- تتلمذ في شبابه على الشيخين عز الدين القسام وتقي الدين النبهاني
- ألّف وحقّق وترجم ثمانين كتاباً وشارك في عشرات المؤتمرات والندوات
- (الشتات ممات) إحساس يلازم الفلسطيني أينما حلَّ وارتحل، وسار ماسار
- نقترح تأسيس كرسي استاذية باسمه في بعض الجامعات العربية
صدر في مطلع شهر مايو/أيار/2011 العدد الثالث والأربعون من مجلة الدوحة الثقافية الشهرية التي تصدرها وزارة الثقافة والفنون والتراث بدولة قطر، وتضمن العدد مقالة كتبها الآخ نبيل خالد الأغا سكرتير تحرير المجلة بعنوان (مؤسسة ثقافية في رجل): الناقد احسان عباس بين الإبداع والإمتاع، استعرض خلالها حياة هذا المفكر والناقد الفلسطيني (1920 - 2003) الذي تتلمذ في شبابه الباكر على الشيخين عز الدين القسام وتقي الدين النبهاني، وأحرز العديد من الشهادات الجامعية وأصدر ما يربو عن ثمانين كتاباً ما بين تحقيق وتأليف وترجمة وحاز على العديد من الجوائز العربية والعالمية، ومنحته جامعة شيكاغو الدكتوراه الفخرية واعتبرته (واضع أساس المكتبة العربية الحديثة)، عاش غريباً ومشتتاً وكان يردد بلوعة وأسى: (الشتات ممات، والغربة كربة).
وفيما يلي نص الموضوع كاملاً:
تنوعت الأوصاف والنعوت التي أطلقها الكتّاب والمثقفون والباحثون والشعراء على العالم التراثي الدكتور إحسان عباس (1920-2003م) فهو سادن التراث، وحارس الأدب العربي، والعالم الموسوعي، والعلاّمة النهضوي، وشيخ الباحثين والمحققين، وعميد الأدب العربي الثاني بعد طه حسين إلخ.
وأياً كان اختيارك لواحدة أو أكثر من هذه الصفات فقد حَسُن
كما يمكنك إضافة صفات إنسانية تعضد بها صفاته العلمية فهو المتواضع، والزاهد، والحييّ، والوفي، والجواد، إلخ.
وقد استطاع هذا العالمُ العَلَمُ إحسان رشيد عباس أن يسجِّل بكل كفاءة واستحقاق اسمه في موسوعة الخالدين العرب في مجالات عديدة: الأدب، التاريخ، التحقيق، النقد، الترجمة، الشعر، وقد ساعده على ذلك بالإضافة إلى خبرته المتعمقة في مجالات الأدب العربي وعيه المبكر بمختلف التيارات الأدبية والنقدية في الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية بشكل عام.
وهذه المزايا أهَّلته ليتبوَّأ مرتبة متقدمة في قوائم الباحثين والنقاد، هذا إضافة إلى تسلُّحه الواعي بقضايا أمته العربية ومعاداته للصهيونية التي ارتكبت أفظع جرائمها بسلب وطنه الفلسطيني، وتدمير أكثر من خمسمئة قرية أزالتها إسرائيل من الوجود، ومن بينها قرية عين غزال التي شهدت شهقة حياته الأولى في العام 1920م.
بداية متواضعة
علامات نبوغه ظهرت دلائلها المبكرة في البيت، ثم في مدرسة القرية المتواضعة التي مكث فيها حتى السنة الثالثة الابتدائية، ونظراً لتفوقه اللافت أرسله والده ليكمل تعليمه في مدينة حيفا وما أدراك ما حيفا في عشرينيات القرن العشرين؟! لقد تركت تلك المدينة الساحلية الصاخبة الفاتنة أثرها في تكوين شخصيته، ففيها تفتحت براعم حياته، وتوهجت رؤاه على مناحي الحياة المختلفة.
وإبان وجوده في مدينة النضالين الديني والسياسي النقيين من شوائب الشعوذة والنفاق تعرف الشاب الملتزم أخلاقياً ووطنياً بقامتين من قامات النضال الإسلامي والفلسطيني: الأولى الشيخ الثائر عز الدين القسام الذي عرفه عباس عن قرب بطلاً من أبطال الجهاد الحقيقي بعقله وبلاغته وساعده، وكان عباس حريصاً على الاستمتاع بخطبه المؤثرة الموقظة للهمم وللعزائم بجامع الاستقلال في حيفا، وكانت تمثِّل البرنامج السياسي لكل فلسطيني آمن بفكر القسام في تنظيم وتدريب المواطنين الراغبين في الجهاد دفاعاً عن وطنهم الذي بدت نذر الشر المتربصة به تلوح في الأفق مبكرة.
وفي إحدى المعارك مع وحدات من الجيش البريطاني استشهد الشيخ المجاهد ذو الأربعة والستين عاماً (سورية 1871 -فلسطين 1935م) فحزن عباس على وفاته، وكان يرى فيه - مثل أي فلسطيني - صورة لكل بطل عروبي وإسلامي.
أما صاحب القامة الفلسطينية الأخرى فهو الشيخ تقي الدين النبهاني (1914-1977م) الذي كان يشغل مهمة التدريس بمدرسة حيفا الثانوية إضافة إلى وعظه بمسجد الاستقلال، وأسس في عام 1953 حزب التحرير الإسلامي، وانبهر عباس بعمق تديُّن أستاذه، واستنفاره في خدمة القضية الفلسطينية فهو يذكي شعلة الوطنية في نفوس طلابه، وينظم صفوفهم، ويدعوهم للثورة على الأجنبي ويجعل ذلك قضيته في حياته لا تعلو عليها قضية أخرى. (1)
انتقل الطالب عباس إلى مدينة عكا التاريخية وحصل فيها على الشهادة الثانوية بتفوق، وانتسب بعدئذ إلى الكلية العربية في القدس وأمضى فيها أربع سنوات (1937-1941م) وحصل على الشهادة المتوسطة التي أهّلته ليصبح معلماً كما هو شأن متخرجي تلك الكلية العريقة.
