بسم الله الرحمن الرحيم
إليكم أيها الراحلون عن الوطن
المقيمون في قلوب أحبتكم إليكم أيها الغائبون الحاضرون
يا شهداءنا يا أبناء فلسطين يا أبطال الحماس وأبناء القسام
طريق الشهادة الحق الذي يقود إلى طريق الخلاص
انه موت بطعم الانعتاق والنجاة
موت ليس كمثله موت
فحين يختار الله من بيننا احد فانه يختار ويصطفى من كان دماءهم وأرواحهم ثمنا لحياة شعبهم وثمنا لمجد أوطانهم، فقد علم الله عز وجل أنهم الأكثر أخلاصا في الثورة، والأصدق والأحرص على التضحية، ولقد علم أنهم على مبادئ وقيم وأخلاق، ولهذا كرمهم الله واختارهم لحياة أفضل واسعد وارفع من هذه الحياة.
فقد قال سبحانه وتعالى "ويتخذ منكم شهداء"، كما نشعر بالحزن لفقدانهم... نشعر بالشوق إلى لقيآهم، لله عاشوا وفي الله ماتوا، ومن اجل دين الله حملوا لواء الفخر لواء الجهاد والاستشهاد.
فقد كانوا من أشجع الرجال كتومين في عملهم الجهادي.
لقد كان أبا الفضل محمد رجل دعوة، فقد خرج للدعوة في سبيل الله قبل أن يخرج للجهاد في سبيله، راجيا منه سبحانه أن يكون عند حسن الظن به.
أما أبو عبيدة عبد الحميد فقد كان ملتزما بطاعة الله ومنذ بداية مشواره نذر نفسه لله، كان محبا للجهاد، وكان دوما يقول التضحية واجب علينا، فكان رجل إعداد وتدريب، وكان رجل مقاومة يطمح في المزيد من الانجازات، وكان عزاءهم الوحيد أن هناك جنات تجرى من تحتها الأنهار، أعدها الله خصيصا للشهداء.
فكم اشعر بالخجل منهم عندما اكتب لهم أو حتى أفكر فيهم، لأني اشعر بالتقصير تجاههم واشعر أنني لم أوفيهم حقهم.
ففي أول يوم من رمضان، كانت الدموع تتكلم، من الصعب والمؤلم أن أوصف عمق الجرح الذي أحدثه غيابهم عنا، وفي موعد الإفطار بحثت عنهم فلم أجدهم بيننا، رحلوا وتركوا ذكرى مريرة في قلوبنا عن كل شهر رمضان.
أبا الفضل ... أبا عبيدة صوتكم أبنائي مقيم في أذني يعطيني القوة والصبر، قسما بالله في اليوم الثاني من رمضان وبعد الإفطار سمعت صوت ضحكتهم ترج أركان المكان تهز أسوار الزمان، ولم يكن وهما بل حقيقة، فنظرت إلى موطن جلوسكم بعد الإفطار تتحدثون وتذكرت كيف كنتم روح واحدة بجسدين، أفكارا واحدة لو فكرك أحدكم بنطق كلمة خرجت من فاهكم متزامنة، فكم تحدثتم عن الوطنية وان فلسطين هي قضيتنا والوحدة العربية غايتنا والقدس بوصلتنا.
استغفر الله – لقد جاء رمضان ذكرى أليمة لإصابة محمد – أذكرك يا عبد الحميد كيف قمت بواجبك تجاه أخيك في مصابه، في مثل هذه الأيام وكيف قمت على راحته، وأسعدني جدا تواءمكما ومحبتكم الصادقة النابعة من قلب دافئ ملوءه الحنان والوفاء والصدق والإخاء، اقسم بالله لم أرى أحداً أحب أخيه مثل حبكم لبعضكم فكنتم مثلا للإخوة يحتذي به.
أبا الفضل ... أبا عبيدة عيناي ترنو إلى رؤية أصدقاءكم الذين لم يقطعوا حبل الوصل بيننا للاطمئنان علينا، ينتابني شعور بالحزن فيما مصابي، ولكني أحب أن أقدم كل ما كنت تحبونه لاصدقاءكم، حيث أراكم في كل واحد منهم، اشعر بالفرح والسعادة حينما أراهم واشعر إنني أنجبت العشرات من الشباب الذين يحملون أفكاركم التي استشهدتم لأجلها.
أبا الفضل رحلت وتركتنا في دنيا الأموات، أذكرك في كل كلمة أتذكرك في كل لحظة، أتذكر ابتسامتك الجميلة، أتذكر عنفوانك، أتذكر عندما استشهد رفقاء دربك من قبلك كم وكنت تحزن لفراقهم ، اذكر كلماتك حينها "لهم الجنة أن شاء الله كلنا مشاريع شهادة" .
أتذكرك وأذكرك بطلا مقداما محبا لوطنه، وشعبه، عاشقا لآخرتك، ساعيا لها، كي تنال حظك الأوفى في الآخرة وتركت الدنيا وما فيها من ترف زائل، تركت الدنيا ووهمها للباحثين عن التفاهة.
أبا عبيدة ... لقد ودعت الدنيا وكنت الصبور المستجير بربك، أيقنت أن الدرب طويل، فنذرت نفسك لله، فطوبى لك أنت وأخيك، نحن على دربك سائرون وعلى خطاك ماضون وعلى مسيرتك عازمون نهجا وفكرا متمسكون.
وإنا إن شاء الله منتصرون سلامنا إلى أرواحكم التي ما زالت ترفرف حولنا، تفوح برائحة المسك.
اللهم ارحمهم رحمة واسعة وألحقهم بالأنبياء والصديقين والشهداء نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحداً.
بقلم والدة الشهيد محمد فضل الأغا
26/06/2015م