يا أهل غزة : أعزكم الله ، حياكم الله ، رحمكم الله ، آواكم الله ، نصركم الله ، رفعكم الله ، نفعكم الله ، هداكم الله ، رزقكم الله ، وفقكم الله ، سلمكم الله ، قبلكم الله .
أنتم على عين الله سبحانه : اصطفاكم لنفسه ، ويصنعكم على عينه ، لينصر بكم دينه ، ويستعيد بكم قدسه ، فكونوا حيث يريدكم الله في مواطن الصبر والرباط ، ولا تهنوا ولا تحزنوا ، فأنتم الأعلون ، والله معكم يحميكم ويحفظكم
لا شك أن ما يجري الآن لأهل غزة من قتل وتدمير ممتلكات، بأنه أحد أشكال البلاء المختلفة ، فالذين آمنوا أرادوا بإيمانهم بالله ورسوله ما عند الله والدار الآخرة ، فلم يؤثر فيهم خسارة الدنيا وما يصيبهم فيها من البلاء والنصب .
فالحصار والحرمان من سنن الله يبتلي بها عباده الصالحين لينظر كيف يصنعون، فهو على أهل غزة شديدا وعنيفا ، وما نراه الآن في أهل غزة من علامات الرضى والثناء على الله بما هو أهله ، وعدم اعتراضهم على الله ، لهو دليل على أنهم أمة مرضية نجحت في الاختبار وسوف يفرجها الله عليهم كما فرجها على المحاصرين في شعب بني هاشم فيخرجون إلى الفتح المبين والانتصار والتمكين . فصبرا يا أهل غزة فأنتم على نهج المصطفى صلى الله عليه وسلم ، يصنعكم الله على عينه لتكونوا جنوده يعز بكم دينه ويستعيد بكم قدسه وأرضه المباركة ، وينتصر لكم من الظالمين , فهي سنة ماضية لم تتخلف سابقا ولن تتخلف أبدا فهنيئا للصابرين .
ولا شك أن المحن تزيد من قوة المبتلى الصابر قوة وبأسا ، وتؤهله لحمل الرسالة أكثر من المؤمن الضعيف الذي لم يتعرض للبلاء والامتحان .
ومثال ذلك : القضيب من الحديد لا يصبح سيفا قاطعا حتى تدخله في النار ، ولا يكفي إدخاله في النار بل لا بد من الطرق عليه بالمطارق ليتحول إلى سيف قاطع بتار له أثر أقوى عدة مرات من قضيب الحديد الذي صنع منه ، لذلك اقتضت حكمة الله أن يبتلي أولياءه الصالحين بالمحن والبلايا ليصبحوا أقوى عودا وأقدر على تحمل الأعباء ، وهذا ما يجري على أهل الإسلام في غزة الإباء والعزة ، توقد عليهم النيران وتلقى عليهم من الطائرات والبر والبحر ، ويشتد عليهم الحصار ويزيد الجوع والخوف والحرمان ، ليخرجوا من هذه المحنة إن شاء الله وهم مؤهلون لحمل الراية إلى المحتاجين والمتعطشين لنور الإسلام .
لقد قال أهل مملكة سبأ نحن أولوا قوة وألوا بأس شديد ، فقدموا القوة وهي العتاد والمعدات وأدوات القتال على القوة البشرية والبأس الشديد . ولكن الله سبحانه عندما توعد اليهود بالقتل والإبادة على أيدي المؤمنين قال سبحانه فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) .
فالقوة المادية من عتاد ومعدات هي منحة من الله مطلوب العمل والسعي لاكتسابها ، وبذل الجهد في ذلك ، بل قد يكون عدم امتلاكها بقدر المستطاع من أسبا الهزيمة والخذلان . ولكن الله سبحانه وتعالى يريد الإنسان المؤمن الذي عليه مدار التكليف وله وبه يكون النصر والتمكين ، فإن كان الإعداد كما يريد الله فرسان بالنهار رهبان بالليل ، لا يخافون في الله لومة لائم ، الله غايتهم والجهاد سبيلهم ، يطلبون النصر من الله وهو حسبهم ، يأتيهم النصر بإذن الله رغم قلة ما بأيديهم من العتاد والسلاح ، ولكن بعد أن يمحصوا ويزلزلوا زلزالا شديدا .
