بسم الله الرحمن الرحيم
انطلق متصهينون عرب في مهمة جديدة، بعد فشل مهمتهم الأولى في تثبيط عزائم المقاومة، والملتفّين حولها من أبناء الشعب العربي.
المهمة الجديدة التي سارعوا إلى تنفيذها، في محاولة منهم لجعلنا ننسى جريمتهم المخزية في التصهين والانحياز للعدو في أثناء الحرب، هي إشعال فتيل نقاش جانبي، بشأن فكرة واحدة، هي أن غزة لم تنتصر! لكنهم بالطبع لم يجرؤوا على القول إن إسرائيل انتصرت، وخصوصاً أن إسرائيل نفسها لم تجرؤ على ذلك.
وفي الوقت الذي ظهر فيه مذيعو القنوات الصهيونية متجهمي الملامح وهم يقرأون خبر الاتفاق الذي اعتبره معظم المتابعين الموضوعيين انتصاراً واضحاً وصريحاً لغزة ومقاومتها وهزيمة نوعية لإسرائيل، تبارى المتصهينون في التشكيك بالانتصار، بتشفٍ واضح، بينما لجأ بعضهم، من المراوغين والمثبطين، إلى حيلتهم القديمة في التستر وراء أطفال غزة، والقول إن ما حدث قتل مجاني لهم، وتدمير للبيوت والمنشآت بلا أي فائدة، وإن ضحايا غزة أكثر بعشرات المرات من ضحايا إسرائيل. والتخريب الذي حدث في غزة أكثر بما لا يقاس بالذي حدث في إسرائيل، وغيرها من الحجج التي لم يملّوا من ترديدها طوال حرب الخمسين يوماً.
ولعلّ القتل والتدمير هو الهدف الوحيد الذي نجحت فعلاً فيه. فالأنفاق، كما يبدو، ما زالت تعمل بكفاية نوعية، وسلاح المقاومة ما زال بأيدي المقاومين، والطلقة الأخيرة التي أطلقت قبل توقيع اتفاق وقف إطلاق النار كان طلقة فلسطينية، في دلالة ذكية على بقاء الكلمة الأولى لرجال المقاومة
نقل عن وزير الخارجية الأمريكية الأسبق هنري كسنجر قوله: " الجيش القوي إذا لم ينتصر فهو منهزم، والجيش الضعيف إذا لم ينهزم فهو منتصر". لكن كسنجر ربما كان يتحدث عن جيشي دولتين متقابلين يتقاتلان أحدهما قوي والآخر ضعيف. أما في غزة فهناك عدوان غاشم من طرف واحد هو الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين منذ أكثر من 60 عاما في احدث استعمار في القرن الواحد والعشرين، والطرف الثاني ضحية العدوان هو شعب اعزل محاصر في بقعة أرضية لا تتعدى 360 كلم مربع بها أعلى كثافة سكانية في العالم. شعب غزة الصامد الذي انتدب خيرة شبابه ليشكلوا مقاومة شعبية قصمت ظهر العدو الصهيوني وزعزعت عقيدته التي يروجها في العالم انه الجيش الذي لا يقهر. هذا باعتراف الصهاينة أنفسهم، وستنبئك الأيام القليلة القادمة بحجم الهزيمة الصهيونية على مشارف غزة.
المقاومة بجميع فصائلها إذن استطاعت أن تحقق نصرا تاريخيا وغير مسبوق في تاريخ المواجهات بين المقاومة والكيان الصهيوني وربما في تاريخ المقاومات الشعبية للمستعمر في العالم، بالنظر إلى الحصار الشديد والشامل الذي تعيش تحته غزة منذ حوالي 10 سنوات. ضف إلى ذلك أنه و لأول مرة وبوضوح وبتصريحات رسمية، تتفق دول عربية مع إسرائيل على ضرورة القضاء على حركة المقاومة في غزة، في ظل هذه المعطيات يمكن القول إن النصر التاريخي الذي حققته المقاومة.
