الأنظمة العربية وفلسطين
كتب : أ. عبد الكريم صقر الأغا
إن سياسة الأنظمة العربية منذ بداية القضية الفلسطينية لم تتغير لا مع الكيان الصهيوني ولا مع غيرة من أقطاب القضية الفلسطينية رغم مرور الزمن وتغيره.
وهذا يظهر من خلال موقف الأنظمة العربية من الكيان الصهيوني بتقديم تنازلات ومكافآت جديدة ففي عيده الخامس والستون والذي أطلق عليه عيد الاستقلال ، أما في قاموسنا السياسي والاجتماعي فهو يوم النكبة لأنه يمثل احتلال فلسطين وتشريد أهلها وهو ما يعني البداية الحقيقية للمأساة الفلسطينية والذي تم ترسيخ مفاهيمها وواقعها قرار وزير الخارجية البريطاني ( آرثر بلفور ) من خلال وعده المشئوم في نوفمبر 1917 والذي ينص على " إقامة وطن قومي لليهود علي أرض فلسطين بعد احتلالها من المستعمر البريطاني ووضعها تحت الانتداب البريطاني .
وفي هذه الأثناء تم تكوين جيش يهودي من العصابات الصهيونية ( الهاجاناة ) وغيرها وتسليحها ودعمها من جانب القوات البريطانية المحتلة لفلسطين وهذا تطبيقاً لما وعدت به بريطانيا الصهاينة بإقامة دولة الكيان في الخامس عشر من مايو أيار 1948.
فالأنظمة العربية ما زالت تنهج نفس السياسة السابقة حتى تاريخه تجاه القضية الفلسطينية وللأسف لقد تبنت منظمة التحرير بعض وجهات نظر هذه الأنظمة ولم تستفيد من دروس الماضي .
فلقد نفذ شعبنا الفلسطيني أطول إضراب في التاريخ عام 1936وهذا الإضراب لم ينته إلا بعد تدخل حكام العرب في ذلك الوقت ، والذين تعهدوا فيه لشعبنا بناءاً علي وعود بريطانيا لهم بوقف الهجرة اليهودية إلي فلسطين ,وهذا لم يحدث علي الإطلاق والهجرة ما زالت وتدفق الموارد البشرية حتى تاريخه ، وهنا أقول ها هي الأمور تتكرر وما زال الكيان الصهيوني يستقبل المهاجرين اليهود ويقوم ببناء المستوطنات علي أرض فلسطين 1948 و1967 وبعهود وتأييد ومباركة من بعض الأنظمة العربية .
وبعدها استفردت القوات الصهيونية برجال الثورة الفلسطينيين وبدعم بريطانيا وتصدوا لثورته التي استمرت من عام 1936-1939 ولكن كان قرارها وللأسف الشديد بتقسيم فلسطين عام 1947 والذي من خلاله دخل وعد بلفور الانجليزي حيز التنفيذ محلياً ودولياً .
وبعدها بدأت الأنظمة العربية بالقيام بدورها التقليدي وهو الجري وراء الحلول السلمية الوهمية من خلال الهدنة الأولي والثانية والتي كان نتائجه احتلال باقي فلسطين 1967ولحق بها قرار 242 وبعده 338 وبعدها اتفاقية كامب ديفيد 1978المصرية الإسرائيلية والتي أدت إلي ترسيخ الكيان الصهيوني والخلافات العربية ، وبعدها وصلنا إلي مؤتمر أوسلو الشهير عام 1992 والذي من نتائجه اعتراف منظمة التحرير بالكيان الصهيوني عام 1993 واعتراف الأردن بالكيان 1994 في اتفاقية وادي عربة .
وبعدها وصلنا إلي لب الموضوع وهو طرح المبادرة العربية2002 في بيروت والذي كان من نتائجه التعهد والاعتراف الجماعي العربي بالكيان الصهيوني والتطبيع مع دولة إسرائيل مقابل القبول وليس الاعتراف بإقامة دولة فلسطين في الضفة وغزة .
لقد اقترحت مبادرة السلام العربية علي الكيان الإسرائيلي إقامة علاقات مع كافة الأنظمة العربية مقابل الانسحاب من أراضي عام 1967وإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية إضافة إلي حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين وها هي النتائج واضحة .
وتعقيباً علي المبادرة وصفها الإرهابي والقاتل شارون رئيس الوزراء الصهيوني في ذلك الوقت بأنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به ، ولقد رد علي ذلك باجتياح واسع للضفة مع ارتكاب جرائم كبيرة وبشعة ضد شعبنا في الضفة وغزة مع تشديد الحصار علي المقاطعة برام الله مستهدفاً الرئيس الرمز ياسر عرفات ...
