اطلالات على شخصيته...
رضوان محمد الأغا ... حارس العدالة الأمين
نبيل خالد الاغا الدوحة
مضت عدة سنوات لم أكتب خلالها مقالات جديدة في موقع النخلة الذي دأبت على الكتابة فيه منذ ستة أعوام ، ذلك أن صديقاً جديداً فرض نفسه عليَّ كما فرضها على عشرات الملايين في العالم، وهو موقع التواصل الاجتماعي الأشهر"الفيس بوك".
وأعتبره أحد أعظم النعم الاعلامية التي منحها الحق تبارك وتعالى لعباده الذين يستغلونه في نشر القيم والمبادئ الاسلامية القويمة , اضافة الفوائد الثقافية الجمة التي ينهل منها الناهلون.
لقد استمتعت مؤخرا بقراءة مقال ممتع في موقع النخلة كتبه بأسلوب سلس الشاب المهذب أمجد نعيم الاغا بعنوان "المستشار رضوان الآغا... أحد عمالقة القضاء الفلسطيني".
والمقال مدجج بالحقائق والوقائع التي تزيد من قيمته وتضعه في قائمة المقالات المميزة التي نشرت بموقع النخلة.
اضافة إلى أن الأستاذ أمجد الذي يعمل في سلك القضاء انفرد بالكتابة عن ابن عمومته رضوان الآغا وهو ماانفك حيا يرزق (84 عاما) ندعو الله تعالى أن يمد في عمره وعافيته.
وقد درج الكتاب والمؤرخون على الكيل بالمديح والاطراء على الشخصيات البارزة بعد أن ترجع نفوسهم إلى بارئها راضية مرضية، ويحضرني في هذا المقام قول أبي القاسم الشابي:
النّاسُ لايُنْصِفونَ الحيَّ بينهمُ حتّى إذا ما تَوارى عَنْهُمُ نَدِموا
الوَيْلُ للنَّاسِ من أهوائهمْ أبَداً يمشي الزمان وريحُ الشَرِّ تَحْتَدِمُ
لقد شيّد الكاتب أساسات مقاله الماتع على أسس تاريخية ووثائقية ثابتة لايعرفها الكثيرون، بيد أنني وجدت في جعبتي معلومات متواضعة أود اضافتها كي يكتمل البناء،وتكتحل الصورة، وقد استقيتها من أفياء القرابة الرحمية التي تجمعني بخالي القدير، وهي مجرد اطلالات سجلتها في العناصر التالية:
أولاً: مشهود للخال أبي محمد بره بأرحامه، وقد أكرمه مولاه بأكثر من ستة عشر أخا وأختا من بينهم والدتي المرحومة رقية محمد الآغا(أم أحمد ت1982).
كان يزورنا على فترات وبخاصة في عيدي الفطر والأضحى،ويقوم بإعطاء "العيدية" النقدية لوالدتي حسب العادات والتقاليد المرعية في المجتمع الفلسطيني،ولست أدري هل ما برحت هذه العادة قائمة، أم طواها الردى؟!
ثانياً: شهدت في باكورة حياتي زواجه بالأستاذة الفضيلة المربية ليلى مصطفى الآغا(مواليد 1930) التي كانت مديرة لإحدى مدارس البنات، وكانت- شفاها الله وعافاها- تتمتع بحضور اجتماعي وجمالي كبير، وقد أقيم الفرح على سطح عمارة "أبو دقة" بوسط خان يونس. وهي العمارة الأحدث والأرقى يومئذ. وسكنت الأسرة في إحدى شققها الجميلة.
وبالمناسبة فإن"الست ليلى" كما كانت تلقب مجاملة من الطراز الرفيع، تشع فرحاً وحبوراً للأضياف، سخية اليد، عفيفة اللسان، قوية الشخصية، لا تهاب الحق، تمقت الغيبة والنميمة.
ثالثاً: الإخلاص إحدى الصفات التي يتمتع بها الخال رضوان،وارتبط بنخبة منتقاة من الأصدقاء والأقرباء ، ومن أبرزهم المربي المرحوم أسعد صالح الآغا (أبو صالح) الذي كان بدوره خفيف الظل، ودود العشرة , حاضر البديهة.
فإذا أسعدك حظك وحضرت جلسة معهما، طابت جلستك،وسعد قلبك.وكان وثيق الصلة بأبناء عمومته وبخاصة من أبناء جيله.
رابعاً: بناء على ترتيب مسبق مع أخي الكبير المرحوم أحمد خالد الأغا" أبو خالد"، الذي كان يشغل منصباً صحفياً متقدما في الديوان الأميري القطري، حضر الخال رضوان إلى قطر عام 1980، ومكث فيها حتى العام 1991 عمل خلالها قاضياً في المحكمة، وسكن في شقة ممتازة في عمارة العبيدلي بوسط الدوحة. وهي بالمناسبة كانت أول وأعلى عمارة في الدوحة مكونة من عشرة طوابق، وكانت المحكمة تشغل الدورين الأول والثاني فيها.
الأناقة...عنوان بارز لشخصية الأستاذ رضوان ...أنيق في حديثه، ومظهره، ومجلسه، لا يحبذ الاجتماعات الصاخبة، لا يحب سقط الكلام، ملتزم بقوانين القضاء، نزيه إلى أبعد حدود النزاهة، طاهر القلب واليد واللسان والسلوك. مخافة الله هي العنوان الأبرز في سلوكه وأحكامه القضائية، يعكف على دراسة القضايا" العويصة" في بيته الأكثر هدوءًا وسكينة...معطياً صاحب الحق حقه، وللظالم عقابه الذي يستحقه.
