مقالات

حان الوقوف لعرضكم بثبات..حمزة عبدالكريم

حان الوقوف لعرضكم بثبات..

e

الحمدلله حمدا يليق بجلاله، ويُدعى به جل وعلا عند سؤاله، وأصلي وأسلم على رسوله الكريم، ونوره القويم، وسراجه المنير،إمام الهدى، ومصباح الدجى، ومصيب الرجا، وحبيب أولي البصيرة والحجا، الذي خضعت له هام الملوك، وكسر الله به شوكة العظماء، ودهست رقاب الجبابرة، ودكَّت عروش القياصرة.

حق علينا أن نصلي ونسلم على رسول الله r ، وعلى  آله وصحابته الطيبين والطاهرين، ومن سار على دربه واقتفى أثره إلى يوم الدين.

حق علينا أن نجله ونكرمه ونعظمه( r)، ونفديه بأرواحنا وقلوبنا ودمائنا، بأموالنا وأولادنا وحتى بأعراضنا.

نحري بنحرك يا محمد إننـــــي           متلهف للقائكم بممــــــــــاتي

عرضي بعرضك يا نبي مليكنا           حان الوقوف لعرضكم بثبات

نعم، حان الوقوف لعرضكم بثبات...لزام علينا ورب الكعبة وقوفنا للذود عن عرضك يا نبينا ويا قرة أعيننا، ويا أحب إلينا من الهواء الذي نعيش به، وكيف لا تكون أحب إلينا من الهواء وقد أحيا الله على يديك الأمة الخاتمة، فنحن مدينون لك بأرواحنا وأنفسنا.

لقد ضحيت يارسول الله بكل ما تملك، ضحيت بنفسك وبأغلى ما ملّكك الله، أفنعز عنك بأغلى ما ملكّنا الله؟؟!!

ففي وقت برز فيها أناس -لا أدري أهم (دعاة بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة والسلطان الباهر والبرهان الدامغ) أم هم (دعاة على أبوب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها)- نرى دعاة (الإيتيكيت) الذين نصبوا أنفسهم، و نصبهم الناس علماء يستفتون فيفتون بغير علم فيَضِلّون ويُضِلّون...وينسبون إلى دين الله عز وجل ما ليس منه في شيء....

لن أتصدى في هذا المقام لهجوم على نصراني فاجر، أو يهودي حاقد، أو كافر خبيث، وإنما لرجل لا أحسن أن أقول عنه غير أنه مسلم ولا أزيد على ذلك ولا أبخس عنه... فحصوننا مهددة من الداخل، فإننا لا نخشى عدوا كافرا أخرقا...وإنما نخشى متأسلما أحمقا...فقد فشلت حملات الكفار العسكرية، ولكن وبكل أسف، نجحت غزواتها الفكريه فأخلدتنا إلى الأرض ورضينا بها وفُتِنّا في ديننا أيما فتنة... بل وإن المصيبة تتجلى فيمن يدين بديننا ويتكلم بلساننا ولا يوافقنا في فرع من فروع الدين فضلا عن أصوله.

للأسف، لقد أخطأ رجل في تقدير المسألة فقال بفشل النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة الطائف وأنه مر بتجارب كثيرة فشلت، وهذا كلام والله لا يليق بمقام النبوة وصاحب الرسالة (r)، لا يليق بنا أن نتكلم في آخذِ حجزنا عن النار وأن نخوض فيه بمثل هذا. فيكفي منظر الدماء الشريفة التي سالت منه (r) في رحلة الطائف. فماذا بعد ذلك، أنزيد الألم ونقول(فشل النبي) صلى الله عليه وآله وسلم، لقد ضحى (r) في رحلة الطائف بدمه، أفنقول عنه ( فشل ) أو (أخطأ) بعد هذه التضحية العظيمة.

وأنا لا أجعل هذا الرجل ضالا أو كافرا أو منافقا –أعوذ بالله أن أفعل ذلك-،وإن كانت الألفاظ شديدة، ولكن عليك أن تعلم أخي القارئ أنني لا أحمل الوصف عليه فقط، بل على من فعل هذه الفعلة على العموم، ولا تقييد، فأيها القارئ أنصفني وإن رأيتني قد شددت من أمر الخوض في رسول الله(r )، فهذا واجبي وواجبك وواجب كل مسلم.

أنا أقول:ربما أن الرجل ما كان ليقصد الخوض في عرض النبي (r)،  ولكن المأساة العظمى والداهية الكبرى أن مقالته قد جعلت بعض الشباب يتبنى هذا القول بل ويدافع عن هذا الكلام القبيح.

وإني لأعلم أن هذه الرسالة لن تعجب البعض، ولكني آخذ على نفسي عهدا أن أبين ذلك، ولن أخشى معترضا أو منتقدا، فانظرني أصدقتُ أم لم أكن من الصادقين.

