فجأة.. ودونما سابق بلاغ ولا إنذار سقط غصن مثمر ورطيب من شجرة فلسطين الخصيبة، شجرة العطاء والطهر والنقاء. ولم يكن هذا خبراً عادياً بالمطلق، كان والوعتاه جمرة ملتهبة أحرقت أكبادنا، وأدمت قلوبنا، وأفاضت بالدم والدمع مآقينا.
الراحل الغالي لم يكن ابن والديه فحسب، بل ابننا جميعاً.. ابن الكلمة الأمينة النزيهة، والعبارة المضيئة المعبرة عن مصداقية كاتبها.
عرفني قبل أن أعرفه، وقرأ لي قبل أن أقرأ له. استهوته كتاباتي وبشكل خاص تلك التي نشرت في «موقع النخلة» بعد أن تعرفت به عام 2006، تكرم بمهاتفتي أولاً من منصة والده الصحافي المعتق، والوطني المخضرم الحبيب محمد سالم الأغا، وتتالت الاتصالات المختلفة بيننا، وتضاعف حبي له بعد أن تعمقت في قراءة أفكاره، وسبر أغوار صفاء روحه، وعلوّ همته، وكثافة نشاطاته الصحافية التي تصب في مجملها بنهر العطاء لفلسطين، وعشقه اللامتناهي لها وطناً وشعباً وقضية. كان طاقة خلاقة من الإبداع والعطاء والشجو الجميل ابتسامته العذبة الناطقة بكل لغات الطهر تجذبك نحوها دونما استئذان، وهذه لعمري هبة ربانية كبيرة.
وكان الفقيد الغالي يلح دائماً عليَّ كي أزور خان يونس الحبيبة التي فارقتها ولم أرها منذ عقدين من الزمن، محاولاً اقناعي بأن أمور الوصول ميسرة عن طريق معبر رفح، وأن الكثيرين من أبناء العائلة قد اعتمروها وسعدوا فيها، كان رحمه الله يلح في الرجاء وأنا ألح في الاعتذار مؤملاً أن ييسر الله الأمور في قادم الأيام، ولم أكن أعلم أن القدر سيحرمني من رؤية الحبيب ابن الأحبة علي بن محمد سالم، ولكن كل شيء بقضاء ما بأيدينا خُلِقْنا تعساء!
وتلمع في خاطري حكمة الشاعر لبيد بن ربيعة الذي أشاد بصدقها حبيبنا الأحب صلى الله عليه وسلم والقائل فيها:
ألا كُلُّ شيء ما خَلا الله باطِلُ
وُكُلُّ نعيم لا مَحالةَ زائِلُ
وُكُلُّ ابنِ أنْثى لو تَطاوَلَ عُمْرُهُ
إلى الغايَةِ القُصْوى فَلِلَقْبِر آيل
وكذلك قول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
للموتِ فينا سِهامٌ وَهيَ صائِبَةٌ
مَنْ فاتَهُ اليَومَ سَهْمٌ لَمْ يَفُتْهُ غَدا
دعوة للتبصّر والتصبُّر
يا أحباب الحبيب علي.. أهلاً، وعشيرة، وأصدقاء، ورفاقاً، وعابري سبلاً فجاجاً، لقد ارتقى علي إلى رحاب مولاه، ورجعت نفسه المطمئنة إلى ربها راضية مرضية، وغابت عنا صورته الندية، وطلعته البهية، وسيرته المضمخة بطيوب الأخلاق وفيوض المزايا، فتعالوا نطفئ غلواء انفعالاتنا بمسكنات من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية التي تحثنا - نحن المكلومين المفجوعين- على الأناة والصبر فلنقرأها بتبصّر وتدبر حتى تؤتي أُكلها والله المستعان..
بشرى
«وبشّر الصابرين الذين إذا أصاَبْتهم مُصيبةٌ قالوا إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، أولئك عليهم صلواتٌ من ربهم ورحمةٌ وأولئك هم المهتدون» (البقرة 155 - 157).
إنذار مبكر للأحياء:
«واتَّقوا يوماً تُرجَعونَ فيه إلى الله ثم تُوفّى كل نفس ما كَسَبَتْ وهم لا يُظْلمون» (البقرة 281).
