كتب : محمد سالم الأغا *
قبل سنوات جمعتني الصدفة بمجموعة من الأخوة العرب في عاصمة عربية، وقد بادرني أحدهم بسؤال أعتبره سؤالاً مهماً، ومزعجاً هو: هل باع الفلسطينيون أرضهم لليهود ؟، وقد أجبته يومها بهدوء عن سؤاله، ولأن هذا السؤال قد يتعرض له غيري، أو سُئل غيري سابقاً عنه ... ولأنني أعتقد أن بعض الأشخاص من أبناء شعبنا العربي قد صدقوا هذه الإشاعات التي روج اليها اليهود في كتبهم وصحفهم، ووسائل إعلامهم ولا زالوا ، وأشاعها بعض من ضعاف النفوس من العرب، حتي أن بعضهم ذهب بعيداً بسؤال أكثر قسوة .. كيف بعتم فلسطين ؟ ولماذا تطالبوننا بتحرير أرض قبضتم ثمنها... ، لهذا أضع بين يدكم ما أجبته علي هذا السؤال ، لتكونوا قادرين علي توضيح ما غفل عنه البعض، وهو أن شعبنا العربي الفلسطيني كان يتكون من أكثرية عربية مُسلمة، وشرائح متعددة من النصاري ، وأقلية من اليهود، و كان يتعامل مع اليهود الفلسطينيين، في وطنه، وقبل انهيار الدولة العثمانية، التي كانت تحكمه، وبعد احتلال الانجليز و بسط سلطة الانتداب البريطاني علي فلسطين، كأقلية لها ما له، وعليها ما علي الشعب الفلسطيني كغيرها من الأقليات، مستلهماً هذه المعاملة الطيبة، من ديننا الإسلامي الحنيف، ولم يكن أحد في شعبنا الفلسطيني، وقتها علي معرفة بنوايا اليهود الصهاينة ولا بنوايا حكومة الأنتداب البريطاني فيما كانوا يخبئونه لفلسطين ولشعبها من مؤامرات، وقوانين جائرة سنها وأقرها اليهودي / المندوب السامي البريطاني، والتي كانت بمجملها تهيئ كل الظروف الممكنة لتوصيل أراضى فلسطين إلي أيدي اليهود، فكان وعد بلفور، الذي تكفل بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين .
وجاءت بعده، كل قوانين الانتداب البريطاني لتجيز الاستيلاء علي الأراضي التي كانت تعود ملكيتها للسلطان العثماني، والتي كانت تسمي" الميري " أو الأراضي الحكومية، أي تحولت ملكيتها إلي المندوب السامي، الذي أخذ بتسريبها لليهود بشتى الطرق.
وحتي لا ننكر أن من بين سكان فلسطين من باعوا أرضهم لليهود نقول :" أن الدولة العثمانية كانت تبسط سيطرتها علي الأراضي الفلسطينية وبلاد الشام، وأن كثير من العائلات و الشخصيات السورية واللبنانية، كانت تسكن في المدن الفلسطينية الشمالية،وكانت تخدم هذه الدولة ، وقد وهبتهم الحكومة العثمانية، و أعطتهم مساحات واسعة من الأراضي بشمال فلسطين، ومنحت بعضهم امتياز استصلاح مساحات أراضي كبيرة حول بحيرة الحولة وطبريا، كي يستصلحوها ثم يملكونها بأثمان رمزية للفلاحين الفلسطينيين، إلا أن هؤلاء السكان الغير فلسطينيين باعوها لليهود بأثمان خياليه، بعد أن سهلت وساعدت حكومة الانتداب البريطاني علي فلسطين، علي إنشاء كيان لليهود في فلسطين، وعادوا الي دمشق وبيروت وغيرها من المدن السورية واللبنانية.
وأقتطف لكم جزءا من الوثائق التاريخية التي تؤكد علي أن هذه العائلات والشخصيات التي باعت أملاكها في فلسطين هي عائلات لبنانية وسورية جاءت بحثاً عن رزقها،و لتعمل في المصالح الحكومية العثمانية، وأضع بين أيديكم بعضاً مما قرأته بدون زيادة أو نقصان :
" باعت العائلات السورية ( القوتلي ، والجزائري، وآل مرديني ) قسماً كبيراً من أراضي قضاء صفد لليهود ، وباع آل يوسف السوريون قطعة كبيرة لشركة، (The Palestinian Land Development Company) ، التي يملكها اليهود ، كما باع كل من خير ي الأحدب، وجوزيف خديج، وميشيل سرحي، ووصفي قدورة، ومراد دانا، والياس الحاج اللبنانيون لليهود مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية المجاورة للحدود اللبنانية، كما باع ميشيل سرسق وأخوانه ما مساحته 400،000 ألف دونم تقريبا، لليهود من أخصب الأراضي الفلسطينية الواقعة في سهل مرج ابن عامر، ومن الجدير ذكره هنا ، أن هذه الأرض كان يسكنها ويعمل فيها 2546 أسرة فلسطينية، تم طردهم ليحل محلهم عائلات يهودية استوردت وأُحضرت من الدول الأوربية.