كنت وأسرتي في زيارة ليلية للخال في منزله. وأثناء الجلسة استأذننا في النزول إلى مرآب السيارات الواقع أسفل العمارة بهدف إحضار شيء ما من سيارته، وكان وقتئذ مرتدياً الجلابية" الدشداشة"، فوجئت به مرتدياً ملابسه الرسمية كاملة، وكأنه ذاهب إلى المحكمة، فسألته لماذا لم تنزل بالجلابية وانت نازل إلى المرآب يا خالي؟
فأجابني:
يجب على القاضي أن يكون بهيئته وهيبته إذا كان خارج بيته، فربما صادفني أحد الجيران او الزوار داخل المصعد او في بهو المراب !!
اياك .. اياك .. يا سيادة القاضي !
خامساً: تعرض الخال ذات جلسة رسمية في المحكمة لموقف طريف ومحرج في ذات الوقت، ذلك أن أحد المتهمين بتعاطي وتجارة نوع غير تقليدي من المخدرات، وتم وضع المادة المخدرة أمام القاضي رضوان الأغا ، وكانت عبارة عن بودرة بيضاء، وبهدف التعرف عليها رفعها بيده بنية شم رائحتها، وإذا بسكرتير الجلسة" أبو وائل صادق " يصيح بصوت عال: لا لا تشمها يا سيادة القاضي فهي مسكرة، ولو لمرة واحدة...وتم تلافي الخطر في الوقت المناسب!
سادساً: كنت خلال فترة معينة من عقد الثمانينات من القرن الماضي أنشر في صحيفة "الراية" القطرية واسعة الانتشار مقالاً في صفحتها الأخيرة كل يوم أربعاء. وكانت المقالات في أغلبها عالية الذبذبات والعبارات بمقياس ذلك الزمن. وكانت تلقى قبولاً حسناً من لدن القراء، وأشهد الله تعالى أني بعد ان توقفت عن كتابة المقالات بعدة شهور، أبلغني مدير الحسابات المرحوم كمال عزب أن توزيع الراية كان يسجل ارتفاعاً ملحوظاً يوم الأربعاء بسبب مقالاتك.
وكان الخال رضوان يبدي إعجابه بمقالاتي ، ينقل لي أحياناً ملاحظات بعض زملائه القضاة فيها، وكذلك كان يفعل أخي المرحوم أحمد.
واعترف للمرة الأولى أمام الأشهاد أني كنت استمد الجزء الأكبر من شجاعتي المعنوية في كتابة بعض المقالات بلهجة قوية من الله تبارك وتعالى أولاً، ثم من الغاليين أخي أحمد وخالي رضوان، علماً بأنني تعرضت لمواقف اجرائية لا داعي لذكرها.
سابعاً: أثناء وجوده في قطر، ارتبط بعلاقات أخوية ومهنية وثيقة مع الفضلاء الذين مارسوا القضاء في الدوحة(الأستاذ حمدان العبادلة، الأستاذ ابراهيم الدغمة، الأستاذ قصي العبادلة).
ثامناً: سجل له تاريخ الشرف والشهامة والغيرة على الدين والوطن مواقف سديدة وجريئة حينما تصدى بصلابة لجريمة التصريح القانوني ببيع الخمور، ورفع شعاره:"إذا كان القانون ميتاً، فالقاضي يرزق".
وقد حاربه أهل الباطل وبعض رموز الفساد في غزة، والمنافقون الذين كانوا يلتفون حوله بعد ان اغلق عليهم ابواب الرزق الحرام، وانفضوا من حوله، وذكر لي أحد أقرب المقربين الصادقين أنه أثناء امامته للصلاة في مكتبه لم يكن يصلي وراءه إلا نفر واحد فقط لاغير!.
تاسعاً: لم يشأ الله تبارك وتعالى للخال رضوان الآغا أن ينجب لحكمة إلهية، لكن الحق جل جلاله منحه الاستقامة والمهابة والنزاهة، ومحبة عباد الله المصلحين الصالحين، ونسأله تعالى أن يكتب له ولأمثاله الطيبين المعطائين سعادة الدنيا والآخرة.
عاشراً:انني أدرك أن هذه العناصر العشرة مجرد اطلالات عابرة في مسيرة الخال، وليس مقالاً معتبرا كامل المقومات الأدبية، لكنني أدرك أيضاً أنها صالحة للاستفادة منها من قبل الباحثين والكتاب على نمط ما سطره قلم ابننا العزيز أمجد ابن أخينا القدير القاضي "الفاضل" نعيم يوسف الأغا أمدّ الله في عمره وعافيته وعطائه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
" ربنا آتنا من لدنك رحمة، وهيىء لنا من أمرنا رشدا" صدق الله العظيم
وصل اللهم وسلم على سيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم صلى الله عليه وآله وسلم بعدد مافي علمه صلاة دائمة بدوام ملكه.
مخلصكم: نبيل خالد الأغا
الدوحة
24-5-2014 ميلادي
[1] وائل خليل احمد الاغا | نسعد ونفتخر | 24-05-2014