إلى الباحثين عن التميز!!
ياعظيم المن يارب السما مدني بالعفو عمن ظلمـــــا |
واجعلن مني تقيا مؤمنا يقتفي الهادي الحبيب الأعظما |
عيش من يعفوهنئ طيب قلبــه من كل شر سلمــا |
يا قلوبا زينتها رحمـــــة ليت قلبي فيك بالعفو انتمى |
لو درى المبحر في أحقاده ماالذي في عفوه ما انتقمــــــا |
راحـــة للقلب.. عز.. رفعة ومــن الأسقام للجسم حمى |
إنما العفو سبيل للرضى أي عفو جر يوما ندمــــــا ؟ |
أسعد الناس وأنداهم يدا من يلاقي سوءهم مبتسمــــا |
ياعظيم المن يارب السما مدني بالعفو عمن ظلمـــا |
واجعلن مني تقيا مؤمنا يقتفي الهادي الحبيب الأعظما |
تعجبني هذه الأنشودة للمبدع / أسامة الصافي ، ويروق لي سماعها بين فترة وأخرى
بل أتمنى أحيانا ألا تنتهي من شدة ما أحلق معها في عالم المثل ، وأذكر أنني أول ما سمعتها جاشت مشاعر فياضة في قلبي المعنى ؛ تخيلتها في مدرستي عرضا مميزا للطالبات وتخيلت أبياتها إهداء في بطاقة لعزيز ، وتخيلتها سببا للإصلاح بين أخوين أو صديقين أوبين عائلتين ، وتمنيت لو أن الكل يسمعها علها توقظ معاني الخير في القلوب وتحيي الحب في البيوت .
يهز قلبي هذا الحديث الشريف : ( يئس الشيطان أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم ) نعم لقد نجح الشيطان في التحريش والتفريق بين المسلمين ونحن الذين أهديناه هذا الوسام مع مرتبة الشرف ! فكم قطع من علاقات متينة ، وكم فرق من أواصر حميمة، وكم أفسد من قلوب سليمة، وكم أوغر من صدور نظيفة ، وكم أوصد من أبواب مفتحة ،وكم عمق من خلافات بسيطة، وكم وكم أشعل النار في رماد خامد !!
أتعرفون ما هي الحالقة التي حذر منها الرسول المصطفى ؟ إنهاإفساد ذات البين، أما لماذا سماها الحالقة فليس لأنها تحلق الشعر ولكن لأنها تحلق الدين بما يترتب عليها من فساد وإفساد ، تحلق الدين.. سبيل نجاتي ونجاتك وثباتي وثباتك ..
إن الخصومة مع ذوي الرحم والتي تمتد إلى شهور بل وسنين لتتحول إلى خصومة بين يدي الملك الجبار وانقطاع عن حبل الله المتين ، ففي الحديث : ( إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة ، فقال الله جل وعلا :أما ترضين أن أصل من وصلك وأن أقطع من قطعك ؟ قالت : بلى ، قال : فذلك لك ، ثم قال رسول الله : اقرؤوا إن شئتم : ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم )
إن صلة الرحم ليست شيئا هامشيا في حياة المسلم بل هي من صلب رسالة الإسلام ومن صلب عمل المسلم ، بل إن قاطع الرحم لا يدخل الجنة كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم ( لا يدخل الجنة قاطع رحم ).
إنني أستهل نفحات الشهر الكريم الذي يطل علينا هذه الأيام علها تلامس شغاف القلوب فتهزها وتوقظها وتقول لها : كفى خصاما .. كفى قطيعة : ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله ) ..( إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا )
في رمضان الشياطين مصفدة والقلوب رقيقة ، إنها فرصة للصلح مع الله وللصلح مع البشر ، لا تتردد فربما يكون صلحك مع من تخاصم في هذا الشهر الفضيل سببا في حسن خاتمتك أو في مغفرة ذنوبك أو في ثباتك عند السؤال في القبر فيتحول إلى روضة من رياض الجنة فتدخل الفردوس الأعلى . هيا .. لماذا التردد؟ ماهو الأمر الكبير الذي من أجله تخاصم أخاك ؟ هل هو أكبر من رضا الله عليك ؟ هل هو أكبر من الأجر الذي ينتظرك عندما تبادر في الزيارة ومد يد الصلح والصفح والأخوة ؟؟
إن الحقيقة التي يتغافل عنها الكثير من الناس أن معظم أسباب الخلافات تافهة لا تذكر، ولو رجعنا إلى الوراء قليلا لوجدنا أن الخلاف ربما يكون بسبب كلمة فهمت عن طريق الخطأ، أو حديث نقله مفسد لايتقي الله، وأحيانا يكون طفل صغير هو سبب هذا الخلاف، أوموقف لم يحسن فيه الطرف الآخر التصرف سهوا لا قصدا ، أوقد تكون طباعا مكتسبة لا يدري صاحبها أنها قد تضايق الآخرين ، أو قد تكون لحظة غضب طارئة ورد فعل مفاجئ لم يسيطر فيها على نفسه فيكون هذا الخلاف مرتعا خصبا للشيطان، تنسج من خلاله أفظع الحكايات وأغرب المواقف وهي في الحقيقة بالون فارغ ليس فيه إلا الهواء، و الهواء فقط .