نعم ...والآن بعد مرور أكثر من احدي عشرة عاماً علي هذه المبادرة التي ولدت مشوهة بل ميتة.. تعود الأنظمة العربية وفي عصر ما يسمي بالربيع العربي " الثورة القلابة " يعودون إلي تقديم المزيد من التنازلات والدعم للكيان الصهيوني ، لقد تنازلوا عن أكثر من 75% من أرض فلسطين التاريخية وتنازلوا عملياً عن حق العودة لشعبنا الفلسطيني لوطنه وأرضه الذي أخرج منها قهراً وظلماً حتى أراضي عام 1967 وهذا تحت بند " تبادل الأراضي "والذي يتضمن ضم أراضي المستوطنات اليهودية إلي الكيان الصهيوني وهذا يعني التنازل عن حوالي 60% من أراضي الضفة الغربية وتقطيع الضفة إلي أجزاء صغيرة ( كانتونات ) صغيرة وغير متصلة ببعضها البعض وهذا كحال الضفة وغزة والآن رسّخ الانقسام هذه الأفكار و المقترحات والله أعلم ماذا يحصل غداً ؟
فكيف يكون هذا الاقتراح ومن خلال التصريحات العربية الاستهلاكية والخادعة بأن السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين هو خيار أساسي واستراتيجي للدول العربية ...
هذا ولحتى الآن الكيان الإسرائيلي لم يوافق علي هذه المبادرة والتي هي لصالحه 100% وهل قبلت هذه الدولة الوضيعة بالسلام كمبدأ وخيار دولة لا تقوم إلا علي الحرب و تأجيج الصراع والقتال والانقسام واليوم نؤكد بأن السلام عدو رئيسي لدولة الكيان وفيها زواله .
من الواضح أن الأمر لا يتعدي إلا الاستجابة لتصريحات وزير الخارجية الأمريكي خلال زيارته للكيان عندما قال : إن المبادرة العربية قد لا تكون ملائمة كأساس للمفاوضات في صيغتها الحالية.
إن هذا التنازل الجديد للكيان الصهيوني من الأنظمة العربية منح الاحتلال الإسرائيلي إمكانية التعديل للمسائل الجوهرية والأساسية في القضية الفلسطينية ويحقق المزيد من التنازل .. مثل القدس وما أدراك ما القدس وما يحصل فيها من ممارسات وتغيرات جوهرية تهدف إلى تغير الطابع العام إلى واقع مؤلم . وكذلك عودة اللاجئين .. الآن تفاقمت قضية اللاجئين ومن خلال ما يسمى بالربيع العربي أنة الربيع الصهيوني بل الخريف العربي فما هو مصير اللاجئين الفلسطينيين في هذه الدول أي دول الثورات العربية فما مصير اللاجئين بالعراق وسوريا وليبيا ومصر ولبنان وغيرهم ... و لقد أصبح التركيز علي القضايا الفرعية والثانوية وهي التطبيع الكامل مع الدول العربية من غير الانسحاب من الأراضي المحتلة .
وها هو الرد القاسي والمستهتر بالعرب من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو معلقاً علي التنازلات العربية وهو قبولهم المبادرة العربية " إن النزاع مع الفلسطينيين ليس علي الأراضي بل علي عدم رغبة الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي هو أصل النزاع أي بيهودية الدولة العبرية .
وها هي إسرائيل تواصل تهويد القدس والضفة من خلال قضم الأراضي وزيادة بؤر الاستيطان وتغيير معالم القدس وإزالة كل المعالم الحضارية للمدينة وكذلك المدن الفلسطينية الأخرى التي لم تسلم من ذلك أي مدن 1948.
هل كل هذه الإجراءات الصهيونية لم تكف لإقناع الأنظمة العربية بحقيقة الصراع العربي الصهيوني وهل لم تقنع قادة الشعب الفلسطيني بأن الأنظمة العربية سبب فيما وصلت إليه القضية الفلسطينية وهل الأنظمة العربية أوصياء علي الشعب الفلسطيني أو ولاة أمره أم كفلائه أمام العالم ، كل هذا وحتى الآن لم يقدم الكيان أية مبادرة أو بادرة تدل علي حسن نواياه تجاه ما تطلبه الأنظمة العربية ومنها المبادرة القطرية والتي جأت في وقت لا يحسد علية قادة ترسيخ الانقسام واعوانة .
ولقد كشفت بعض الوثائق التي تم نشرها مؤخراً أو سمح بنشرها وهي ما قاله أحد الضباط البريطانيين قبل 65عاماً " أن رئيس الاستخبارات العسكرية البريطانية في فلسطين المقدم " سي نورمان" خلال حرب 1947- 1948وصف الزعماء العرب بأنهم جبناء لأنهم لم يتصدوا للقوات اليهودية ، إنها المأساة العربية الفلسطينية التي ما زالت تقدم وتقدم المزيد من التنازلات دون فائدة أو دون مقابل فالحكيم من يتعلم من أخطائه وأخطاء غيره .
عبد الكريم صقر الأغا
abdulkareem@elagha.net
[1] المحامى / عبد العزيز يوسف الاغا | شكر وتقدير | 25-06-2013