وتعتبر فترة مكوثه بالكلية من أخصب مراحل حياته الدراسية، فإضافة إلى نظامها الصارم في التدريس والتنظيم ارتبط إحسان فيها بصداقات وارفة الظلال مع شخصيات لها أوزان ثقافية معتبرة أمثال الدكتور ناصر الدين الأسد، جبرا إبراهيم جبرا، محمد يوسف نجم، محمود الغول، وليد عرفات، حلمي سمارة وغيرهم. (2)
وبعد تخرجه في الكلية عمل صاحب السيرة معلماً في مدرسة صفد الثانوية، وخلال إقامته فيها تزوَّج ورزقه الله تعالى فيما بعد بنرمين واياس وأسامة.
وتحققت إحدى أعز أمنياته فحصل عام 1946 على منحة دراسية إلى جامعة فؤاد الأول جامعة القاهرة حالياً، وتخصص في دراسة الأدب العربي وحاز في العام 1949 شهادة الليسانس في اللغة العربية وآدابها بتفوق، لكنه بسبب نكبة فلسطين الكبرى في العام 1948، لم يستطع العودة إلى وطنه، فعمل مدرساً بإحدى المدارس القاهرية، حيث توثقت صلته بأستاذه أحمد أمين صاحب فجر الإسلام، الذي أملى عليه سيرة حياته التي صدرت بعدئذ بعنوان حياتي(3)، ثم تابع دراسته في الجامعة عينها ونال فيها درجة الماجستير عام 1951، وكان عنوان أطروحته حياة الأدب العربي في صقلّية، والصلة واضحة بين اختياره لهذا الموضوع وبين نكبة فلسطين.
وكتب الله تعالى له العمل "بكلية غوردون التذكارية في الخرطوم" ومكث فيها عشر سنوات كاملة تحولت الكلية خلالها إلى "جامعة الخرطوم"، وحاز في أثنائها شهادة الدكتوراه من جامعة القاهرة، وكان عنوان أطروحته "الزهد وأثره في الأدب الأموي".
وخلال فترة مكوثه في السودان أضحى عضواً له قيمته في مجتمع المثقفين السودانيين الذين قدّروه وأحبّوه، وبادلوه وداً بودّ، وساهم بقلمه الماتع في إثراء المطبوعات السودانية، وكتب عن الأدب السوداني في العديد من المطبوعات العربية وبخاصة في بيروت وعمان وعرَّف العرب خارج السودان بما يدور في هذا القُطر العربي من نهضة ثقافية وأدبية، "وكان نجم منتديات الخرطوم الثقافية، وافتتن به الكثيرون من شباب الكتّاب والشعراء أمثال صلاح أحمد إبراهيم وعلي المك"، كما شارك في ضروب مختلفة من النشاطين الأكاديمي والتربوي.
ويروي إحسان عباس أنه بنى في السودان مدرسة من نوع المدارس التي يرغب الأستاذ الجاد المخلص المحترف أن يكوّنها في وقت من حياته، وإذا كان إحسان لا يحمل الجنسية السودانية فإنه في قرارة نفسه يشعر شعوراً خاصاً لا يكاد يفسر بأنه سوداني قلباً وروحا.ً
ولست أدري حتى اللحظة لماذا لم يحظ عباس فيما بعد بتقدير حقيقي من المثقفين السودانيين؟ ولماذا توارت سنوات عطائه العشر خلف حجب النسيان في وطن مشهود لأهله بالكرم والوفاء والنخوة والطيبة في أبهى صورها؟
بيد أنني قرأت مؤخراً مقالاً للكاتب السوداني كمال علي الزين بعنوان "في محبة إحسان عباس" ذكر فيه أن عباساً تعرض لمضايقات من العلامة البروفيسور عبدالله الطيب زميله في شعبة اللغة العربية، فتمكن من إنهاء خدماته اعتماداً على لائحة جامعية صماء، وقد بذل البعض أمثال نصر الحاج علي وجمال محمد أحمد جهوداً مضنية لإثناء الطيب من هذا القرار المؤسف، وخلص الكاتب للقول صراحة: "لا يخالجني شك في أن السبب وراء هذا القرار هو محض الغيرة الأكاديمية من قبل الطيب.(4)
وانتقل عباس من الخرطوم إلى بيروت، وقضى في العاصمة اللبنانية فترة خصيبة من حياته جنّدها لخدمة الثقافة العربية، ونشر أهم أعماله في تاريخ الأدب العربي ونقده.
وحينما اشتدت وطأة الحرب اللبنانية الأهلية انتقل عباس إلى الأردن وقضى فيها سنواته الأخيرة، وتميزت تلك الفترة كذلك بعطاءاته الثقافية الممتدة، فذاع اسمه وانتشرت أعماله، وارتفعت أسهم إبداعاته.
استثمار الوقت
إن المرء الذي يطالع سيرة هذا المبدع المجلي مستعرضاً نشاطاته الجمة في معظم أنساق الثقافة العربية لا يسعه إلا الانبهار بهذا الجهد الخارق للمألوف، فلقد أوقف حياته لهدف نبيل فحققه بامتياز، ولم يكن لديه متسع من الوقت ليضيعه في علاقات اجتماعية مفرغة من مضامينها الأساسية كما يفعل الكثيرون، بل إن الحضور شبه الدائم فيها لا يخلو من الغيبة والنميمة وما شابههما، أولئك الذين يغتالون أعمارهم وأوقاتهم فيما لا طائل وراءه، بينما نجد الدكتور عباس يستثمر كل يوم بل كل ساعة من حياته استثماراً فعالاً، حتى إنه اهتبل فرصة وجوده في أميركا أستاذاً زائراً في جامعة "برنستون" (1975-1977م) فأنجز كتابيه "الشعر العربي المعاصر"، و"ملامح يونانية في الأدب العربي".
ولو قارنا إنجازاته في ميادين إبداعاته الكثيرة، وقسمناها على الفترة الزمنية التي عاشها لوجدناه من أوائل المستثمرين العرب لأوقات حيواتهم.
ولقد أوقف استثماراته لخدمة الثقافة والأدب والتراث في عصور أدبية متعددة، وتميز بدقته في اختيار أسلوبه اللغوي السلس المتسم بالعذوبة والجمال، الأمر الذي ييسر على القارئ متابعة قراءته.
يقول الدكتور ماجد أبو ماضي في إحدى دراساته: "إن إحساناً يمتلك أسلوباً لغوياً يتسم بالجمالية، وفيه من السمات والصفات ما هو أهل للدراسة والبحث، فقد كتب في أكثر من علم، ولذلك كان متنوعاً، أخذ من كل علم بطرف، واستطاع التعبير عن هذه العلوم بلغة مناسبة لكل منها، لذلك كانت له مكانة خاصة بين كتاب عصره وأدبائه".(5)
فعباس هو المؤرخ الذي تأمَّل التاريخ وصوّب كتبه، وهو عالم الأدب القديم والحديث، والشاعر المتعمق في الشعر القديم والشعر الحديث، والمترجم لبعض أمهات الأدب الإنكليزي، والمحقق الدقيق، والناقد الضليع، وهو الأستاذ الجامعي المعطاء الحاني على طلابه، الهادف إلى إثراء العقل والروح والنفس الإنسانية.
وقد أثمرت جهوده المضنية عن إصدار ما يربو على ثمانين كتاباً ما بين تحقيق وتأليف وترجمة، وتجوَّل في نصوص التراث العربي فنفض غبارها، وأجلى جواهرها، وأهمل توافهها، وقد شجعته دراساته الأكاديمية على الدخول والنجاح الباهر في هذا المضمار.
ومن الملاحظ أن عباساً كان مفتوناً ببعض الشخصيات الكلاسيكية مثل أبي حيان التوحيدي والشريف الرضي وعبدالحميد الكاتب، وابن حيان، وأبي العلاء المعري، وأخيراً الحسن البصري الذي وجد عباس فيه قرابة روحية، وكان كتابه عنه أول ما كتبه، وكانت بينهما قواسم مشتركة، فكلاهما يوصف بالنقاء والزهد، والطهارة الروحية، وموهبة في النقد التاريخي والاستقامة في الحياة، وكان يعتز بالتراث ويقول: أنا أحب التراث وليس بيني وبينه حجاب!!
زاد عدد الكتب التي ألّفها عباس على 23 كتاباً، والكتب التي حققها منفرداً أو بالمشاركة نحو خمسين كتاباً، أما الكتب التي ترجمها منفرداً أو بالمشاركة فبلغت أحد عشر كتاباً.
وبلغت مراجعات الكتب نحو عشرين، إضافة إلى تسع مواد كتبها في الموسوعات الكبرى، وبلغت البحوث والمقالات النقدية التي نشرها نحو سبعين.
والمعروف أن النقد كما عرّفه ت.س.اليوت هو السعي المشترك وراء الحكم الصائب، والناقد الحق صعب المنال، وكما يقول يوجين يونسكو "من السهل أن أجد مئات الكتّاب الممتازين، ولكن من الصعب أن أعثر على ناقد ممتاز".
وكتب دراسة وضعت في مقدمة الجزء الأول من آثار الشهيد غسان كنفاني، الذي اعتبره إحسان "أكبر عبقرية قصصية أنجبتها القضية الفلسطينية حتى اليوم".
كما قام أيضاً بترتيب وتنسيق شعر الشهيد كمال ناصر، وكتب دراسة عنه ووصفه بأنه "شاعر جماهيري أخذ الأسى العميق يسيطر على شعره في سنواته الأخيرة".
وكتب أيضاً دراسة تأصيلية عن الأبعاد الكبرى في شعر إبراهيم طوقان ورأى أن الشاعر وجد متنفساً لروح السخرية من خلال القصيدة الوطنية والسياسية ورسم في بعض قصائده مثل الثلاثاء الحمراء والفدائي إيقاعاً تنبُّئياً للثورة الفلسطينية.
ومن أهم آثاره في خدمة التراث العربي: إعادة نشر "وفيات الأعيان" لابن خلِّكان في ثمانية أجزاء، و"نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب" للمقري في ثمانية أجزاء أيضاً، و"الذخيرة في محاسن أشعار أهل الجزيرة" لابن بسّام في ثمانية أجزاء أيضاً، و"التذكرة الحمدونية" لابن حمدون بالاشتراك مع شقيقه بكر، و"رسائل ابن حزم الأندلسي"، و"الجليس الصالح الكافي" للمعافي النهرواني، و"معجم الأدباء" لياقوت الحموي في سبعة أجزاء، و"الأغاني" لأبي فرج الأصفهاني في خمسة وعشرين جزءاً بالاشتراك مع إبراهيم السعافين وبكر عباس.
ومما شارك في نشره قديماً "خريدة العصر" للعماد الأصفهاني بالاشتراك مع أستاذيه أحمد أمين وشوقي ضيف، و"فصل المقال في شرح كتاب الأمثال" بالاشتراك مع عبدالمجيد عابدين، و"جوامح السيرة" لابن حزم الأندلسي بالاشتراك مع الدكتور ناصر الدين الأسد، ديوان ابن حمديس الصقلي، ديوان الرصافي البلنسي، ديوان القتال الكلابي، ديوان لبيد بن ربيعة العامري، أخبار وتراجم أندلسية للسفلي، ديوان الأعمى التطيلي، شعر الخوارج، الذيل والتكملة للمراكشي، التشبيهات من أشعار أهل الأندلس لابن الكتاني، عهد أردشير، الوافي بالوفيات للصفدي، طبقات الفقهاء للشيرازي، ديوان الصنوبري، ديوان كثيِّر عزة، فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي، الروض المعطار للحميري، أنساب الأشراف للبلاذري، أمثال العرب للمفضل الضبي، سرور النفس بمدارك الحواس الخمس للتيفاشي، سعدي الشيرازي أشعاره بالعربية، وفوات الوفيات في خمسة أجزاء.
