بقلم : محمد سالم الأغا *
لقد تغيرت في الأعوام الأخيرة، أغلب المظاهر الجميلة، وتقاليدنا الموروثة في أفراحنا وأعراسنا بسبب الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ، فبدلاً من الزفاف يومي الخميس ليلة الجمعة أو يوم الأحد ليلة الاثنين، تغير إلي يوم السبت وهو يوم الراحة الأسبوعي للعمال الفلسطينيين الذين أخذوا بالعمل داخل الوطن الفلسطيني المحتل، كما أن الجرائم و الأعتداءات التي يشنها الجنود الصهاينة علي كل ما هو جميل وسعيد ومُفرح في حياتنا، بدءاً من مواكب الأفراح ( الزفاف ) إلي إقتحام الدواوين، والأماكن التي يقام فيها السامر، فأخذ أهلنا علي إقتصار حفلة الزفاف علي ليلة بدلاً من سبعة أيام كما كانت عادتهم قبل العدوان الصهيوني الغاشم، فاختصروا دعواتهم علي أن تكون أفراحهم عائلية، ودعوة الأصدقاء المقربين لكلا العروسين، وفي السنوات الأخيرة ساهم انتشار الفنادق وصالات و قاعات الأفراح بتغيير نمط أفراحنا أيضاً.
وقد حدثني أحد أبناء العم وزوجته وهي ابنة عمه، بحسرة لم يخفياها، عن اختفاء معظم عادات و تقاليد أعراسنا الفلسطينية، التي يتباهون لغاية اليوم بأن عرسهم ومن سبقوهم كانت تجسد الفرحة الحقيقية، وحسن الضيافة، والكرم، حيث تتجلي فيه " الوحدة الوطنية الفلسطينية، وعصبيات الأقارب العائلية " لهذا أهيب بالجميع،أن نصر ونعمل علي إنتزاع أفراحنا وسعادتنا من بين فكي عدونا الصهيوني الآثم، وأن نحيي أفراحنا وأعراس أبناءنا علي سنة نبينا محمد صلي الله عليه وسلم وهدي كتابنا الكريم ثم موروث آبائنا وأجدادنا، وعلينا أن نتمسك بها كما ينادي، أستاذنا ومُعلمنا الأستاذ عمر عودة أبو رامي، فا تقاليدنا وعاداتنا تعبير صادق عن هويتنا والسمة التي بها تعرف الشعوب.
وقد حدثني أبناء العم عن كيفية أختيار العروس في أيامهم، فقالوا : أن أهل العريس لم يكونوا يتطلعون إلي أوصاف خارقة في العروس من حيث محاسنها، بل كانوا يهتمون بالسؤال عن معاملة أمها مع أهل زوجها، وكانوا يمتثلون لقول رسولنا الكريم محمد صلي الله عليه و سلم " تنكح المرأة لأربع، لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها، فظفر بذات الدين تربت يداك" أي تباركت حياتك وذريتك، وعندما تكون هناك موافقة مبدئية علي طلب أهل العريس، تبدأ بعض الخطوات التقليدية، فتذهب جاهه أو وفد من "علية القوم ، والرجال المقربين " لطلب يد العروس، وقبل شرب القهوة يباشر أكبرهم سناً ومُقاماً بالطلب، وبعد مشاورة عم العروس وخالها يجيب والد العروس علي الطلب " بمبروكة عليكم "، وبعدها تُشرب القهوة ويؤكل الحلو المجهز سابقاً، وتبدأ قريبات العروسين بالزغاريد إعلانا بقبول العروس للعريس، وبخصوص مشاورة عم العروس وخالها فقالا أنه ضروري كي يتنازلا عن حقهما في زواج أحد أبنائهم من العروس، وحتى لا تُثار مشاكل وفتن بين الأقارب ...
وبعد قبول طلب يد العروسة يقوم العريس بالذهاب إلي بيت أهل عروسه بحضور أهله وجمع من نساء الحي وقريبات العروسين ولرؤية العروسة لأول مرة فيما يعرف" بالصمدة " ويحضر معه أهله، وهم يحملون " المسكة أو الفُقدة "، وفي هذه الأثناء يكون المأذون والمدعوين جاهزين لعقد قران العريس علي عروسه، وهو ما يعرف " بالملاك، أو كتب الكتاب ".
