا التاريخ الطويل الحافل بالعطاء والسخاء والعبادة ..!!!!
أم أكتب عن الأم الحنون والقلب الرحيم الذي وسع القريب والبعيد.. ووسع بيتها المقيم وعابر السبيل ...
أم ابدأ بذكر مآثرها في العبادة والتبتل . والانقطاع إلى الله واللجوء إليه...
ورغم أن ما نعلمه من ذلك قليل فهو شيء بينها وبين ربها سبحانه...إلا أن هذا القليل الذي علمناه كان كافياً لنعرف منه أية عابدة هذه ..ففي الأيام القليلة الجميلة التي كنا نبيت عندها في بيتها الكريم ، كنا كأننا في مسجد أو في محراب لكثرة الصلاة والتهجد والذكر وتلاوة القرآن..تنام مبكراً لتقوم قبل الفجر بساعتين على الأقل كل ليلة ، وتستمر في الصلاة حتى تصلي الفجر في أول وقته ، ثم التسبيح والاستغفار وتلاوة القرآن ، ثم صلاة الشروق ، ثم الضحى وهكذا كل يوم وليلة ، عبادة لا تنقطع وصيام النوافل حتى يخيل إليك أنها تصوم الدهر ولا تفطر، كل ذلك عشرات السنين يتم في هدوء وخفية، تقبل الله منها ورحمها رحمة واسعة.
وأما البذل والعطاء والسخاء، فحدث ولا حرج فكانت كثيرة الصدقات سراً وعلانيةً ، وكانت كافلة لعدد من الأسر الفقيرة المستورة ، بعضها كفلت أبنائها لإتمام دراستهم ، وبعضها تكفلت لها بمبلغ معين كل شهر، وبعضها تعهدت بنفقات الدواء..
ولم نكن نعلم من ذلك إلا القليل ، حتى إذا شاءت إرادة الله ودخلت العناية المركزة إذا بالمشفى الذي ترقد فيه يمتلئ بالعشرات من الفقراء منهم ، لم نكن نعرفهم ولا نعلم عنهم شيئاً جاءوا ليودعوها وليدعوا لها ويطلبون من الله العوض.
كل ذلك وغيره مما علمناه وما لم نعلمه ، الله سبحانه وحده يعلمه ويثيبها عليه إنشاء الله.
ولكن ما الغريب في ذلك أو ليست ابنة العائلة الكريمة المجيدة التي امتد فضلها كل القطاع وكافة أنحاء فلسطين !!! أوليست سليلة الفرسان الذين توارثوا العز و المجد كابراً عن كابر ؟؟!!
حتى جاء الفرج من الأستاذ المعلم ، تصفحت موقع العائلة الكريمة - بارك الله في القائمين عليه وزادهم فخراً ومجداً ، فقد فتحوا لنا باباً واسعاً للتواصل مع أبناء عائلتنا المباركة في كافة أنحاء المعمورة فجزاهم الله كل خير- .. وإذا بالمقالة الرائعة للأستاذ الرائع أبو مهدي حفظه الله ، والتي لخص فيها تاريخا طويلا بكلمات معبرة قليلة المبنى كثيرة المعني ، لا يقدر على مثلها إلا الفحول، فقد صاغ الكلمات في جمل ذهبية صاغتها يد عبقري فنان لمعت وبرقت كأنها اللؤلؤ والمرجان ، فكان الأستاذ عصام مهدي حفظه الله كما عهدناه دائماً كبيراً في كل شيء ، وقد كنا نطلق عليه في الحارة مثلاً شعبيا متداولاً (سيبك انت ، الكبير كبير، والمعلم معلم) وكتبنا هذا الشعار على جدران منازلنا ولقد كان بحق عميد حارتنا ، فعندما كنا فتياناً نلعب في حاراتنا ، كنا كثيرا ما نتشاجر ونختلف ، فإذا زاد الأمر عن حده، رجعنا إليه ليفصل بيننا ، وننزل عند حكمه ، فهو كان عميد حارتنا وزعيمها الأول ، ونحن جميعاً مجمعون على احترامه والقبول بما يقرره ، فكانت الحكمة منطقه ، والحلم زينته.
وها هو الآن يذكرنا ببعض تاريخنا ونحن فتيان في شوارع بلدتنا الحبيبة الحنونة ، وصاغ هذه العبارات الرقراقة الدافئة صياغة أدبية عجيبة ، حيث في الجملة الواحدة تقرأ الرثاء و الثناء معاً ، وهذه تعابير لا يحسنها إلا من برع في صنعة الأدب .. ولا ريب فهو الأديب الألمعي ..بارك الله فيك يا أبو مهدي يا بركتنا.. ورحم الله والداك الأحياء منهم والأموات وبارك الله في إخوانك وأهلك وأولادك.
فما انتهيت من قراءة المقالة الرائعة حتى زال همي بالكتابة واكتفيت بما قرأت ، فكسرت قلمي، وسكبت ما في محبرتي ، فقد كفى وأوفى ، وليس بعد ذلك المقال مقال..
اللهم ارحم خالتي خيرية أم محمد ، اللهم أكرم نزلها ووسع مدخلها واغسلها بالماء والثلج والبرد ونقها من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
اللهم نور لها في قبرها واجعله روضة من رياض الجنة..، اللهم ألحقنا بها صالحين ، واجمعنا بها في مستقر رحمتك ياكريم..
واغفر اللهم وارحم وبارك في كل أبناء عائلتنا الكرام الأماجد ، واهدنا يارب وإياهم إلى ما تحبه وترضاه وأصلح أحوالنا أجمعين..
وعزاؤنا أن الله سبحانه وتعالى أخلف علينا بخير ، فهذا ولدها أبو كامل خير خلف لخير سلف ، وابنه كامل هذا الشبل من ذاك الأسد ، ذرية طيبة بعضها من بعض ، كالغيث لا تدري أوله خيرُ أم آخره .. فاللهم بارك له في ذريته وصحته وماله ، وافتح عليه من بركات السماء والأرض ، ياكريم.. والحمد لله رب العالمين....
[1] لبنى ياسين طاهر الاغا | سلمت يداك | 18-01-2010
[2] د. سلام زكريا اسعيد الأغا | الي جنات الخلد | 18-01-2010