مقارنة مختصرة لحجم القوى بين الطرفين :
- دولة الاحتلال الصهيوني تملك قوة عسكرية تمكنها من حسم المعركة مع جيوش كبيرة بإمكانات كبيرة نظرا لما تملكه من عتاد وتقنية ، فلديها سلاح جوي أمريكي متطور ومتفوق بمئات الطائرات المتنوعة والمسلحة بأسلحة أمريكية شديدة التدمير والتأثير ، - كما تملك قرابة نصف مليون جندي مدرب ومثلهم وأكثر من الاحتياط ، - وتملك من العتاد العسكري ما يزيد على عشرة آلاف دبابة ومدرعة ، - وأضعاف ذلك من الناقلات ووسائل القتال المتعددة والحديثة ، - ومدفعية بعيدة المدى وذات تأثير تدميري شديد ، - وأساطيل بحرية ،- وأجهزة استخبارات وأدوات تجسس وتشويش متطورة ومهمة . وبذلك تعتبر من أقوى الجيوش في العالم ، وعدد سكانها يقارب ستة ملايين ، ولديها ميزانية وأموالا تزيد على ما تملكه جميع الدول العربية مجتمعة بما فيها دول النفط الغنية .
وهي بهذا تكفي لوحدها لسحق أي قوة مقاومة في غزة وغيرها ، فما بالك إذا أضفنا إلى ذلك قوى التحالف الغربي كلها مجتمعة تمدهم بما يحتاجونه من أموال وعتاد وقوة وتأييد معنوي وسياسي !!
ويتبع ذلك للأسف تأييد عربي مادي وسياسي ، إضافة إلى جزء من المنافقين في الشعب الفلسطيني
فهم إذا يملكون كل مقومات النصر السريع والساحق لأية قوة مواجهة لهم مهما بلغت !!
وفي المقابل ماذا يملك أهل غزة ؟!! قليل مستضعفون محاصرون ومجوعون وفقراء ، يخافون أن يتخطفهم الناس ، محصورون ومحاصرون في قطعة صغيرة من الأرض تفتقر لكل مقومات الحياة والبقاء ، فضلا عن أدوات المقاومة من السلاح والعتاد .
إن المواجهة المباشرة بين جيش الاحتلال الصهيوني والمقاومة الفلسطينية على الأرض كانت لصالح المقاومة مئة بالمئة ( 100 % ) حيث بلغ عدد الجنود الذين استدعاهم الكيان ما يقرب من مئة ألف(100000) جندي ليواجه بضعة آلاف مقاوم في مساحة ضيقة، وهذا العدد الهائل من الجنود مقابل تلك القطعة الجغرافية الصغيرة في حد ذاته يعتبر هزيمة للكيان الصهيوني.
- وبعد أيام من القصف الجوي العشوائي لغزة من قبل الطيران الحربي الصهيوني، أعلن عن بدء الحرب البرية وبقيت القوات الصهيونية تراوح مكانها على تخوم غزة ، وتكبدت خسائر كبيرة في الجنود والعتاد ، مع العلم أن إسرائيل تتكتم عن الحقيقة في الخسائر لضمان تماسك الجبهة الداخلية.
- وربما الأهم هو المفاجأة الكبيرة لفصائل المقاومة التي انتقلت في هذه الحرب إلى موقع الهجوم على العدو عبر أنفاق هجومية خلف خطوط جيش الاحتلال الصهيوني، وهي العملية التي أربكت (إسرائيل) بشكل كبير خصوصا عمليتي "ناحل عوز" ورفح". وقبلهما عملية التسلل لقاعدة عسكرية صهيونية في عسقلان عبر قوات مقاومة بحرية.