وقبل أن أدخل في صلب الموضوع وهو ذكر الأثر السيئ الذي نتج عن القول بفشل النبي (r)، أريد أن أذكر بعضا من آثار السلف رضوان الله تعالى عنهم في أدبهم مع النبي (r).

فقد بلغ حب الصحابة للنبي (r) مالم يبلغه أحد من العالمين.

ففي قصة صلح الحديبية أن عروة بن مسعود (جعل يرمق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعينيه قال فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له فرجع عروة إلى أصحابه فقال أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمدا والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له). {صحيح البخاري-الحديث 2734}

وفي نفس القصة أن عروة بن مسعود (جعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فكلما تكلم أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيف وعليه المغفر فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف وقال له أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم){نفسه}

وعن أنس بن مالك رضي الله عنهما أنه قال :( كانت أبواب النبي (r) تقرع بالأظافير) {البخاري في الأدب المفرد-الحديث 1080، وصححه الألباني}

ولم يكن صحابة الرسول يرفعون أصواتهم عند رسول الله (r) استجابة لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ }الحجرات2

ولم يكونوا رضي الله عنهم ينادونه باسمه (r) استجابة لقوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً ..}النور63.

قال القاضي عياض رحمه الله تعالى:(واعلم أن حرمة النبي (r) بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازم كما كان حال حياته، وذلك عند ذكره (r) وذكر حديثه وسنته، وسماع اسمه وسيرته ومعاملة آله وعترته، وتعظيم أهل بيته وصحابته، قال أبو إبراهيم التُّجبيبي: "واجب على كل مؤمن متى ذكره أو ذكر عنده أن يخضع ويخشع ويتوقر، ويسكن من حركته، ويأخذ في هيبته وإجلاله بما كان يأخذ به نفسه لو كان بين يديه، ويتأدب بما أدبنا الله به).

وعن مصعب بن عبد الله :( كان مالك-وهو الإمام الفقيه المشهور- إذا ذكر النبي (r) عنده تغير لونه وانحنى حتى يصعب ذلك على جلسائه، فقيل له يوما في ذلك؟ فقال: لو رأيتم لما أنكرتم على ما ترون، كنت آتي محمد بن المنكدر سيد القراء-أي سيد العلماء- لا نكاد نسأله عن حديث إلا بكى حتى نرحمه، ولقد أتى جعفر بن محمد-وهو جعفر الصادق- وكان كثير المزاح والتبسم، فإذا ذكر عنده النبي اخضر واصفر).

ونماذج السلف الصالح رضوان الله عليهم في التأدب مع النبي (r) كثيرة لا حصر لها.

وإن ما دعاني إلى الكتابة في هذا، ما حصل عند البعض من تبني لهذا الموضوع (الفشل) الذي ما ضربه البعض إلا جدلا، حين تبنى القول بفشل النبي(
r)، وحاشاه (r) أن يكون كذلك.

فترى من تبنى هذا الرأي الفاسد-غير ذلك الرجل صاحب تلك  قال:

"لقد أخطأ النبي (r) في رحلة الطائف حين خرج وحده، ولقد أقر النبي (r) ببشريته بقوله:(إنما أنا بشر)، فلا حرج أن نقول بخطأ النبي (r) أو بفشله لأنه إنما هوا بشر" ثم يستندون ببعض المواقف من حياة النبي (r) حتى تثبت صحة نظريتهم اتباعا للمنهج المعكوس الذي اتبعه المستشرقون والذي ينص على:

"وضع فكرة  في الذهن وتصيد الوقائع والشواهد صحيحة كانت أو سقيمة لإثبات صحة هذه الفكرة"

فما استشهد به وإن كان صحيحا إلا أن موضع القياس فاسد.

لأنه والله ما أخطأ النبي (r)، وحتى لو أخطأ فإنه من فحش القول وبذاءة اللسان والطعن فيه (r) بأن نقول بأنه أخطأ.

نحن لا نغالي في رسول الله (r) غلو النصارى في عيسى عليه السلام، ولا نقصر فيه تقصير اليهود في أنبيائهم عليهم السلام، فلا نقبل من قال بفشل النبي (r) أو خطئه.

وفي بعض المواقف التي يذكرها البعض على أنها خطأ حصل من الذي لا بنطق عن الهوى (r) كما حصل في تأبير النخل، أو إعراضه (r) عن عبد الله بن أم مكتوم حين أنزل الله آيات من سورة عبس تعاتبه(r) وغيرها من المواقف التي حصلت مع النبي (r).

والاستدلال بتلك المواقف استدلال فاسد في غير موضعه، فالذي قالوا عنه بأنه أخطأ – وحاشاه أن يكون كذلك- هو نفسه الذي بين الأولى من الفعل الذي فعله، فلم تكن فعلته خاطئة، ولكن كان هناك ما هو أبلغ منها من حيث الفائدة، وفي كل خير، وفي كل موقف من مواقفه (r) خير وإيجابية ودروس وعظات تنوء بمن يجمعها.