وتؤكد الوثائق علي أن عائلة سلام اللبنانية البيروتية ، قد باعت لليهود 165،000 ألف دونم، وأن المدعوين محمد بيهم وميشيل سرسق باعا بإسم عائلتيهما امتيازاً آخر من أراضي منطقة الحولة كانوا قد حصلوا علية لاستصلاحه ثم تمليكه للفلاحين الفلسطينيين ، ولكنهم باعوه لليهود، كما تؤكد الوثائق علي أن الأخوين أنطون وميشيل تيان قد باعا لليهود أرضاً لهم تقع في وادي الحوارث مساحته (5350) ( خمسة آلاف وثلاثمائة وخمسين دونماً، وبعدها أستولي اليهود علي جميع أراضي وادي الحوارث ومساحته 32،000 ألف دونم وقام اليهود بطرد أهله منه بواسطة حكومة الانتداب البريطاني بحجة أنهم لا يملكون وثائق تثبت ملكيتهم للأراضي التي كانوا يزرعونها منذ مئات سنين ، كما تذكر الوثائق أن عائلة القباني اللبنانية باعت ما مساحته 4000 آلاف دونم لليهود بوادي القباني ، وبعدها استولي اليهود علي أراضي الوادي كله.
وقد قرأت في الوثائق التاريخية أن: " عائلات صباغ وتويني اللبنانيتين قد باعتا لليهود قريتي " الهريج والدار البيضاء والانشراح " وأن اليهود قد أقاموا علي أراضيها مدينة نهاريا .
وبكل صدق نقول : أنه برغم كل الظروف التي وضع فيها الشعب الفلسطيني، والقوانين الجائرة والظالمة التي أستند إليها المندوب السامي البريطاني، والإغراءات الشديدة التي قدمها اليهود لمن يبيع أرضه من الفلسطينيين لهم، فإن مجموع الأراضي التي بيعت لليهود من قبل فلسطينيين خلال الفترة من (1914 ــ 1947 ) بلغت 300،000 دونم تقريباً، وهذا يرجع الي أن الشعب الفلسطيني قاوم وجرم القلائل الذين ارتكبوا هذه الخطيئة، كما نبذهم وأحتقرهم وخونهم بصورة قاطعة، بل ونفذ حكم الإعدام فيهم.
ورغم ما يردده الغير منصفون لشعبنا الفلسطيني، بأنه باع أرضه لليهود، وراح يطالب بها في أماكن هجرته، نقول " أتقوا الله فينا، فنحن شعب ارض الإسراء والمعراج، وأرض أولي القبلتين و ثالث الحرمين، وحرم إبراهيم عليه وعلي رسولنا الكريم محمد صلي الله عليه وسلم أفضل صلاة وأتم تسليم ونقول أيضاً : ها نحن بعد أكثر من ستين عاماً لم ننسي فلسطيننا، ولم نذوب في غيرها، و لا زلنا نجاهد ونقاوم ونصر علي تحرير وطننا ، رغم ضخامة المؤامرات ، والمصائب والنكبات التي حلت بنا، فإننا لا زلنا متمسكين بحقوقنا في العودة الي وطننا فلسطين، وعدم التفريط بها ، لأنه ليس فينا، وليس بيننا، وليس منا من يفرط بحبة تراب فلسطينية، وستظل فلسطين بلداً عربياً يعيش فيها كل أهلها بسلام، وستظل بشرفها و كرامة أهلها وشعبها، وستظل راية فلسطين وعلمها يرفرفان في أعالي القمم، وسنظل نمارس حقنا في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي حتى يصل أبناؤنا لحق تقرير مصيرهم ، وإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف بإذن الله .
* باحث وصحفي وكاتب فلسطيني
[1] مفيد شلاش نايف شبير | شمس الحقيقة لن ولم تغيب | 12-05-2011