- ولأول مرة أيضا استطاعت صواريخ المقاومة أن توسع نطاق استهدافها للمغتصبات الصهيونية حيث كان حوالي 70% من المحتلين تحت رحمة الصواريخ الفلسطينية، وهو ما فرض عزلة على إسرائيل من خلال إلغاء حركة الطيران الجوي من وإلى المطارات الإسرائيلية، واضطرار المستوطنين للعيش في الملاجئ أسفل الأرض ، بالإضافة ـ
وهذا مفاجئ أيضا ـ إلى إعلان المقاومة عن ساعة القصف الصاروخي وتنفيذ الوعد دون أن تنجح "القبة الحديدية" في اعتراض الصواريخ التي طورت وصنعت في غزة.
ومن أهم المفاجئات أيضا ما أقدمت عليه المقاومة من إرسال طائرة بدون طيار لتحلق فوق وزارة الحرب الإسرائيلية .
- تواتر أنباء عن تمرد العديد من الجنود الصهاينة على قيادتهم ورفضهم الذهاب إلى غزة خوفا من المقاومة ، وحل كتيبة من كتائب النخبة في الجيش الصهيوني بعدما قتل اغلب قادتها.
- أضف إلى ذلك عجز الكيان الصهيوني عن التحكم بنهاية الحرب كما بدأها، حيث فرضت عليه المقاومة أجندة إنهاء الحرب وذلك بتحقيق شروط معينة إلا فستستمر المقاومة في الحرب إلى النهاية.
- أدارت المقاومة الحرب إعلاميا بذكاء وتفوق أربك الصهاينة وكانت نقطة قوة المقاومة هي مصداقية أقوالها وتنفيذ ما تعلن عنه ومواجهة شعبها بالحقيقة ، كما استطاعت المقاومة ولأول مرة كذلك اختراق منظومة الاتصال الصهيونية لتنشر رسائل تحذيرية للمحتلين كان لها وقعها وصداها في الحرب الدائرة.
أعلن الصهاينة أن هدفهم من الحرب 1-القضاء على الأنفاق وهو ما لم يتم ، 2- القضاء على صواريخ المقاومة وهو ما لم يتحقق حيث أطلقت المقاومة أكثر من مائة وثمانين صاروخا وقذيفة قبيل دخول الهدنة حيز التنفيذ ،ويمكن القول إن إسرائيل لم تحقق أي هدف سياسي من الحرب 3- القضاء على حكومة الوحدة الوطنية .
بالمقابل فإن المقاومة كانت في موقع الدفاع وبالتالي فالحرب فرضت عليها ولا خيار أمامها سوى المواجهة، لذلك فهي غير معنية بالأهداف ، ومع ذلك فقد سطرت أهداف محددة منطقية وواقعية وموضوعية أهمها رفع الحصار ووقف الاعتداءات الصهيونية المتكررة وإطلاق الأسرى المحررين في صفقة "شاليط" والذين أعيد اعتقالهم في إطار الحملة التي سبقت الحرب على غزة.
- كل قتلى الصهاينة في الحرب على غزة جنود مدججين بالسلاح، بينما جل الشهداء في غزة والضفة أطفال ونساء وشيوخ، وهذا في حد ذاته انتصار أخلاقي وإنساني للمقاومة الفلسطينية وهزيمة أخلاقية كبيرة للكيان الصهيوني.
-وقد حققت غزة نصرا إنسانيا عالميا أيضا تمثل في حملة التضامن الواسعة للشعوب الغربية ودول أمريكا اللاتينية
- ظهور جيش الاحتلال بهذا الضعف وتلقيه هذه الهزيمة سيغير الكثير من معطيات الصراع مستقبلا. وسيفقد الإسرائيليون الثقة في قدرة الجيش الصهيوني على حمايتهم وتوفير الأمن لهم مما سيضطرهم إلى البحث عن أماكن آمنة في مناطق أخرى خارج فلسطين المحتلة. وهي نقطة الضعف الإسرائيلية في معادلة الصراع مع الفلسطينيين. وهذا يعني استراتجيا أن المقاومة نجحت في ترسيخ فكرة الأمن مقابل الأمن في العقلية الصهيونية.