وإنه ينبغي علينا أن نعلم جيدا، أنه (r) ما كان يتحرك من حركة أو يتكلم بكلمة أو يطأ موطأً من الأرض أو يتقدم في شيء إلا بوحي من الله تبارك وتعالى، وإننا إذا قلنا بخلاف ذلك أنكرنا أصلا عظيما من أصول الرسالة الخالدة ألا وهو قول الله تعالي: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }النجم4.

لقد أجمع أهل العلم على حرمة الخوض في أعراض صحابة رسول الله (r) فيما حصل بينهم في موقعتي الجمل وصفين حفظا وصيانة لأعراضهم الطاهرة.

ولا يخفى أن الإسلام حرم الغيبة بين العامة من المسلمين، وقد ثبت عنه (r) فيما نقله عن الإمام السيوطي رحمه الله قوله (r):"إذا ذكر أصحابي فأمسكوا"{انظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود، شرح الحديث 4768}.

فمن أولى الأوليات، وأوجب الواجبات، الإمساك؛ بل أن نوجب على أنفسنا تحريم الخوض فيه (r) والكلام فيه بما يسوءه والله أعلم.

إن من ينسب الخطأ لرسول الله (r) من بعد ما تبين له الحق وأصر على ذلك، ما هو إلا مجار لفعل المنافقين والفساق على عهده (r).

وإني أوجه قولا لهؤلاء الذين زعموا ذلك....

لو أن أحدا قال عن أبيك بأنه (مخطئ) أو مثلا (فشل في تجربة ما) أو (أخطأ عندما فعل كذا وكذا) فماذا ستكون ردة فعلهم؟؟؟!!! {أجب بنفسك}

حتى وإن افترضنا إنصافك في هذا الأمر، فعلى أضعف الإحتمالات، أنه سيقع في نفسك شيئا من هذا القول ولن تحمله نفسك.

ومثلا...لو ذكر أحد قيادة حركة أو جماعة بمثل هذا القول، ماذا سيحل به؟. بالطبع لن تقوم له قائمة، وسيصبح فلانا الذي ذكره بسوء هو ممن لهم العصمة أو الولاية أو سيرتقون مرتقا عاليا... أما رسول الله (r)، فلا بأس بذكر أخطائه أو تجاربه التي قالوا بأنه (فشل فيها) ووالله ما هي كذلك.

هذا بالنسبة للعالمين،فما بالنا نتكلم في رسول رب العالمين.

فوالذي لا إله غيره، إنه (r) أحب إلينا من أنفسنا آبائنا وأمهاتنا وأولادنا وأزواجنا ، ولا نقبل بأي لسان يدخل بيننا معاشر أهل السنة والجماعة الذين هم أولى الناس برسول الله (r) فيخوض في رسول الله (r) ويتكلم فيه بلحن القول.

وأوجه رسالتي أخيرا لك أيها القارئ الكريم، وأحملك عبئ هذه الأمانة، أنك إذا ما رأيت (مخدوعا) بهذا الرجل الذي يقول بفشل النبي (r)، والذي رد عليه الشيخ الفاضل : محمد حسان ، فأحسن الرد، وإذا رأيت من يتبنى فكرته الخطيرة البائسة المذمومة، فعليك مباشرة بالرد عليه، وإيقافه عند حده دفاعا عن عرض نبيك الكريم (r)، ولتكون بإذنه تعالى ممن تحقق فيهم قول الله تعالى {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ }آل عمران68.

والقول في هذا الموضوع يطول ويطول، ولكن حتى يكون القارئ في حرز من الملل، وفي هذا الرجل كلام لأهل العلم تحذيرا منه ومما يبثه بين الأمة.

فكن متبعا سبيل المؤمنين، وأخرس لسان البدعة الضال، الذي يقول ذلك حتى ننال شفاعة رسول الله (r) يوم القيامة ولننال شربة من حوضه لا نظمأ بعدها أبدا.

وختاما أسأل الله أن يجزي من استفدت من علمهم سواء من اقوالهم أو من كتاباتهم في هذا الموضوع، وأسأله تعالى أن يجعل ذلك في ميزان حسناتهم.

هذا ما خطه بناني، فإن كان صوابا فبتوفيق من الله وحده، وإن خطأ فمن نفسي والشيطان، والله ورسوله من براء.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل الذود عن دينه العلي، وسنة نبيه (r) ذات القدر الجلي، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والله الموفق.

 

كتبه:

حمزة عبد الكريم الأغا

 

اضغط هنا للتواصل أو التعرف على الشيخ الأستاذ حمزة عبدالكريم صقر يوسف حمدان الأغا

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد