مظاهر السلبية في بعض السلوكيات الاجتماعية في المناسبات العامة
بقلم: صلاح أبو حطب
يعتبر السلوك الاجتماعي جزء من الثقافة السائدة في المجتمع، والثقافة ليست مكوناً جامداً أو مغلقاً بل هي مكون مرن، متطور، ديناميكي ومتحول باستمرار نتيجة العديد من العوامل الداخلية والخارجية. هذه الفرضية تدفعنا للبحث في بعض السلوكيات الاجتماعية داخل المجتمع الفلسطيني ( في قطاع غزة تحديداً)، من خلال الإضاءة على هذه السلوكيات في المناسبات العامة وتناولها بالنقد والنقاش في إطار عملية التعديل والتطوير في السلوك الاجتماعي، برفض السلبي والتأكيد على ما هو ايجابي، من أجل دفع عملية التطور للأمام برفدها بالأفضل من السلوك. فالمناسبات الاجتماعية كثيرة ولكن المناسبات العامة التي يتداخل بها الناس بشكل كبير تكاد تكون تلك المقتصرة على اثنتين من المناسبات وهي: الأفراح ( حفلات الزفاف وعقد القرآن)، والأحزان ( بيوت العزاء).
وبالحديث عن هاتين المناسبتين أرجو من القارئ الكريم أن يتسع صدره، فربما كنا من مرتكبي العديد من الأخطاء الشائعة أو من أصحاب الممارسات والتقاليد (أقصد هنا التقاليع الاجتماعية غير المحببة وغير المفهومة في سياقات الشريعة أو ربما في سياقات السلوك الرشيد).
للمناسبات الاجتماعية دلالات متعددة، يمكن للناظر أن يدرك بسهولة المظاهر الايجابية والسلبية في آن واحد. أما الدلالات الايجابية تبدو بسيطة الإدراك في جلاء صورة التضامن والمشاركة الفاعلة من قبل الدوائر الاجتماعية المختلفة من صاحب المناسبة ( الأقرباء، الأصدقاء، الجيران والمعارف). وهي عملية تعبر عن حالة شعورية راقية وعن جهد محمود ويُثمن للمشاركين وللمجتمع المنتج لهذا السلوك على حد سواء.
وبتناول هذه المناسبات (المشار إليها أعلاه) ومظهراتها الخاصة بها والتي تكونت وازدادت حدة في مجتمعنا الغزي في العقد الأخير حيث أصبحت سلوك اجتماعي ثنائي الدلالة (الايجابية والسلبية) كما أشرنا سابقاً، ولكننا هنا سنتوقف عند المواقف التي أرى بأنها سلبية، وللجميع الحق في القبول أو رفض هذا التوصيف.
وإليك المشاهد التالية:
المشهد الأول:
الطعام في بيوت العزاء: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يُشغلهم " رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح، إن الأمر واضح في فكرة التضامن والمشاركة التي أمرنا الرسول عليه الصلاة والسلام بها، أما المشهد السائد في الحالة الاجتماعية التي نعيشها اليوم هو فيما نراه من عملية التوسع غير مقبولة في الأمر لدرجة أن العديد من بيوت العزاء تتحول إلى موائد كأنها ولائم أفراح.
والأمر الأكثر استغراباً أيضاَ أنه في كثير من الأحيان ذهب أصحاب هذا السلوك الاجتماعي غير الصحيح بقيام صاحب العزاء بتقديم الطعام للمعزين، وهو بالإضافة إلى أنه مخالف للسنة النبوية الشريفة مرهق اقتصادياً واجتماعياً بدرجة لا تحتملها الغالبية العظمى من الناس التي ربما تجد نفسها أسيرة بل وضحية للتقليد الاجتماعي المفروض عليها بفعل هيمنة وجبروت التقاليد وتتكلف ما لا تطيق أو تتعرض للملاحقة الاجتماعية إذا ما تقاعست فيما أضحى التزامات!
المشهد الثاني: وهذا المشهد يكاد يكون مشترك في المناسبتين ( الأفراح والأحزان) ويتمثل في مظهرين:
- الطابور الطويل من المستقبلين الذي ربما يضم أحياناً عشرات المستقبلين، وهو أمر ربما يحمل في ظاهره جانباً إيجابياً في التعبير عن حالة الاحترام للضيوف أو المعزين، ولكنه يبدو في الجانب الأخر ارهاقاً لكلا الطرفين الضيوف والمستقبلين، وما الضرر لو أقتصر الأمر على مجموعة لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. أم أن الطابور الطويل من المستقبليين هو تعبير عن المكانة الاجتماعية أو الطبقية للعائلة!
- عملية التقبيل للعريس أو لصاحب العزاء وهي حالة لم أرى فيها أي نوع من حالات التضامن أو حتى الفرحة. قد يكون الأمر مقبول ومفهوم في حالة العناق لبعض المقربين في حالات التضامن المباشرة للحدث. إن هذه الظاهرة بتقديري هي حالة مستحدثة على المجتمع الفلسطيني وهي من العادات التي يتذمر منها الغالبية العظمى من الناس ولكنهم يجدوا أنفسهم أسرى وعاجزين عن التخلص منها أو الحد منها.
المشهد الثالث:
التهافت غير الطبيعي في كثير من الأحيان للأحزاب والتنظيمات السياسية والنخب والمؤسسات في تقديم البوسترات والأكاليل المكتوبة بالقوالب الجامدة والشعارات تحديداً في حالات العزاء. ربما يقول البعض أن هذا أمر تقضيه حالة التطور الاجتماعي واللياقة الاجتماعية، أو ليس ذلك أيضاً من الأنماط الاجتماعية التي تعزز التمايز الاجتماعي الفج.
كما أنها تعبر أيضاً عن حالة يتم فيها فرض ثقافة استهلاكية أو ثقافة أقل ما يقال فيها أنها غير محلية، بل وتسعى إليها بعض الطبقات الاجتماعية لإظهار المكانة الاجتماعية والطبقية للعائلة أو لصاحب المناسبة.
إن التجديد والابتكار الحقيقي يجب أن ينطلق من منظور المصلحة العامة للمجتمع ككل بما يضمن تعزيز النسيج الاجتماعي والتكافل والتضامن ومحاولة تذويب كل الاختلافات في البنى الاجتماعية المختلفة للوصول إلى مجتمع متجانس منسجم مع ذاته ومنسجم مع القيم الثقافية البناءة. والله من وراء القصد والله ولي التوفيق.
[1] د. جواد سليم إبراهيم سليم | بوركت على الطرح | 03-05-2015