الكتب المؤلفة
الحسن البصري، فن الشعر، عبدالوهاب البياتي والشعر الحديث، فن السيرة، أبوحيان التوحيدي، الشعر العربي في المهجر بالاشتراك مع محمد يوسف نجم، الشريف الرضي، العرب في صقلية، تاريخ الأدب الأندلسي جزءان، عصر سيادة قرطبة، وعصر الطوائف والمرابطين، تاريخ ليبيا، بدر شاكر السياب، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، دراسات في الأدب الأندلسي بالاشتراك مع وداد القاضي وألبير مطلق، ملامح يونانية في الأدب العربي، اتجاهات الشعر العربي المعاصر، من الذي سرق النار، أحمد أمين وطريقته في الكتابة، رحلة ابن عربي.
لقد أبدع شيخنا المعطاء في كافة الحقول التي أشرنا اليها آنفاً، ولا نستطيع الإحاطة بها كلها في هذا المقال، لذلك سنعمد إلى طرح بعض الحقول على أمل الكتابة، عما تبقى منها في مقال لاحق بعون الله تعالى.
الكتب المترجمة
لعبت الترجمة دوراً مهماً في نشاطات الدكتور عباس، وساعده في ذلك إتقانه المطلق لأسرار اللغتين العربية والإنكليزية، مثله في ذلك مثل نوابغ جيله في الترجمة أمثال شكري عياد، والأهواني، والراعي، ومندور، ولويس عوض، والدروبي وسواهم.
وبرزت من بين أهم ترجماته رواية "موبي ديك" لمهران ملقل وهي الأكثر شهرة في العالم العربي، لكنه لسبب مجهول لم يشر إليها في سيرته الذاتية "غربة الراعي" وهي الرواية الأروع في تاريخ الأدب الكلاسيكي الأميركي.
هذا بالإضافة إلى كتاب الشعر لأرسطو، النقد الأدبي ومدارسه الحديثة لستانلي هايمن بالاشتراك مع محمد يوسف نجم "جزءان". دراسات في الأدب العربي للمستشرق لغون جرونبام بالاشتراك مع كمال اليازجي، وأنيس فريحة ومحمد يوسف نجم، أرنست هيمنغواي لكارلوس بيكر، فلسفة الحضارة أو مقال في الإنسان لأرنست كاسيرو، يقظة العرب لأنطونيوس، بالاشتراك مع الدكتور ناصر الدين الأسد، دراسات في حضارة الإسلام للمستشرق هاملتون جيب بالاشتراك مع محمد يوسف نجم ومحمود زايد.ت.س اليوت لماتيسن، أبعاد الرواية الحديثة نصوص ألمانية وقرائن أوروبية لتيودور زيولكوفسكي بالاشتراك مع شقيقه بكر عباس.
في الشعر "أزهار برية"
عشق الشعر مبكراً، قرضه في الخامسة عشرة من عمره، وكتب أكثر قصائده بين عامي 1940-1948م، لكنه لم يصدر إلا ديواناً واحداً في وقت متأخر من حياته سماه "أزهار برية"، وقامت الكاتبة لانا مامكغ بدراسته في أطروحتها الجامعية لنيل درجة الماجستير، وبرغم هجره الشعر إلا أن إحساناً رفع رتبة الشاعر إلى مرتبة المفكر، واعتبره قريناً للفيلسوف في نظرته للحياة، ورأى أنه لابد أن يكون الشاعر عميق الإدراك لهموم الإنسان بشكل عام، كما أنه لم يفرق بين القضايا الفكرية والقضايا الفنية في الشعر، ويرى أن كل قصيدة تفرض على النقد طريقة خاصة في النظر، وأنه ليس هناك منهج واحد يصلح أن يطلق على كل قصيدة بل أن من الخطأ الدخول إلى القصيدة بمنهج مُعَدّ سلفاً. (6)
وتجلى تطبيق هذا المنهج في الدراسات القيمة التي كتبها عن رواد الشعر العراقي الحديث نازك الملائكة، وعبدالوهاب البياتي، وبدر شاكر السياب، وكانت دراسته عن ديوان "أباريق مهشمة" قد أحدثت دوياً في عالم النقد الأدبي، وكانت قد صدرت بعدئذ في كتاب مستقل تحت مسمّى "عبدالوهاب البياتي والشعر العراقي الحديث".
واعترف البياتي لاحقاً بفضل عباس في التعريف به على النطاق العربي بقوله: "إنني مدين لهذا العالم الكبير الذي كان لكتابته عني فعل السحر أو فعل الحجاب بلغة الصوفية، فلقد منحتني وأنا في مقتبل العمر وفي بداية المضمار قوة هائلة لتحدي المستحيل، ولمواصلة رحلتي الشعرية بعنفوان الشعر وعظمته وبشروطه وبالرغم من حسد الحساد".
في السيرة الذاتية غربة الراعي
بعد أن تجاوز السبعين من عمره اضطر عباس أمام إلحاح أصدقائه ومريديه أن يكتب سيرته الذاتية التي حملت فيما بعد عنواناً موحياً غربة الراعي فلقد تأصلت في وجدانه روح الريف الفلسطيني بما يزخر به من جمال وبساطة وأخلاق حميدة وظل مسكوناً بهواجس قريته الوديعة، ابنة جبل الكرمل "عين غزال" التي أورثه البعد عنها إحساساً عميقاً بالغربة والوحشة، وكثيراً ما كان يردد بأسى ولوعة: "الشتات ممات، والغربة كربة، ولعمري فإن هذه العبارة ما انفكت تلازم الفلسطيني أينما حلّ وارتحل، وإحساسه بها يطارده، ويخز روحه، وإن مَلَكَ ما مَلَكَ، وسار ما سار، وصار ما صار!