فنحن قوم عزنا في الإسلام وبإقامة الجهاد، شرف لنا وفخر لنا وكرامة لنا أن أقامنا الله مقام عذابه القدري ليكون هلاك الكافرين على أيدينا، فالمنهزمون نفسياً من باتوا يخافون حتى من ظلهم، فلا مقام لهم بيننا، فإن سنة الله الجارية في هذا الكون هي الإثخان بالكافرين وإظهار العداوة لهم وبغضهم ومقاتلتهم وذلك من أوثق عرى الإيمان
وأمريكا اليوم لبست ثياب الكبر وافترت على عباد الله ، تغنى بإفقار الناس والاستيلاء على أموالهم ، وتوقد نيران الحرب على المستضعفين لقهرهم واستعمارهم واستعبادهم ، ولا تتورع في استخدام كل الجرائم والموبقات لإبعاد المسلمين عن دينهم وإذلالهم ، فهي تنافس الله خصائصه سبحانه ، فهو وحده له العزة والكبرياء ، وهو وحده المعز المذل المحي المميت ، وما دونه زائل ، وتوعد من نافسه خصائصه أن يقهره ويذله ويخزيه ، وهذا ما نتوقع حدوثه عن قريب لأنه وعد الله الذي لا يخلف الميعاد .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار}
كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة :
من المسلمات العقدية التي يجب أن يؤمن بها كل مسلم ولا يتم إيمانه إلا بها، أن النصر من عند الله وحده ، ينصر من يشاء وقتما يريد ، وأن القوة والضعف أسباب مكملة أو ثانوية أمام مشيئة الله وإرادته
وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بالإعداد والاستعداد ، وبذل أقصى جهد ممكن في سبيل تحصيل وتصنيع كل عناصر القوة المادية ، من مال وسلاح وعتاد ورجال مدربين في شتى التخصصات .
ولكن قبل كل ذلك لابد من الإعداد المعنوي والمتمثل في تقوى الله والإيمان بقدرته على نصر المؤمنين والمستضعفين ، فالنصر للأتقى إذا بذل وسعه وجهده في الإعداد والاستعداد ، ولا عبرة بما يملك العدو ,
فهذه القوة المادية الهائلة التي يملكها الأعداء والتي بذلوا جهودا مضنية للوصول إليها ، لم يحرمهم الله من جهودهم ، فمن عمل للدنيا – مسلما كان أو كافرا – أخذها وملكها وسيطر عليها بإذن الله ، فهذه القوة إذا هي في قبضة الله هو وحده الذي يحكم ويتحكم فيها ، فكل ما في الكون ملكه يعطي منها ما يشاء ، بل ومن خلال التدبر في الآيات الكريمة فإن الدنيا يمنحها الله للكافرين أكثر من المؤمنين لهوانها على الله ، وأن المؤمنين هدفهم وغايتهم ما عند الله .
فإذا قدر الله تصبح هذه القوة المادية التي منحها الله للكافرين ومن تبعهم غير فعالة وغير حاسمة في النصر والقضاء على المسلمين ، لأن المسلمين في حماية الله وحفظه ، بل قد تصبح تلك القوى المادية غنيمة للمسلمين ، كما رأينا في الفتوحات الإسلامية كيف أصبحت الممالك والدول كلها بما ملكته وبنته وصنعته كلها من أملاك الدولة الإسلامية ، ولم تغن الكافرين قوتهم شيئا عندما واجهوا المتقين ، حيث هزم المتقون الكافرين في جميع المعارك تقريبا رغم الفارق الهائل في كل شيء .