يقول المنافقون وعملاء الصهاينة أن غزة لم تنتصر بسبب الخسائر البشرية والمادية الكبيرة التي ألمت بها
وجوابا على ذلك نقول :
- قتل الأمريكان أكثر من أربعة ملايين فيتنامي ودمروا وأزالوا مدنا بكاملها عن الوجود ، وأبادوا الثروة الزراعية والحيوانية ، ولم يخسروا سوى خمسين ألف جندي حسب اعترافهم ، والنتيجة اعترافهم بالهزيمة وانسحابهم من فيتنام .
- ومثلهم فعل الروس في أفغانستان قتلوا الملايين من البشر ودمروا كل شيء تقريبا ، ثم انسحبوا مذمومين مدحورين مهزومين ، ولم يقل أحد أن الفيتناميين والأفغان انهزموا لأن خسائرهم كانت أكبر من أعدائهم .
- في معركة الكرامة سنة 68 م دمر اليهود قرية الكرامة وما حولها ، وقتلوا من الفلسطينيين والأردنيين أضعاف ما قتل منهم ، وكانت معركة الكرامة نصرا واضحا على اليهود رغم الخسائر الكبيرة .
والشواهد من التاريخ كثيرة لا يمكن حصرها ونكتفي بما أوردناه.
لقد صمدت المقاومة صمودا أسطوريا وألحقت الهزيمة بجيش الاحتلال الذي اضطر إلى إعادة الانتشار في خطوط خارج غزة ثم سحب آلياته من غزة.
ما شكل النصر الذي يرضيكم في حرب بين طرفين، أحدهما مدينة صغيرة محاصرة من كل الجهات، ومنذ سنوات بلا منافذ خارجية ولا ميناء ولا مطار ولا موارد تقريباً، وبأسلحة في معظمها بدائية ومحلية الصنع، والطرف الآخر "دولة" تمتلك ما تدّعي أنه أحد أقوى جيوش العالم بأحدث الأسلحة التي لا تكاد توجد إلا بين يديه، ولم يجرّبها في حرب حقيقية سواه، وبمساندة من أقوى دول العالم؟ أيُّ نصرٍ يمكن أن يكون بين طرفين كهذين، أعظم وأوضح من الصمود والمقاومة والتصدي وفرض الشروط التي أُعلنت، منذ البداية حتى النهاية؟
نعم.. انتصرت غزة لأن أهداف إسرائيل لم تتحقق. فلم تنجح في تدمير الأنفاق، ولم تنجح في تحطيم سلاح المقاومة، ولا في إيقاف الهجمات الصاروخية حتى آخر لحظة، ولم تنجح في شلّ حركة المقاومة، ولم تنجح في تقوية معسكر ما يسمى الثورة المضادة، ولم تنجح في صناعة الضغط الشعبي على حماس. وفي المقابل، صمدت المقاومة كما لم يحدث لأي جيش عربي طوال سبعين عاماً في المواجهة مع إسرائيل، وتعززت قواها، وتحسنت سمعتها الدولية، بما يشبه الاعتراف الدولي بها، بعدما باركت الولايات المتحدة الاتفاق الأخير، والتفَّ أهل غزة، وفلسطين كلها من مختلف المدن، حولها.
بل إنني أزعم أن هذا من أعظم الانتصارات في التاريخ ، مقارنة بفارق القوى الهائل ، وبالنتائج التي تحققت أو ما سيتم تحقيقه مستقبلا من انهيار نفسي ووجودي للكيان الصهيوني .
رحم الله شهداء غزة الذين بدمائهم حققوا هذا النصر، وسوَّد الله وجوه المتصهينين العرب في كل مكان ، والحمد لله رب العالمين .
بقلم م. ياسين طاهر الأغا
[1] صلاح سعيد صالح شبير | البقاء لله علي العقول المتصهينه | 31-08-2014