إن هالات النجاح والشهرة التي أحاطت به، لم تشبع روحه جراء الغربة وما رافقها من عزلته المختارة عن الحياة الاجتماعية والسياسية، وكان يردد بخشوع الناسك المتعبد في محرابه:
بمَ التَّعلُّل لا أهْلٌ ولا وَطَنُ ولا نَديمٌ ولا كاسٌ ولا سَكَنُ
أريدُ من زَمني أن يَبلِّغني ما ليسَ يبلُغُهُ من نفْسِهِ الزّمنُ
"غربة الراعي" كتاب رصين وهادئ يشبه مؤلِّفه الذي لم يجنح في حياته ولا في مؤلفاته إلى الصخب والإثارة، وفيه الكثير الكثير من الحكايات الباعثة للعجب والإعجاب.. وهذا أنموذج لردة فعله في أثناء وجوده في قاعة الدرس بالخرطوم، إذ صاح أحد الطلاب غاضباً: هذا الفلسطيني ما له وما لنا؟ لماذا يشغل نفسه بتدريسنا ابن الرومي؟ لو كان ذا قدرة لبقي في وطنه يدافع عنه!
فماذا كان جواب عباس على هذا الاتهام الجارح الذي جاء متسامحاً حد الاستفزاز؟ قال: صدق عبدالكريم (اسم الطالب) في كل ما قاله، ولم يكن به حاجة إلى الاعتذار، ولو عرفت يومئذ معنى إشارته، لأنصفته أكثر!
ويبدو أن الغربة القاسية ألقت بثقلها على سلوكه في شبابه الباكر حينما كان "سيّداً" في مدينته ووطنه، وفي ذلك يقول تلميذه الدكتور حسام الخطيب:
درسني الأستاذ إحسان عباس بمدرسة صفد الثانوية عام 1946م الصف الأول الثانوي، وأتذكر أنه كان شعلة ذكاء وحيوية، كما كان مرهوب الجانب في أوساط الطلاب بسبب حزمه وجديته، وربما أيضاً بتأثير بهاء طلعته، ونبل تقاسيم وجهه.(7)
ومن ناحية أخرى نرى أن شبح الموت أطلَّ في أماكن عدة من "غربة الراعي": الذين ماتوا ونحن لا نعرفهم كأنما لم يموتوا لأنهم لم يوجدوا بالنسبة لنا، والذين ماتوا ممن نعرف موتهم حادث جديد، في كل مرة نبكي على من مات منهم كأننا لم نتوهم قط أنه قد يفارق هذه الأرض في يوم من الأيام! ترى هل كان للعلمانية التي انتهجها عباس أثر سلبي في قلقه وخشيته من شبح الموت؟! ولماذا لم تنعكس في وجدانه وحياته دروس الوعظ الديني التي تلقاها مبكراً في جامع الاستقلال بحيفا على يدي شيخيه القسام والنبهاني؟
إنّ فكرة الموت ذاتها لم تبارحه حتى وهو في ريعان شبابه: "كنت قبل أن أغادر فلسطين قد سيطرت عليّ فكرة خلاصتها أني لن أعيش طويلاً وقد ساعدتني هذه الفكرة على تقبل الحياة من دون تذمر، كما كانت حافزاً لإنجاز كل عمل أبدؤه إذ كان يزعجني أن أشرع في عمل ثم لا أكمله، ولذلك كفلت لي هذه الفكرة بذل الجهد من دون ملل أو تعب".
وهذا صحيح تماماً من دون ملل أو تعب فمن المعروف عنه أنه كان يعمل في النهار حوالي أربع عشرة ساعة، وحين تقدم به العمر، واشتد عليه ضغط الأصدقاء والأبناء اضطر لتخفيض ساعات العمل إلى ثماني ساعات!
جوائز وتكريم
حظي عاشق المعرفة بقسط وافر من التكريم والتمجيد في حياته وبعد مماته، ولعله من الفئة القليلة من المبدعين العرب التي حظيت بتكريم واضح وهي ما برحت قائمة على رأس إبداعاتها، كرَّمته دول وجامعات وهيئات ومؤسسات فمنحته الجوائز والأوسمة، وأصدرت عنه كتب، ودُبِّجت مقالات تمجده مشفوعة بشهادات تقدير وتعظيم لها قيمتها المعنوية الكبيرة.
وليست كثرة مصنفاته هي التي أهّلته فقط لتلك الاستحقاقات، بل إن نوعية تلك المصنفات وعمقها هي التي كانت الدافع الرئيس لنيل تلك التكريمات.
فقد حاز في العام 1981 ثلاث جوائز: جائزة الملك فيصل العالمية للأدب العربي، ووسام المعارف الذهبي من الدرجة الأولى من الدولة اللبنانية، ووسام القدس من منظمة التحرير الفلسطينية، وحاز جائزة الترجمة من جامعة كولومبيا عام 1983م، وجائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي في الدراسات الأدبية 1991م، وجائزة الدولة التقديرية من المملكة الأردنية الهاشمية، وجائزة سلطان العويس الثقافية في النقد الأدبي 1991م، وجائزة عبدالحميد شومان التقديرية 1993م، وجائزة الفرقان للعلماء المتميزين في خدمة التراث الإسلامي 2002م.
ولعل أهم الجوائز المعنوية التي نالها سادن التراث هي شهادة الدكتوراه الفخرية التي منحتها له جامعة شيكاغو التي اعتبرته واضع أساس المكتبة العربية الحديثة، وبالنظر لأهمية ما ورد في حيثياتها نورد نصها:
إنَّ مجلس أمناء جامعة شيكاغو يمنح إحسان عباس العالم الشهير، ذا البصيرة الفذّة النافذة في الدراسات العربية والإسلامية، والمحقق المميز لعشرات المخطوطات العربية، واضعاً بذلك الأساس للمكتبة العربية الحديثة، والمنقب في عدد من حقول الأدب والفكر الإسلامي، تتراوح بين اللغة والنقد الأدبي، والتاريخ والسيرة والجغرافيا، والفكر السياسي والشريعة والدين، وتشمل معظم البلدان التي ازدهرت فيها الحضارة الإسلامية والمترجم النموذجي لعدد من الأعمال إلى العربية، درجة دكتور في الآداب الإنسانية. "8"
وعلى مدى نصف قرن أدار عباس دفة الحركة الثقافية العربية فشغل عدة مهام حيوية، فكان عضواً في العديد من المجامع العلمية والمؤسسات الثقافية ومنها المجمع العلمي في دمشق، ومجمع اللغة العربية في القاهرة، والنادي العربي الإسباني في مدريد، وهيئة تحرير ترجمة تاريخ الطبري، ومجلس أمناء جامعة البتراء في عمان وأستاذ شرف في الجامعة الأميركية ببيروت، وعضو جمعية النقد الأدبي بالأردن، ومجمع اللغة العربية في عمان، والمجمع العلمي ببغداد، والمجمع العلمي الهندي (عن فلسطين)، ومعهد المخطوطات العربية بالكويت وغيرها.
