بسم الله الرحمن الرحيم
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ( 39 ) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ( 40 ) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ( 41 )
المقاومة والاحتلال بين الصعود أو التآكل
أوجد الخالق الحكيم سبحانه وتعالى لحياة خلقه سنناً وقوانين تحكم مسيرتها البشرية، منها قانون المقاومة والتدافع والصعود الذي يقترن مباشرة بقانون الوهن والضعف والتآكل ثم الانهيار للمعتدين على الناس وحقوقهم وممتلكاتهم ومقدراتهم بغير وجه حق، والآية التي افتتحت بها الكلام من أهم الآيات القرآنية التي تعبر عن هذه السُّنَّة.
ومنها قوله تعالى (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) البقرة.)
ومنها قوله تعالى (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ (190)
وقوله تعالى(وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ )
وقوله(وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ )
بدراسة تاريخ الاحتلالات عبر التاريخ ، وبالتعمق في فهم التجارب التحررية العالمية أو العربية، نلحظ ملامح قانون تصاعد المقاومة وقانون تآكل الاحتلال.
وتتضح وتتجلى بوضوح قوانين التحرر الوطني وتآكل الاحتلال عملياً بدراسة التطبيق العملي في التجربة الفيتنامية والتحرر من الاحتلال الأمريكي، أو التجربة الجزائرية والتحرر من الاحتلال الفرنسي، ونحن الآن في معمعة معركة الاحتلال الصهيوني للأرض الاسلامية العربية في فلسطين.
قانون التحرر الوطني:
ويقسم هذا القانون الى مراحل وخطوات منطقية متبعة في التجربة الانسانية وهي:
- قرار ولادة المقاومة:
حيث تبدأ مقاومة الشعوب وتولد من أصعب ظروف وأسوأ بيئة لا تعمل في صالح المقاومة، لأن المحتل بالتأكيد لن يسمح بتوفير بيئة تعمل في صالح صاحب الحق والأرض ليقاومه، بل سيوجد العقبات الكبيرة في وجه الشعب المحتل خوفاً من صحوته من رقاده ونومته، ولكن يجعل الله تعالى في اجراءات فرعون لقتل ووأد الأطفال من أجل ضمان عدم خروج القائد المخلص للأمة من الاستبداد أن يكون قدر الله بولادة التجربة المقاومة المخلصة على عين الفراعنة وهذا مصداق قوله تعالى : (وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ) بعد أن قال في الآية التي قبلها (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ )
- حرب العصابات لاستنزاف للمحتل هي نقطة القوة الاستراتيجية في يد المقاومة:
نقطة القوة الاستراتيجية للمقاومة تمر من خلال نقطة الضعف الاستراتيجية للجيوش النظامية، حيث تتبع المقاومة أسلوباً في القتال يُحير الجيوش النظامية ويحول دون قدرة الاحتلال على وضع حد للمقاومة، الجيوش النظامية مدربة لقتال جيوش نظامية، أما حرب الاستنزاف التي تسمى في السيرة النبوية بحرب المستضعفين، فهي نقطة القوة التي في يد المستضعفين في مقابل الجيوش النظامية.
- النمو بقوة على أعين المحتل:
يوماً بعد يوم تنمو المقاومة رغم أنف المحتل وتقوى على عينه ورغم كل خططه ومشاريعه التي تهدف لوأدها.
- الضربات الاستنزافية لقصم ظهر المحتل:
بعد فترة تشتد ضربات المقاومة المنظمة المخططة على المحتل
- الابداع عنوان التميز:
تصل المقاومة لمرحلة الابداع في أساليب جديدة للنضال والقتال تربك كل حسابات العدو المحتل
- استراتيجية تخدير الشعوب والتلاعب بعقولها:
يسعى العدو من بداية الاحتلال لايجاد أجسام وظيفية أمنية أو اجتماعية أو اعلامية أو عسكرية تشارك العدو في عملية تخدير الشعب صاحب الحق ويعملون تحت ستار الوطنية وشعارات براقة أخرى.
- خصائص المعركة المصيرية مع المحتل:
يصل العدو إلى قناعة أنه يخوض معركة مصيرية مفصلية مع صاحب الأرض الذي استيقظ بعد رقاد
- أدوار الأجسام الوظيفية:
المعركة المصيرية ليس فيها أخلاق وليس فيها داعي لأي اجراءات تغطي عملاء الاحتلال لان الاحتلال وأذنابه الآن يخوضون المعركة نفسها.
- استراتيجية القفازات وقتال شعوبها بالوكالة عن المحتل:
تصل الرسالة الى تلك الاجسام النشاز من الأمم والشعوب أنها أيضا تخوض المعركة الوجودية الأخيرة هي والمحتل حيث الأمن المتبادل والذي يعتمد وجودها وبقاءها ومصيرها ومستقبلها مع مستقبل المحتل.