ولم يتعهد الله للمؤمنين بأن يمنحهم من القوة المادية ما منح الأعداء من الكافرين والمشركين ، بل أمرهم سبحانه بأن يبذلوا جهدهم هم بأنفسهم للحصول على ما يمكنهم الحصول عليه من قوة مادية ، ومهما كانت هذه القوة المادية قليلة وضعيفة فإنها بأمر الله تكون فيها الكفاية ولها الغلبة والتفوق ، ما دام المسلمون قد بذلوا أقصى جهدهم في الحصول عليها ، استجابة لأمر الله الذي أمرهم بالإعداد على قدر الاستطاعة ، وهذا يعني مسبقا أن المسلمين قد لا يكونوا بالضرورة بقوة أعدائهم أو حتى قريبا منها .
لقد رأينا بأعيننا كيف أن القوة لم تنفع أصحابها ، بل لقد شاهدنا وسمعنا جنود يهود في معركة الفرقان وهم فارين من المعركة ، يقولون لوسائل إعلامهم أنهم قابلوا أشباحا ، وأنهم كان خائفين طوال الوقت ، بل إنهم كانوا يخافون أن يخرجوا من دباباتهم لقضاء حاجتهم ، فمن أي شيء يخافون ؟ هم يعلمون أن الدبابات التي يركبونها ويقودونها ، أقوى سلاح في العالم ، وأجريت عشرات التجارب أمامهم بكل الأسلحة الموجودة في العالم ، والمضادة للدروع ، والتي حتى إن كان لدى المجاهدين قليلا منها فإنها لا تضرهم ، لأنها لا تؤثر في الدبابة ، إذا لماذا الخوف والهرب في أي مواجهة ؟!! إنه الرعب الذي أنزله الله في قلوبهم ، وفي مدنهم ومغتصباتهم التي بنوها على أرض الفلسطينيين التي اغتصبوها منهم عدوانا وكفرا ، ما أن يسمعوا بصاروخ يسقط عليهم حتى يلجئوا إلى الملاجئ الحصينة والتي أعدت لهم ، وبقوا فيها مختبئين خائفين طوال المعركة ، فمن الذي قذف في قلوبهم الرعب من هذه الأسلحة البسيطة والضعيفة ليبقى ملايين اليهود تحت الأرض .
وفي المقابل : تقذف الطائرات والمدافع اليهودية آلاف الأطنان من المتفجرات والقذائف المرعبة والمخيفة المهلكة ، على الفلسطينيين المؤمنين فلا يخافون ولا يكترثون ، بل ويستمرون في مواصلة حياتهم كالمعتاد وكان الحرب في مكان آخر ، فقد رأينا الأطفال يلعبون الكرة في الشوارع ، والباعة في محلاتهم ، وطلاب المدارس في مدارسهم ، والمصلون يصلون فوق مساجدهم المدمرة .
فمن الذي ألقى السكينة في قلوب المؤمنين ليواجهوا عدوهم وهم مطمئنون إلى نصر الله وتأييده ؟
إنه الله الواحد القهار ، الذي وعد عباده المتقين بالنصر في كل وقت وحين ، شريطة الأخذ بأسباب القوة الممكنة ، وأن يتحلوا بالإيمان وأن يتوكلوا على ربهم حق التوكل ولا ترهبهم قوة عدوهم .
فيا أهل غزة اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ، وثقوا في وعد الله لكم بالنصر ، ويزداد اليقين كلما زاد القهر والقتل ، واعلموا أن النصر يأتي غالبا إذا بلغت القلوب الحناجر ، ويكاد اليأس يذهب بالألباب ، فالنصر قريب بإذن الله والله معكم ولن يتركم أعمالكم ، فأحسنوا الظن بربكم ، وتوكلوا عليه حق التوكل ، وهو حسيبكم ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)
م. ياسين طاهر الأغا
13 7 2014