هذا وقد شارك الدكتور عباس في عشرات المؤتمرات العلمية والأدبية، وحاضر في العديد من الجامعات العربية والدولية، كما أشرف على عدد كبير من رسائل الماجستير والدكتوراه، وانتدب عضواً محكِّماً في كثير من الجوائز العلمية، كما كان مستشاراً لعدد من الجامعات العربية في مستهل تخطيطها لبرامج الدراسات العليا، وتخرج على يديه عدد كبير من الطلاب في الماجستير والدكتوراه ومنهم من يشغل اليوم مناصب عليا في البلاد العربية كما تقول تلميذته الوفية الدكتورة وداد القاضي التي تعتبر مرجعاً لسيرته وإنجازاته العلمية.
وبالمناسبة، فهناك طرفة رواها أحد تلاميذ الدكتور إحسان عباس قال فيها: إنه "رحمه الله" كان يعاني من إحراج في اسمه بسبب توهُّم الناس أن إحسان اسم لأنثى وليس لذكر، وعند حضوره حفل التخرج في جامعة القاهرة ذهب إلى الموظف المسؤول عن قراءة أسماء الخريجين، وهمس في أذنه قائلاً من فضلك إذا وصلت إلى اسم إحسان عباس فأرجوك أن تقول عند قراءة الاسم السيد إحسان ولا تقل السيدة إحسان، فأنا رجل اسمي إحسان، وهكذا كان فقد مرّ الموقف على خير ودونما إحراج للسيد عباس!
هذا، وصدرت في حياته كتب تكريمية كان أولها دراسات عربية وإسلامية مهداة إلى إحسان عباس بمناسبة بلوغه الستين عن الجامعة الأميركية ببيروت في العام 1981م
وشارك فيها أصدقاؤه وتلامذته المخلصون الذين رأوا فيه أنموذجاً فريداً في الشخصيات العلمية، وكلهم يشعر أنهم لم يكونوا ليفيدوا منه إفادة جمة لولا خلق جميل يقابلهم به، وهو مزيج من التواضع الجم، والبعد عن الدعوى، والبشاشة الممزوجة بالهشاشة، والجود بما يملك، والكرم بما يخص النفس، والامتناع عن الخوض فيما لا طائل منه، مع الصراحة في القول والحق، والوفاء بالعهد، والاحترام قبل كل شيء – للعلم.
وفي العام 1998 صدر عن مؤسسة عبدالحميد شومان بالأردن كتاب قيِّم بعنوان إحسان عباس ناقداً، محققاً، مؤرخاً، احتوى على بحوث ومقالات ومداخلات قُدمت عنه في ندوة أحيتها المؤسسة وشارك فيها أربعة وثمانون باحثاً وناقداً وأديبا.ً
وصدر عن دار الشروق بعمان كتاب إحسان عباس ناقد بلا ضفاف للدكتور إبراهيم السعافين أحد أوفى أوفياء الدكتور عباس، كذلك صدر كتاب "سادن التراث" للدكتور يوسف حسين بكار الذي كان يرتبط بعلاقات وثيقة مع صاحب السيرة وكتاب "إحسان عباس بين التراث والنقد الأدبي" للدكتور عباس عبدالحليم عباس واحتوى كتاب "السيرة الذاتية في الأدب العربي للباحثة الأردنية تهاني عبدالفتاح شاكر" اسم الدكتور إحسان عباس إلى جانب فدوى طوقان، وجبرا إبراهيم جبرا
وكتاب آخر أصدرته وزارة الثقافة الأردنية في الذكرى الأولى لوفاته، وكذلك كتاب: "الذكرى الثانية لرحيل عباس"، وثمة كتاب للدكتور غسان اسماعيل عبدالخالق بعنوان "حنين مؤجل" سيرة إحسان عباس تكشف قسوته على نفسه – عمان.
وربما يكون آخر كتاب عنه هو: "الناقد الموسوعي إحسان عباس" تأليف الكاتب نزيه أبونضال، وأصدره المركز الفلسطيني للبحوث والدراسات برام الله في العام 2008م
هذا وقد خصصت العديد من المجلات الأدبية والثقافية في الوطن العربي أعداداً أو محاور خاصة عنه، وكتبت رسائل جامعية عن شعره ونقده. (9)
مناشدة
إن نصاعة صفحات شيخ النقاد العرب تدفعنا إلى بسط اقتراح متواضع يحفظ له سيرته، ويخلد حياته المضمخة بأطايب الثقافة والفكر، ويتمثل ذلك في تأسيس كرسي أستاذية باسمه في بعض الجامعات العربية وبخاصة في الدول التي أمضى ردحاً من الزمن فيها وهي فلسطين ومصر والسودان ولبنان والأردن، إضافة إلى ما يتيسر من الجامعات الأخرى وهذا واجب أخلاقي علينا، فهل نحن فاعلون؟!
قبسات من آرائه
- أنا لست من أولئك الذين يطبقون منهجاً بعينه على جميع النصوص الشعرية، ذلك أن هذه النصوص أغنى بكثير من هذه المناهج، بل إن المنهج الجديد لا يولد إلا بسبب الجديد الشعري الذي يحض عليه.
- إن الشاعر يصنع بالكلمات ما يصنعه الموسيقي بالأصوات، وإن القصيدة لا تسمى شعراً إذا أمكن وضعها في صورة نثرية.
والشعر هو التحام الفكر والإحساس لا طنين الألفاظ الخلابة، ولا فورات العاطفة المتقدة، وإنما هو حضور الثقافة والفكر واللغة لدى الشاعر الموهوب.