مقولة أعجبتني:
إذا أردت تحرير وطن ... ضع في مسدسك عشر رصاصات .. تسعة للخونة ... و واحدة للعدو ... فالولا خونة الداخل ما تجرأ عليك عدو الخارج !!!! - الحرب المكشوفة من أجل البقاء:
في الوقت المناسب كما يقدر العدو يحرك أذنابه وفق خطته الاستنقاذية الأخيرة، فتبدأ بالاستعداد لخوض المعركة بكل وضوح وبلا خجل انها تقاوم المقاومة لأنها تشكل التهديد الاستراتيجي والوجودي عليه، وهنا قد تواجه المقومة حرباً داخلية تعطيلية استنزافية لإعاقة تقدمها تجاه العدو المحتل
كل هذه الخطوات تحصل بالتدريج الزمني الطبيعي لان الزمن عامل من عوامل نضوج التجارب وقوتها، وبالتوازي مع خطوات قانون صعود المقاومة في تجارب التحرر الوطني،، تسير خطوات أخرى في الاتجاه الآخر هي قانون تآكل الاحتلال.
قانون تآكل الاحتلال
قانون يتجسد في مجموعة من الخطوات والمراحل المتراكمة على بعضها
- تآكل السمعة القانونية لشرعنة الاحتلال:
حيث يبدأ التآكل بذهاب الغطاء القانوني الذي كان يستر به عورته بأنه ليس احتلالاً بل استعمار لأرض بلا شعب - تآكل السمعة الاعلامية للاحتلال :
حيث تنكشف عورته بسقوط ورقة التوت عنها أمام العالم ، وتتجرأ عليه قوى ودول في قول الحق بلا مواربة
- تزايد التكلفة العسكرية:
حيث تطرأ مستجدات تتسبب في تآكل القوة العسكرية بصورة مستمرة، ويخوض حروباً كبرى يتمرغ شرفه العسكري في الأرض من المواجهة مع صاحب الأرض المنتفضة والمقاومة. - تزايد التكلفة المالية:
حيث تزداد بزيادة الأعباء الامنية والاحتياجات والتحصينات الداخلية والخارجية والمقاطعة الاقتصادية لمنتجاته ومقاطعة دول لاسواقه بعد أن كانت صديقه له. - الانهزام في المعركة المعنوية لدى الجنود:
التكلفة المعنوية والنفسية في دواخل نفوس جنوده تزداد يتولد منها خوف وقلق دائمين في قلوب الجنود، وتسبب هذه المرحلة صعود ما يسمى بتوازن الرعب وسلاح الرعب للمسلم في نفس الكافر ينشأ في قلبه قبل شهر من قتاله، وهي التي تؤدي بجنود مدججين بالأسلحة النوعية الهروب من أقل سلاح في يد صاحب الحق. - الانهزام في معركة الثقل الاستراتيجي والوزن المستقبلي:
يحرك الاحتلال كل قواه الناعمة من علاقات بدول كبرى وأموال ووسائل ضغط ليبحث عن أي خطوة تؤجل المواجهة مع الشعب المنتفض والمقاومة المتعاظمة، ولكنه سيخذل لان كل القوى المحيطة وصلت لقناعة انه فاشل ومنهار فلا تريد المغامرة بسمعتها الاستراتيجية من أجل مشروع على وشك الانهيار. - سحق الغطرسة الاحتلالية وانهزام العقيدة الأمنية والعسكرية:
يتنازل العدو عن كثير من عقيدته الأمنية أو العسكرية في التعامل مع المقاومة وأصحاب الأرض الأصليين ليتماشى مع الطوفان الجديد الذي يحاصره من كل جهة. - الانهزام والتآكل في الحسبة السياسية ومعادلة الصراع:
حيث يصل المحتل الى نقطة تصبح فيها تكلفة عملية الاحتلال لأرض شعب مقاوم منتفض أعلى من العوائد المادية والمالية والعسكرية.
- انهيار غرور الكبار والقادة المحتلين:
حيث تدب الهزيمة النفسية في نفوس قادة العدو المحتل وجنوده وشعبه، فيعتقد قادته أن المشروع الاحتلالي على وشك الانهيار وأنه مشروع فاشل ، فقد يعتزلون الحياة السياسية ويهربون من الميدان وينهار الاحتلال من الداخل انهياراً مفاجئاً، أو يستعدوا لخوض الملحمة الأخيرة التي ستقضي عليهم .
بارك صاحب العمليات الكبيرة في اسرائيل يعتزل الحياة السياسية -
الهزيمة الساحقة وكنس الاحتلال :
حيث أن اليهود عندهم عقيدة دينية بأن الحجر والشجر سيدل عليهم، والحديث النبوي الصحيح الشريف يدل أن اليهود سيهربون ويختبؤون، يعني خيار المواجهة والمعارك الطاحنة والثبات على الارض والقتال بمعنويات عالية كلها عوامل غير موجودة لدى اليهود، بل من أهم أركان العقيدة الحربية الاسرائيلية استراتيجية الحرب الخاطفة، ويسدل الستار على مرحلة الاحتلال بلا رجعة ان شاء الله.
السؤالين اللذين أتركهما للقارئ الكريم بعد انتهائك من قراءة الكلام وقراءة الصور بتمعن:
في أي مرحلة نحن يا ترى في مسار صعود المقاومة حسب قانونها ؟؟؟؟
في أي مرحلة نحن يا ترى في مسار تآكل الاحتلال حسب القانون؟؟؟؟
نسأل الله تعالى أن يستعملنا في طاعته ، ويجعل هذا الجيل هو جيل النصر والتمكين، وألا تذهب دماء الشهداء وآهات الجرحى هدراً، وأن نرى انهيار الاحتلال من أرضنا عما قريب، وما ذلك على الله بعزيز.
[1] محمد سالم الأغا | نسأل الله تعالى أن يستعملنا في طاعته | 21-12-2015