عدلي صادق 61/12/2004
http://www.adlisadek.com
شهيد عملية النفق، في معبر رفح، هو المؤيد بحكم الله. كان لأبيه الذي قضى شاباً، إسمان، أحدهما متداول، والثاني في الوثائق. وكان لجدّه المرحوم العم أبو فتحي، لقب يتداولونه للتعريف، فضلاً عن لقبين تسجلهما الوثائق: الأغا والفالوجي. أما لقب التعريف به، في الكلام المتواتر، فيعتمد اسم الراحلة أمه، جدة المؤيد بحكم الله ومقاديره، وهي ـ بالمناسبة ـ عمتي!
المؤيد بحكم الله، وهذا اسم الشهيد في بطاقة التعريف، كان تواقاً للانضمام الى سلك الشرطة، ولفرط رغبته في أن يكون في هذا السلك، لم ينس في وصيته، أن يمنع الشاب الذي حلّ مكانه، في قائمة شُبان انتسبوا للشرطة، من السير في جنازته. كان يعرف أن له جنازة وشيكة، ويعرف أن رفاقه، من "الصقور" سينفّذون الوصية، ويعرف كذلك، أن أحداً في خان يونس، لن يتأخر عن جنازة شاب، امتلك تلك الجسارة، فتقدم الى مهمته الهجومية!
* * *
ربما كان اجتهاد المؤيد بحكم الله ومقاديره، أن لا أسف على المعبر. يُغلق أو يُفتح سيّان، لأن الفتح بات أقسى من الإغلاق. فالرغبة أصلاً، هي أن ينتسب الشاب الى سلك الشرطة، والتزين برمزيات سلطة تتقدم بنا، الى الاستقلال والحرية، وبالتالي لو أن المعبر كان محترماً، لربما كان المؤيد، أحد العاملين في داخله، ولما كان هدفاً. فللمؤيد بحكم الله إسمان، أحدهما المختصر، وهو مؤيد، والثاني مسجل في البطاقة، وهو المقرون بطبيعة التأييد!
نحن بدورنا نريد المعبر، لكننا لا نطيقه. وبلغة التمني، كنا نرغب في أن يدخل المؤيد الى سلك الشرطة، والى المعبر، ببزته الزرقاء، لكن ذلك المكان، تحوّل الى مفرمة لإنسانيتنا، بينما تحولت الشرطة الفلسطينية، الى هدف للنيران. فأية فلسفة يمكن أن يستبدلها الشاب الفقير الذي شب يتيماً، كمؤيد، بمنطق الرغبة في الانفجار في وجه المعبر، كتجسيد قميىء، لسفالة الاحتلال، وفي وجهنا كسلطة، لم تلتفت الى حاجته، لأن يحصل على وظيفة، تساوي مثقال ذرة من تعيين، فاز به أحد أبناء المتخمين، لكي يأمن لقمة الخبز. فالشاب ـ مع أسرته ـ يواجه أحد خيارين: إما أن يبيع المنزل وفضائه الصغير ـ وهذا مستحيل ـ وإما أن يصبر على الفاقة. لكن المؤيد، اختار طريقاً ثالثاً، لا يليق إلا بمن يأنس الى تأييد الله، وبمن يعرف أن الإحتلال، هو نبع الظلم، وهو الذي سدّ الآفاق!
سبحان الله. في جنازة المؤيد، احتشد الناس ووجهائهم، وبدا الراحل الصغير كبيراً ومبجلاً. فمثلما كان له إسمان، وللمرحوم والده إسمان، وللمرحوم جده إسمان، فإننا ذوو متوالية من المزدوجات المتعارضات: نريد المعبر ولا نطيقه. نحدد سلفاً وجهاءنا، الذين هم في موضع التقدير العالي، فتدهمنا حوادث الأيام، ليتقدم الصغير على كل كبير، ونضنّ على الشاب، بوظيفة شرطي، فتدهمنا اللحظة التي تجود فيها عواطفنا عليه، لكي يكون فارساً وأميراً. فقد فعلها المؤيد، دون أن نملك حق اعتراضه. فعلها في المعبر الذي نريده ولا نطيقه. رحمك الله يا ولدي!
http://www.adlisadek.com
adlisadeq@yahoo.com