- الشاعر لا يخلق اللغة وإنما علاقات لغوية جديدة، وفي هذا رد ضمني على من يفهمون أن الشعر ثورة على اللغة بالمعنى المطلق، نعم إن الشعر في ثورة مستمرة، ولكن على طريق إقامة علاقات جديدة في التعبير اللغوي، وقد خطا الشعر في العصر الحديث خطوات واعية وغير واعية أحياناً في استحداث لغته الخاصة به.
- الإبداع الجديد والتراث القديم، هو نتاج تراكمي لأمة من الأمم على مرِّ الزمن، هو ضروب النشاط الإنساني في مجالات الدين والفن والعلم والعمران والفكر والأدب والأسطورة والتراث صورة الماضي، بما أن ذلك كذلك فإنه لا يمثل عصراً بذاته ولا مجتمعاً بذاته، كما أنه ليس إيجابياً دائماً ولا سلبياً على الدوام، ومن ثم تتفاوت فيه القيم وتتعدد وتموت وتحيا.
- إن ممارسة النقد الأدبي تحتاج إلى عناء شديد، والعملية النقدية تزلزل الأعصاب لأن النقد مشقة لا تقلّ عن مشقة العمل الإبداعي.
- إن إسرائيل التي تتهيأ لبيعنا موادنا الخام مصنّعة بأيدينا وأموالنا، تتهيأ أيضاً لبيعنا العلم الذي تمتلكه باقتدار، وتبيعه حتى لأوروبا وأميركا، وتبعيتنا لإسرائيل ستكون في المستقبل نتيجة تبعيتنا لمراكز أبحاثها، لبرامج المعلوماتية التي تنتجها.
- اهتمامي بأدب الأطفال جزء من إحساس بمهمة الفن والنقد معاً، وهو أيضاً جزء مكمل لما قمت به من نشاط في ميدان النقد والدرس، منطلقي هو هذا ما يقدم للطفل من أدب يجب أن يكون حائزاً على السمات الفنية التي نتطلبها في الأدب عامة، لا فرق من الناحية الفنية بين أدب الكبار، وأدب الصغار، إنما الفرق في المستوى الفكري.
- حين يكون الناقد فاقد الإحساس النقدي، يحب التلذذ بإقامة الأصنام، يرفع ويضع ويجعل من نفسه حَكَماً وضميره غارق في رشوة الشهرة أو غيرها من أنواع الرشوة.
- لقد أثّر التراث الأندلسي في الأدب الإسباني والأوروبي بشكل عام وفي هذه الناحية كُتبت دراسات مستفيضة حول أثر الأدب الأندلسي في شعر التروبادور، والحقيقة هي أن من أعسر الأمور في الدراسة الأدبية إثبات قضية التأثير والتأثر على نحو قاطع ولكن المزيد من الشواهد المكتشفة يؤكد أن تأثير الثقافة العربية في الأدب الإسباني والأوروبي كان أمراً واقعاً، وكان في الوقت نفسه أمراً طبيعيا.ً
- يجب علينا أن ندرك أن الأدب الفلسطيني نما مع القضية الفلسطينية التي لا تزال تتفاعل وتمد تأثيراتها فوق أصعدة متباينة، ولذلك فمن الخطأ أن يدرس الأدب الفلسطيني من حيث أنه نتاج ذو ملامح عامة، إني اعتقد أن الشعر الفلسطيني والأدب الفلسطيني بعامة لم يدرس على نحو تحليلي، ولم تنضد له أصول فكرية عميقة، وإنما اكتفى دارسوه بلمح المشتركات الموضوعية فيه.
ويقيني أن كل الخطوط الموجودة فيه الآن قابلة للتطور، في شعر محمود درويش طاقة قد تؤثر في تطوير الشعر العربي الحديث كله إذا أخذت أخذاً صحيحاً، ويستطيع معين بسيسو أن يغير الخط المسرحي إذا وجد التفرغ الكامل لإبراز المسرحية الفلسطينية بما لديه من كفاءة فذة، ولكن أهم ميدان لتطور الأدب الفلسطيني هو القصة القصيرة.
الرحيل الأبدي
بعد قطعه مسافة زمنية قدرها ثلاثة وثمانون عاماً، آن لفارس الكلمة الهادفة أن يترجَّل، لكن الترجُّل رافقته مقدمة تمهيدية قدَّرها الحق تبارك وتعالى، معاناة قاسية مع المرض استمرت ستة شهور، ورصيد صبره الجميل على القضاء سيزيد من رصيد حسناته، وهناك منحة أخرى ستضاعف الرصيد، غيبوبة غير صاخبة امتدت لأيام معدودة.
وفي نهاية موسم القطاف قهره الموت، قاهر العباد الأكبر، وحلقت الروح في رحاب اللطف الإلهي المقدر، فانطفأ الشهاب الذي ظل يمد العقل والروح العربيين بنسائغ العلم والمعرفة، واحتضن تراب العاصمة الأردنية جسد الراعي الغريب الذي أدماه الشتات والفراق، وهدمته الغربة والعزلة فاستكن في أعماق الأبدية مردداً في سكون:
يَبْقى الخطُّ منّي في الكتابْ
وَيَبْقى الكَفُّ منِّي في الترابْ
فيا لَيْتَ الذي يقْرأ الكتابْ
يدعو لي بالخَلاصِ من العذاب
أزاهير الوفاء
"رسم أستاذي إحسان عباس في مسلكه مثلاً أعلى لترفُّع الأكاديمي الكبير عن الصغائر، وتعلقه بالقيم الأخلاقية والمثل العليا، واعتزازه بالأدب والمعرفة والحكمة، واحترامه الجم لمهنة التدريس، وإذا كان إحسان عباس ينتمي إلى جيل العمالقة فإنه والحق يقال تفرد من بينهم بكونه حظي بأوسع نطاق من الإجماع على تقدير علمه وأدبه وخلقه".