«أَحَسبَ الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون، ولقد فتنَّا الذين من قبلهم فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الذين صَدقوا وليعلمنّ الكاذبين» (العنبكوت 1 - 3).
"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله (خافوه) ولتنظر نفسٌ ما قدّمت لغدّ، واتقوا الله انّ الله خبيرٌ بما تعملون، ولا تكونوا كالذين نَسُوا الله (تركوا طاعته) فأنْساهم أنفسُهم (في الشدائد) أولئك هم الفاسقون (الخارجون عن طاعة الله) . (الحشر18،19) .
ومن الأحاديث الشريفة قول الحبيب الأحب صلى الله عليه وآله وسلم:
«إنّ عِظَمَ الجزاء مع عِظَمِ البلاء، وأنَّ الله إذا أحبَّ قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سَخِط فله السخط» (رواه الترمذي)، والابتلاء معناه الاختبار.
وقال صلى الله عليه وسلم: «مايزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه من خطيئة»،. (الترمذي).
وقال صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من رزقهن فقد رزق خيري الدنيا والآخرة: الرضا بالقضاء، والصبر على البلاء، والدعاء عند الرخاء» (الترمذي).
وورد في الحديث القدسي عن رب العزة: «إذا وَجَّهْتُ إلى عَبْدٍ من عبيدي مُصيبةً في بدنه، أو ماله، أو ولده ثم استقبل ذلك بصبر جميل، استَحَيْتُ منه يوم القيامةَ أن أنْصُبَ له مِيزاناً أو أنْشُرَ له ديواناً».
تضرع وتذلل
يا فضلاء القوم: من كان يحب أبا محمد وفرح فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وليسمّ بالله الرحمن الرحيم، ويردد هذا الدعاء بكل تجرد وشفافية:
رباه.. يا خالق الحب والنوى، يا قيوم السماوات والأرض، يا رحمن الدنيا والآخرة، يا مالك يوم الدين، يا من إياك نعبد وإياك نستعين، نتضرع إليك بأحب الأسماء والصفات والدعوات إليك، أن تجود بالرحمة والمغفرة على عبدك علي، ابن عبدك محمد سالم، ابن أَمَتِكَ آمنة قاسم الأغا، وكافة أحبابنا الراقدين في حماك، من اتباع مصطفاك صلى الله عليه وسلم، وتسكنهم في أعلى مراتب جناتك جنات الخلود مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن تشملنا بلطائف كرمك إذا صرنا إلى ما صاروا إليه. آمين.
اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم بعدد ما في علم الله صلاة دائمة بدوام ملكك، وعدد خلقك، ومداد كلماتك، وزنة عرشك.
اللهم صل على محمد وآل محمد بعدد ما أمطرت السماء منذ بنيتها، وعدد ما أنبتت الأرض منذ دحوتها، وعدد النجوم في السماء، وعدد ما تنفست الأرواح منذ خلقتها.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد حتى لا يبقى من الصلاة شيء، وبارك على محمد وآل محمد حتى لا يبقى من البركة شيء. وصلّ على محمد عدد من صلى عليه، وصلّ على محمد عدد من لم يُصلّ عليه.
وصلّ اللهم على محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدين، اللهم كما آمنا بمحمد ولم نره فلا تحرمنا في الجنان رؤيته ببركة الصلاة والسلام عليه وعلى كافة أنبيائك ورسلك. آمين.
اللهم يا مؤتي لقمان الحكمة، يا مبشر زكريا بيحيى، يا من قَبلتَ قربان هابيل، ويا رافع إدريس مكاناً عليا، صلّ على نبيك محمد وآله بعدد ما خلقت من الجن والإنس والشياطين، وما أنت خالقه منهم إلى يوم الدين، يا رب ..اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والأموات وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إضاءة
من كان يحب عليا فلا يبخل عليـــــــــه بالـــدعـــــــــــــاء ،
وقراءة الفاتحة ، وسورة يس، وما تيسر من القرآن الكريم .
[1] الحاج حسين خالد حسين الأغا وأسرته الكريمة | شكر وثناء | 27-11-2012
[2] خليل محمد نايف محمد حمدان الأغا | رجل الظل | 28-11-2012