أما إذا كان سبب القطيعة أكل مال أو اعتداء واضح فينبغي للمعتدي أن يتقي الله ويعتذر ويرجع ويصلح الخطأ ولاتأخذه العزة بالإثم؛ فالمرء كما يدين يدان والظلم ظلمات في الدنيا والآخرة ورب دعوة مظلوم صعدت للملك العلام فأصابت في مقتل .
ثم لنسأل أنفسنا: هل هذه الدنيا بسرعة انقضائها وقصر أيامها تستحق منا أن نلوث فيها قلوبنا أو أن نضيع حسناتنا أو أن نحفر بأيدينا ذكريات مؤلمة تنقش في قلوب وعقول من حولنا ؟!
لماذا ننتظر اللحظة الأخيرة من العمر التي نندم فيها ونتمنى العودة لنجبر الكسر ونصلح الأمر ؟ لماذا نترك للشيطان متسعا لينتصر علينا ويمنعنا من النهوض ؟
تخيل أن الشارع الحكيم قد أباح الكذب من أجل الإصلاح فو اعجبى ممن يكذب ليفسد بين قلبين ويوقع بين اثنين ، كيف سيكون عقابه ؟!
من قال أن العفو ضعف وأن الصلح هزيمة وأن التواضع انكسار وذلة ؟؟ لقد وعدك الرسول الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .. الرسول الذي تنتظر شفاعته .. الرسول الذي تتمنى أن تجلس بجواره في جنان الله ؛ لقد وعدك بأنه لا يزال معك من الله ظهير ، يعني : مدد وقوة ونصر ، متى ؟ تأمل : ( جاء رجل إلى الرسول وقال : يا رسول الله : إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي ، فقال ( إن كنت كما تقول فكأنما تسفهم المل ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم مادمت على ذلك) وتسفهم المل يعني كأنك تنثر الرماد الحار على وجوههم بإحسانك وهم قاطعون.
المفهوم الحقيقي لصلة الرحم يوضحه هذا الحديث : ( ليس الواصل بالمكافئ وإنما الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ) هذا هو الأصل وهذا هو المعنى الحقيقي لصلة الرحم وهو معنى خطير وكبير وثقيل أيضا إلا على من يسره الله عليه .
وقد وصف الله الكريم المؤمن الصادق المتعالي عن ضغائن نفسه ، الذي يدفع السيئة بالحسنة بأنه ذو حظ عظيم ، يقول الحق : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه( ولي حميم) وما يلقاها إلا (الذين صبروا ) وما يلقاها إلا( ذوحظ عظيم ) وإما ينزغنك من الشيطان نزغ { فيمنعك من الإصلاح والعفو والمبادرة } فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) لنقرأهذه الآية بتدبر ولك أن تتخيل معي كيف أن سحر الخلق الفاضل ليفوق في كثير من الأحيان سطوة الانتقام والمعاملة بالمثل والتي يشترك فيها الكثير من الناس..
لذلك أدعو : كن متميزا ، فالخروج من طوق( الإمعة) هبة ربانية وصفة نادرة عبر عنها المصطفى بكلمات من نور ( لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن أساؤوا أسأنا ولكن ( وطنوا ) أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا لا تظلموا )
تخيل لو أن كل إنسان سيقابل أخاه بمثل شره إذن لتخلى الناس عن خصال الخير وغدوا في غابة لا حاكم فيها ولا رقيب ، وتخيل معي أيضا عندما تحيا معاني الخير في النفوس ويتبارى الناس في الإحسان عندها تغلق أبواب الشر على الشيطان ولا يتاح للإساءة أن تتفاقم بل يغمرها الإحسان ؛ لا تتخيل هذا الأمر ضربا من ضروب الخيال ألم يقل الله عز وجل ( وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم )
فكن أنت ذا الحظ العظيم ، وكوني أنت ذات الحظ العظيم ، ولنكن نحن جميعا كذلك وقد حققنا أعلى مقامات العفو ؛ إننا وهم تحرير الوطن يرافقنا من المهد إلى اللحد نتطلع حتما إلى مقامات الشهادة فلن يصعب علينا بإذن الله أن نقوى على العفو والصفح وكسر شوكة الهوى بإذن الله ، الذي يعين من استعان به وينصر من استنصر به ويهدي من استهدى به ..
إلى كل قلب صادق .. ويد معطاءة .. ونفس زكية .. ولسان مسدد .. كبير أو صغير ..رجل أو امرأة .. قريب أو بعيد .. لاتحتقر جهدا ولا تخش أحدا ...
بادر بالاعتذار وإصلاح الخطأ إن كنت مخطئا،
وبالعفو والإحسان إن كنت مظلوما،
وبالإصلاح والتوفيق لتجمع بين متخاصمين ..
واعلم أن غراس الخير الذي تبذره في الدنيا بصبرك وتقواك ستحصده غدا بإذن الله في عقبك وذريتك وفي مستقرك الأخروي .
كن متميزا وجدد النية، واجعل شعارك هذه الآية.. وتدبرها : ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس )
هذا هو الأمل ، إذ كيف تقر عين وتهدأ نفس وشق من الروح يجافي الشق الآخر منها
فنحن جميعا بنيان مرصوص في قلاع الأمة الحصينة والوطن الأغر ..
سدد الله الخطا وأصلح القلوب ، نعوذ بك اللهم من همزات الشياطين ونعوذ بك رب أن يحضرون ، جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال وجعلنا وإياكم من عتقائه في هذا الشهر الفضيل ..