د حسام الخطيب
"إحسان عباس واحد من النقاد النادرين الذين لا يوجدون في ثقافتنا العربية إلا على سبيل الاستثناء، وأول ما يميز إحسان عباس الناقد هو جمعه بين الخبرة التراثية بعلوم العرب القديمة، والوعي المعاصر بتيارات الأدب والنقد في العالم الأوروبي الأميركي، وهو الأمر الذي جعله يجمع ما بين أصالة المعرفة ومعاصرة المعالجة والاختيار، إضافة إلى درجة عالية من الرهافة في معالجة النصوص الإبداعية وتناولها".
د جابر عصفور
"إحسان عباس سادن عظيم من سدنة الموروث، وحام كبير من حماته بما أسداه إليه من خدماته، وهو في التحقيق كما في غيره واحد من الرهط القليل أولي العزم الذين نافحوا عنه فعلاً لا قولاً وجعجعة وادِّعاء وهرفاً من غير معرفة".
د يوسف بكار
"إن الدكتور إحسان عباس واحد من المثقفين العرب الذين يتسلحون بموقف قومي واضح في المشكلات التي تعاني منها الأمة العربية، فوقف في الصف الأول لمعاداة الصهيونية، ومناصرة الحق العربي في فلسطين والجولان ولبنان".
د مدحت الجيار
"قد يكون وصف إحسان عباس بـ سادن التراث خير معبّر عن شخصه كباحث ومحقق ومؤرخ شغوف بالنصوص التراثية، لكن صفة علاّمة قد تفيه بعضاً من حقه، هو الذي يتسم بخامة نادرة تذكّر بجهابذة الفكر والأدب في عصر النهضة، ويكفي إحسان عباس أن يكون ذلك العلاّمة النهضوي الذي صالح بين هويته التراثية وانتمائه الحداثي".
عبده وازن
"كان الدكتور الموسوعي إحسان عباس يحسن الاستماع إلى جلسائه ويتقبل آراء الناس مهما يكن حظها من العمق والتماسك والشمول على اختلاف طبقاتهم وحظوظهم من العلم والثقافة، لكنه كان يضيق أشد الضيق بأدعياء العلم والثقافة".
د. إبراهيم السعافين
"كان عباس يعلّم المرء كيف يكون موضوعياً، وكيف يستمع إلى رأي الآخرين، لم يطمح يوماً إلى سلطة، فقد كان يمتلك سلطة العلم، ولم يطمع في جاه فقد كانت لديه ثروة العلم وثروة حب الناس وتكريمهم له كان موسوعي الثقافة مع عمق الباحث المتخصص، يكتب في الأدب والتاريخ والنقد والتحقيق، حضوره العلمي لا يمكنك أن تنساه، تعليقاته الساخرة في مجلسه كانت تكسب شخصيته بُعداً ساحرا".ً
د. صالح أبو إصبع
"إن كل كتابات إحسان عباس تتصف بالإحكام والرصانة والجدية والعمق والإخلاص، مفاهيمه وتعريفاته المتعددة للأدب والنقد تحتاج إلى بحوث مستقلة، إذ تراه يطلق جملاً مركزة مكثفة فياضة بالمعاني والدلالات، فالعملية النقدية من وجهة نظره تشبه عمل العالم في مختبره، إذ يقرر أن النقد عملية كشف وتكبير وتقريب".
د شكري الماضي
"يؤمن الدكتور عباس، وعارفو أدبه، بأنه خدم أمته، وأثرى تراثها الثقافي، لكنه وقد أطلَّ على بواكير العقد السادس أصبح يؤمن بأن البندقية كانت أبلغ قولاً وعملاً في سبيل تحرير وطنه المغصوب، وشعبه المصلوب، وشرف أمته المعطوب".
يعقوب العودات/البدوي الملثم 1976م
"إن من يقرأ الدكتور إحسان عباس أو يتابع مساهماته وجهوده لابدّ أن يتذكر ذلك الجيل الموسوعي من العلماء والكتاب العرب الذين أسهم كل منهم في العديد من ميادين المعرفة كالجاحظ والفارابي وابن رشد والعقاد وطه حسين".
نزيه أبونضال
"كان الدكتور إحسان عباس يؤمن إيماناً راسخاً بأن الإبداع الثقافي فِعْل فردي خالص، وكان يؤمن بأن كثيراً من طاقات المثقف يمكن أن تضيع عبر العلاقات العامة، لذلك جوبِهَ بسوء فهم حينما كان منكبّاً على مشروعه الفردي، ودار الزمن دورته، وتبيّن أن ما أنجزه عباس يتجاوز في أهميته ما أنجزته مؤسسات بأكلها، وتمخضت وحدته عن عشرات المجلدات، ولم يكن يعبأ بكل ما يقال عن عزلته وتوحُّده مع مشروعه الثقافي".
د غسان اسماعيل عبد الخالق
"أن تقف أمام تاريخ شاسع بسعة تسعين كتاباً، وحجم د إحسان عباس، يعني أنك أشبه بمن يغرف الفضاء بالملعقة، وتزداد صعوبة المهمة أمام جلال الغياب، فبعد ثلاثة وثمانين عاماً من العطاء والاشتباك الحميم مع الحياة، يكون من حق الجميع أن يشهدوا ويتذكروا ويكتبوا حتى لتتشابه الصفحات فلا ترفع الأقلام ولا تجف الصحف بل هل من مزيد؟".
الشاعر أحمد دحبور
هوامش
1- اعلام فلسطين/محمد عمر حمادة/ج1/دمشق/1985م.
2- د. وداد القاضي/مجلة الباحث/العدد 24/السنة الرابعة
3- من اعلام الفكر والأدب في فلسطين/البدوي الملثم/عمان/1976.
4- سودانيز اونلاين دوت الفيسبوك.
5- السيرة الذاتية في الأدب العربي /تهاني شاكر/المؤسسة العربية للدراسات/بيروت/2002م.
6- غربة الراعي/دار الشروق/عمان/1996
7- د حسام الخطيب /النقد الأدبي في الوطن الفلسطيني والشتات/المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت/عمان/1996
8- إبراهيم السعافين: إحسان عباس نقطة تحول/مجلة الجديد، عمان/1994
9- صدقي حطاب: الذكرى الثانية لرحيل عباس2005/عمان.
10- مواقع مختلفة على الشبكة العنكبوتية العالمية.