وعن مراسم حفل الزفاف الذي يحدده أهل العريس مع أهل العروس فقد كان يستمر أسبوعاً كاملاً للرجال الذين يتوافدون كمدعوين وكمهنئين للعريس ويحيون ليالي الأسبوع في تنظيم سامر في أرض فضاء واسعة يجلس فيها المدعوين في صفين متقابلين أو أكثر، ويتسابق ويرقص الفرسان وهم يركبون الخيل العربية الأصيلة، و فرق الدبكة و السحجة والرقص الشعبي والشعراء يتحاورون شعرياً ذاكرين الصفات والمناقب الحسنة في العرسان وعائلات العرسان، وتأخذ النسوة من العروسين بالمهاهاة بالأغاني والأهازيج الشعبية مثل :
وكانوا يزفون العريس بـ :
شيعوا لولاد عمو يجولو
بالخيول المبرقعة يغنولوا
عِدوا المُهرة وشدوا عليها
تا يجي محمد* ويركب عليها
عدوا المهرة وهاتوا الشبرية
زفو لي محمد لباب العلية
عدوا المهرة وهاتوا البارودي
زفو لي محمد لباب العمود
سبل عيو نو ومد أيدوا يحنو لو
غزال زغير بالمنديل يلفو لو
وكانوا يزفون العروس بـ :
هذه الأصيلة بنت الأصايل
هذه اللي لا نقال عنها ولا جري
ولا حد عيّرها ولا حد عابها
آويها ... يا بدر ضاوي والحلي كلو ليها
أيويها ... ما بتليق الحنة إلا لأيدي كي
أيويها ... يا فاطمة*زينة العرايس لمحمد لا أوديكي
ومن الجدير ذكره أن واسطة نقل العروس لبيت العريس كانت في الماضي الهودج المحمول علي ظهر الجمل المزين بالورود والأقمشة الزاهية، وحديثاً أصبحت السيارات الفارهة المزينة بالورود وأشرطة السيتان، وكانت تتوقف السيارة قديماً عند باب بيت العريس و سط تهليل الشباب ورقصهم وكانوا يكسرون ثمرة بطيخ أو حبات من الرمان فوق رأس العرسان دليل الكرم والخير والرزق الحلال، وتيمناً بأن يجعل حياة العرسان مباركة، ثم يجلس العريس بجانب عروسه علي طاولة كبيرة ومرتفعة، ومزينة بسجادة عجمية كبيرة وبالورود وأغصان الزيتون، والكوفية والعلم الفلسطيني، بما كان يسمي " بـ الجلوة " والتي كان يتوجب علي العروس، لبس وتغيير أكثر من عشر فساتين زاهية ومختلفة الألوان وبدلات أولها البدلة البيضاء، وأخرها البدلة السوداء،وعندها كانوا يقومون بتكحيل العروس ووضع الخال و الوشم علي وجه العروس وذقنها بقلم كحل أسود، وكانوا يحملونها جرة فخار مزينة بالرسوم الجميلة دليل علي أن العروس خادمة لعريسها ولأهله وأنها ستساعدهم علي عبور قسوة العيش وشظفه، وأنها ستشاركهم الحياة حلوها ومرها، أما في وقتنا الحاضر فيكفي العروس بلباس الثوب الزفاف الأبيض، وكان من عادة أهلنا أن يقوم أهل العروس بزيارة إبنتهم محملين بالهدايا والنقوط ، وكان العريس وأهلة يولمون لأهل العروس وأصدقائهم بوجبة الغذاء المكونة من منسف الفتة الفلسطينية باللحم الضأني، وكان من عادة أهلنا أن تقوم العروس وأهل عريسها بزيارة أهل العروس فيقومون بعمل وجبة غداء تكريما للعروس وعريسها وأهله .
وتراثنا الشعبي في الأفراح والليالي الملاح فيه الكثير ما يقال لكن لا يتسع ذكره هنا، فلكل مناسبة فيه أغنية، بل وفي كل ثنايا مناسبة، أكثر من أهزوجة، بل ولكل قرية أو مدينة أغانيها وأهازيجها التي يتوارثها الأبناء عن الآباء رغم مرور أكثر من ستين عاماً علي نكبتنا الفلسطينية ، وإجبار أهلنا عن هجر مدنهم وقراهم ، ورغم كل الآلام والجراح، ورغم أنف الاحتلال الصهيوني الغاشم، سننتزع فرحتنا يا عم أبو رامي من بين أنياب هذا العدو الكاسر، وسنحافظ علي تراثنا الشعبي الفلسطيني رافداً لأفراحنا الفلسطينية.
* محمد العريس
* فاطمة العروس
* كاتب وصحفي فلسطيني
[1] هند محمد قاسم الأغا,. | موضوع يعكس الواقع | 08-10-2010
[2] ماهر عبد الله حسن العقاد | ساقالله على ايام زمان | 11-10-2010